Tuesday  02/11/2010 Issue 13914

الثلاثاء 25 ذو القعدة 1431  العدد  13914

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

 

فلْيُصافح الوعيُ العراقي اليدَ السعودية الممدودة
محمد الحاج صالح

رجوع

 

«هذه أيدينا ممدودةٌ لكم ليصافح الوعيُ راحتَها، فنعملُ سوياً من أجل أمنِ ووحدة واستقرار أرض وشعب العراق الشقيق» بمثل هذا المقطع تزخر مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله.

كُتب نصُّ نداء الملك عبد الله بدقّة ووضوح وبيان. ليس من غمغمة ولا إبهام ولا ميل في ما بين السطور لأحدٍ. هي دعوةٌ من رأسٍ لدولة تصعد في سلم الأهمية دولياً باطراد، وهي لذلك لن تُحابي. إنها مبادرة لتثبيت ما تريده السعوديةُ وما تراه في نفسها أنها قادرةٌ على إدارته وتدبيره. إنها المبادرة التي ترسم أفقاً مضيئاً بديلاً عن ليل العراق الزاخر بالصراعات.

لقد فشل الأمريكيون في المساعدة على تعمير حكومة عراقية، وما التصريحات المتوالية للمسؤولين الأمريكيين في أنهم لا يتدخلون في هذا الأمر، أي تشكيل الحكومة، إلا اعترافٌ ضمنيّ بالفشل. فالكلّ يعلمُ أنهم حاولوا من خلف الكواليس مراراً وتكراراً وبتنازلات صريحة أمام إيران. بلْ وربما كان صحيحاً تراجعهم المستمر وصل إلى حدّ الاتفاق مع إيران على دعم المالكي واستبعاد الآخرين. فالأمريكيون «ضجروا» ولم يعد نفسهم يحتمل الصبر بعدما قرروا الرحيل من العراق. إنهم مستعجلون يريدون اتفاقاً بأي ثمن.

حال الإيرانيين تشبهُ حالَ الأمريكان، ما عدا أنها تسيرُ في الاتجاه المعاكس. الأمريكان يريدون الانسحاب، أما الإيرانيون فيريدون مزيداً من الدخول، وليس أي دخول. إنهم يرغبون في أن يتغلغلوا في العراق أكثر وأكثر إلى أن تصل الأمور إلى وضع يسمح لهم بأن يكونوا اليد العليا في العراق. كان هذا واضحاً في ضغطهم المتواصل والشديد على الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون كي يشكلا كتلةً واحدة. وما الكلام الذي نُقل عن الصدر في أنه وافق على المالكي لأنه «الصدر» يقيم في طهران، إلا دليلٌ على هذا.

لا يمكن للمرء أن يتصور أن المبادرة أتتْ دون الأخذ في الحسبان الفشل الواضح لإيران ولأمريكا في الضغوط لتشكيل الحكومة إلى حدّ الآن. من هنا تأتي الركيزةُ الأولى لأهمية المبادرة. الركيزة الثانية تأتي من أن السعودية ليس لديها مشروعٌ مذهبيٌ، وهي ليستْ بوادر التبشير كما تفعل إيران. السعوديةُ تعملُ في حقل السياسة الآن وتريد الابتعاد عن التمذهب والتعصب، وهذا أيضاً على الضدّ مما تفعله إيران. ويمكن للمرء متابعة المسؤولين السعوديين وهم يكررون ويعيدون أن سياستهم وتوجههم يعتمد على الوسطية والاعتدال. الركيزة الثالثة هو نفور السياسة السعودية من إشعال الحرائق السياسية والمساهمة الدؤوبة في إطفائها أو على الأقل في عدم صبّ الزيت على النار، وهو إرث ذو وزن ثقيل متوارث من النزعة المحافظة للسياسة السعودية التي يبدو أنها «السعودية» بدأت تغادرها نحو سياسة فاعلة متجددة، إنما لا تتنكر لإرث الماضي. الركيزة الرابعة مبنيّةٌ على أن الوضع العربي والعراقي معه سيءٌ إلى درجةٍ أنّ الحاكم العربي ومعارضيه متفقون على أن الأمور وصلتْ إلى الحضيض، وعلى أن الوقت قد حان لفعل شيء ما. الناسُ تنتظرُ فعلاً يعطيها أملاً بأن الخروجَ من هذا النفق الأظلم ممكنٌ. إن المديح المُستحقّ للعراق وأهله وعدم التمييز بين عراقي وعراقي حاجةٌ ماسّة للعراقيين، بعد أن ذرّتْ بقرنها الفتن وناضت الطائفيّةُ التي وصفها الملك عبد الله «بالبغيضة».

تقول المبادرةُ مخاطبةً العراقيين «إنكم شعب تاريخ وحضارة، وأصالة وعزة، وثراء إنساني، لا يمكن لأي كائن كان أن ينكره أو يهمشه، وهذا يحتم عليكم أعمال العقل، واستنهاض الهمم، أمام مسؤوليتكم التاريخية والوطنية، للمحافظة على مكتسباتكم، وحق أجيالكم القادمة بالعيش بكرامة وعزة»

لا تنقص السعوديةُ عوامل النجاح في أن تمضي قدماً إلى دور فاعل في المنطقة، دورٌ يشكل رافعةً للخروج من هذا الضائق الخانق الذي انحشر في العربُ وحشروا فيه أنفسهم. فهي «السعودية» وكما ورد في نداء الملك عبد الله «مهبط الوحي، ومهد الرسالة والعروبة...» إنهما رأس المال الثابت والكبير. العروبة والإسلام. فأيّ بلد تتوافر له مثل هذين الركنين! وهي البلد العضو في مجموعة العشرين، أي أن وزن اقتصادها متنامٍ وصاعد في عالم اليوم، الأمر الذي يعكسُ تأثيراً سياسياً راجحاً. والسعوديةُ سارت خطواتٍ واسعة في مجالات التعليم ونقل التكنولوجيا، وهي شريكة لدول متقدمة في هذا المجال. وفي السعودية اليوم حراكٌ ثقافي وسياسي كبير يهدف إلى إصلاح اجتماعي وثقافي وديني. والملك عبد الله ذاته صاحب مبادرة حوار الأديان التي أعطت السياسة السعودية ميداناً رحباً في التأثر والتأثير وتصحيح صورة الإسلام والسعودية، بعد الأذى الكبير الذي سبّبه المتأسلمون المتعصبون.

يتعزّز الدور السعوديّ، برأينا، ويتقدم كلما تقوّتْ السياسةُ السعودية بداخلها الثري بعوامل القوة، وهي على ما يبدو كذلك الآن، ولم يكن من الممكن للملك عبد الله أن يقوم بمبادرة مهمة كهذه، لو أن الأساس الذي ارتكز عليه متمذهب متعصب وماضوي. وما أظن إلا أن السعودية أقلعتْ في درب الإصلاح قُدماً، وما أظن إلا أن أصحاب القرار في السعودية يعملون بوعي على بناء دولة حديثة لها دورٌ وازن وفاعلٌ في منطقتها وفي العالم.

نأملُ أن تكون مبادرة الملك باكورة خيرٍ للمنطقة وللعالم، وأن تؤسس لدورٍ سعودي فعّال، إضافة إلى الوسطية والاعتدال الذين تتميز بهما التقاليد السياسية السعودية.



 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة