Friday  05/11/2010 Issue 13917

الجمعة 28 ذو القعدة 1431  العدد  13917

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كلما أقرأ ديوان الشافعي فكأنما أقرأه للوهلة الأولى، ولا غرابة فشعره جله حكم، تتفق معظمها مع ما يعيشه الناس ويعانونه، وهي تجسيد لمجتمعه وربما المجتمعات التي سبقته وكذا التي لحقت.

وهو في شعره لا يطيل وإنما يكتفي ببيتين أو أكثر وفي النادر أن تزيد قصيدته على سبعة أبيات. وفي هذه الأبيات القليلة يرسم صوراً رائعة، ويرشد الناس إلى ما يراه صواباً، ولا غرابة في ذلك وهو العالم الجليل، والشاعر والمؤطر لمذهب ظل يحمل اسمه إلى يومنا هذا، ومن أراد الإبحار في فقهه فعليه قراءة كتاب (الأم) ففيه قواعد فقهية قل نظيرها.

وفي باب حمل النفس على حسن الأخلاق قوله:

صن النفس وأحملها على ما يزينها

تعش سالماً والقول فيك جميل

ولا تولين الناس إلا تجملاً

نبا بك دهراً أو جفاك خليل

وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد

عسى نكبات الدهر عنك تزول

ولا خير في ود امرئ متلون

إذا الريح مالت، مال حيث تميل

وما أكثر الإخوان حين تعدهم

ولكنهم في النائبات قليل

لا أظن أن أحداً لم يضرب المثل بالبيت الأخير، فكثيراً ما يستعيره الناس للاستشهاد عندما لا يجد أحدهم خلاً يلجأ إليه بعد الله في النوائب، وكثيراً ما هم. ولكن الدنيا لا تخلو من الخير والخيرين.

وفي البيت الذي قبله يرشد أن المرء المتلون لا تحسن صحبته فليس فيه من الخير ما يستحق اتخاذه خلاً، ولا أشك أن بعضاً ممن يقرأ هذا البيت تأخذه ذاكرته إلى أولئك النفر من المتلونين الذي يميلون حيث تميل الرياح، ومن الرأي عدم النظر إليهم بالريبة أو غيرها. فهي جبلة قد جبل المتلونون عليها، ومن العسير تغييرها، لكن لعل الخوف من الله سبحانه وتعالى يدفع بالمرء إلى التخلي عن بعض الخلال غير الحميدة، ولهذا فقد جاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق، ولهذا فهو القائل:

لما عفوت ولم أحقد على أحد

أرحت نفسي من هم العداوات

إني أحيي عدوي عند رؤيته

لأدفع الشر عني بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه

كأنما قد حشى قلبي محبات

إنني أتفق مع الإمام الشافعي في البيت الأول، لكنني قد لا أتفق معه في البيتين التاليين، فالعفو وعدم الحقد يريح المرء من العداوات، غير أن إظهار المرء غير ما يبطن صعب المرام إلا لمن لديه من المهارات ما يؤهله إلى بلوغ تلك الخلة العسيرة.

ويبدو أنه غير راض عن سيرة بعض أفراد مجتمعه، ولهذا فهو القائل:

لم يبق في الناس إلا المكر والملق

شوك إذا لمسوا، زهر إذا رمقوا

فإن دعتك ضرورات لعشرتهم

فكن جحيما لعل الشوك يحترق

أليس هناك تناقضاً في المعنى بين القصيدة السابقة واللاحقة، في معاملة الناس؟ فكيف ينصح بالعفو والتجاوز في القصيدة السابقة ثم يعود ليجعلها جحيماً ليحترق الشوك في القصيدة الثانية؟ لكنه الشاعر ابن لحظته يعبر عما في مكنونه في الحالة التي يكون فيها أثناء قوله القصيدة، لكنه كان رائعاً في شعره في الحالتين، كما هو دائماً في الشعر والفقه واللغة.

وفي قصيدة أخرى يقرر أن الزمان قد حنث يبمينه حيث لم يستطع الإتيان برجال يقتدى بهم، فقال:

ذهب الرجال المقتدى بخصالهم

والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت في خلق يمزق بعضه

بعضا ليدفع معور عن معور

حلف الزمان ليأتين بمثلهم

حنثت يمينك يا زمان فكفر

هل ذهب الزمان بمن يقتدى بهم؟

وهل الشافعي عاش في مجتمع يدفع فيه معور عن معور؟ وهل مجتمعنا كذلك؟ لست أدري.

 

نوازع
أفكار لدى الشافعي
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة