Thursday  04/11/2010 Issue 13916

الخميس 27 ذو القعدة 1431  العدد  13916

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

يكاد مسار الأحداث الذي نراه في لبنان اليوم، ويتركز حول حزب الله، يتفق وما عايشناه في الماضي مع التنظيمات الفلسطينية، التي كانت تقاتل إسرائيل، حتى لكأننا نرى فيلما سبق لنا أن شاهدناه، وإن تغيرت وجوه بعض ممثليه وبعض تفاصيله.

أقام حزب الله إستراتيجيته على أولوية القتال ضد المحتل الإسرائيلي من جهة، وتعهد أن يمتنع عن تغيير أوضاع لبنان الداخلية لصالح حكم يتزعمه رجاله أو يستأثرون بقراراته من جهة أخرى. منذ عام تأسيسه عام 1982، أعلن الحزب أنه فريق لبناني مهمته الوحيدة مقاتلة العدو الصهيوني، وتأمين ظروف داخلية تحمي ظهره، بردع أية جهة تتآمر عليه أو تعمل لإضعافه، أو لإرباكه ومنعه من تركيز جهوده على إسرائيل.

ومع أن كثيرين قالوا باستحالة نجاح هذه المعادلة، واعتقدوا أن خطط الحزب في الداخل اللبناني ستظهر على حقيقتها بمجرد أن تنتهي المعركة مع العدو الخارجي، فإن قادته دأبوا على رفض هذه التهمة، وتعهدوا بممارسة حياد إيجابي تجاه مكونات الداخل الوطني، وبالمحافظة على توازناتها، التي مكنتهم من بناء تنظيمهم وغطتهم خلال القتال ضد المحتل.

قال قادة الحزب: إنهم لا يريدون، ولا يستطيعون، الغرق في متاهات الطوائف المتصارعة وحساباتها المتناقضة / المتعارضة، ويدركون أن انجرارهم إليها سيفضي إلى تآكل قوتهم وتبديدها في غير المكان الذي يجب أن توجه إليه، وسيستنزفهم ويخضعهم للمعادلة التي قصمت ظهر تنظيمات فلسطينية قوية، لم تكن أقل بأساً أو سلاحاً منه، سيطرت على الجنوب وأضفت طابعاً شرعياً على وجودها فيه، عبر اتفاقية رسمية توصلت إليها عام 1968 في القاهرة مع حكومة لبنان، كفلتها القاهرة ومكنتها من التفرغ لقتال إسرائيل، إلا أنها ما لبثت أن استدرجت إلى ما سمي فيما بعد «المستنقع اللبناني»، حيث تراجع تدريجياً دورها الوطني ودخلت في حسابات أوصلتها إلى كل شارع وزقاق وبيت، قبل أن تجد نفسها في عداء مع قسم كبير من اللبنانيين، ينتمي إلى طوائف وتيارات سياسية وازنة ومقاتلة، وتفقد صفتها كقوى تحرر وطني تقاتل عدواً غازياً وغاصباً يحتل بلادها، وتتورط في معادلات لا سيطرة لها عليها، جعلتها مهزومة سياسياً رغم ما حققته من تحالفات داخلية وانتصارات قتالية، وأعجزتها عن قلب التوازنات السياسية لصالحها، رغم ما امتلكته من غطاء داخلي ووحدة وطنية، وعلاقات عربية ودولية، وتفوق عسكري.

بانجرار حزب الله إلى وضع يعطي فيه الأولوية للداخل اللبناني، يتحول إلى طرف في صراعات لبنان الداخلية، ويغرق في حال شبيهة بالحال التي أحدثت تبدلاً هيكلياً خطيراً في دور ووظيفة المنظمات الفلسطينية، لم تعرف كيف تخرج منه إلى اليوم. إذا ما حدث هذا، فإنه سيمثل تحولاً جذرياً في طابع حزب الله الوطني العام، الذي سينقلب عندئذ إلى تنظيم طائفي يناصب طائفتين لبنانيتين رئيستين العداء ويتطلع إلى إخضاعهما، لن تتمكن قوته العسكرية من استعادة شراكته معهما أو حل مشكلاته، حتى إن حسم الأمور عسكرياً لصالحه. وإذا ما حدث هذا، سيجد الحزب نفسه في مواجهة أمرين أحلاهما مر: تراجع دوره ضد إسرائيل إلى درجة التلاشي مع ما يعنيه ذلك من فقدان شرعيته الوطنية والتفاف قطاعات واسعة من اللبنانيين حوله، وتورطه في معركة داخلية، معقدة وشائكة، ضد طوائف تستطيع استنزاف طاقاته وقدراته دون أن يتمكن من وضع نهاية لمعركته معها، بما أن انتشاره في لبنان سيتيح لها شن حرب عصابات مديدة ضده، وسيفقده دوره الأصلي كمدافع عن لبنان ويحوله إلى طرف في معركة داخلية وعربية وإقليمية ودولية، بينما ستكون إسرائيل سعيدة إلى أبعد حد بما يجري، وأكيدة من أنه يقرب نهاية الحزب ولبنان، إن لم يفضي إلى القضاء عليهما.

إذا كانت الحرب خياراً قاتلاً، ماذا سيفعل الحزب؟. هل سيحمي نفسه عبر الهيمنة على لبنان بالواسطة، عن طريق حلفائه؟. هذا الاحتمال صعب بدوره، لأسباب أهمها أن حلفاءه في الطوائف الأخرى سيكونون ضعفاء وهامشيين، إن بلغت الأمور مرحلة اصطفاف طائفي أخيراً غرضه حسم الصراع مع الحزب، الذي يمنح معظم حلفائه أهميتهم، فإن تخلى عنهم لم يبق لهم من قوة غير قوة حبالهم الصوتية!. في هذه الظروف، سيكون على الحزب بلورة بدائل أقرب مهلكة تجمع بين التفرد بالقوة، ومشاركة بقية اللبنانيين في خياراته السياسية الداخلية، والتفاهم مع أطرافهم غير الصديقة، بل والمعادية، على تحقيق سلم أهلي دائم، ستقنع مطالبة الحزب به الآخرين بأنه ضعيف لا يستطيع ردعهم, وسيعطيهم هامش مناورة واسع ضده، وسيشجعهم على تقييد خياراته والتدخل فيها.

بلغت مسيرة حزب الله منعطفاً مهماً تنبع صعوبته من حقيقة أن خياراته حيالها قد تنقلب عليه، وأنها ستصب في صالح خصومه وأعدائه، إن نجحوا في تحويل أولوياته من الصراع ضد العدو الإسرائيلي إلى الصراع ضد الداخل اللبناني. فهل سينجح؟.

يبقى احتمالان يطرحهما الإعلام، أحدهما مبادرة الحزب إلى شن حرب مباغتة على إسرائيل تخرجه من وضعه الصعب. والثاني التفاهم مع الدولة اللبنانية على أسس جديدة للتعايش، تنظم المسائل المتصلة بسلاحه وبعلاقاته معها، التي ازدادت اختلالاً خلال السنتين الماضيتين، منذ 7 أيار عام 2008 وحتى اليوم، حتى جعلته دولة داخل الدولة.

ليس الاحتمال الأول سهلاً، فالحزب لا يعرف إلى أين يمكن أن يقوده في حال لجأ إليه، ولا يعرف النتائج التي ستتمخض عنه، وقد تكون وخيمة إلى أبعد حد. أما الثاني، فيبدو، على صعوبته، أفضل الحلول المتاحة، مع أنه سيضطر الحزب إلى القيام بخطوات صغيرة إلى الوراء، في الموضوعين كليهما: سلاحه وعلاقاته مع الدولة، وما ينشده من تغيير في النظام، يعطي الشيعة حصة أكبر فيه.

هل سينجح الحزب في التعاون مع الدولة اللبنانية وفي القبول بأولويتها؟. هذا هو السؤال الذي يتوقف على نمط الإجابة عليه حاضر ومستقبل لبنان.

 

فلسطنة حزب الله!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة