Friday  05/11/2010 Issue 13917

الجمعة 28 ذو القعدة 1431  العدد  13917

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

وهكذا عبر قصة تلصص عائلية عرفنا كيف تمت بهدف تحقيق مكسب مفهوم ولكنه عبر وسائل تجسس وتلصص شخصية محرمة وخطيرة. ونظرا لتطور شبكات وبرامج المعلومات ووسائلها وتطور أجهزة ووسائل الاتصالات،

فقد أصبح العالم اليوم يشبه القرية الكونية، وأصبح معه أمن الناس مجال استفهام كبير يستحق مزيدا من الاهتمام ومزيدا من الوعي. فلم يعد التلصص عبر ستار أو جدار، مثلما كان يقال إن للجدران آذانا. بل أصبح التلصص عبر المحيطات وعبر المدن أمراً ممكناً وعالماً مخيفاً على الرغم من انه لم يعد خفيا.

نقرأ بين الحين والآخر عن تحذيرات تطلقها جهات متخصصة في مجالات التقنية المتقدمة تنويها عن قدرة قراصنة الإنترنت وغيرهم من المحترفين في تقنية المعلومات ووسائل الاتصالات على ابتكار طرق متطورة لكشف معلومات محرمة عليهم. وهكذا فإن إجراءات الحماية ومنع المتطفلين والعابثين تقابلها إجراءات متجددة لكسر حواجز وإجراءات التشفير والحماية. وعلى الرغم من فائدتنا وحاجتنا الكبيرة في هذا العالم للوجه الجميل للتقنية في مجالات الاتصالات والمعلومات وتحقيق الأمن، إلا أن لها وجها آخر قبيحا يستخدمه الأفراد والمؤسسات على حد سواء. ويعتبر هذا الاستخدام الخاطئ والعبثي لثورة المعلومات ووسائل الاتصالات الحديثة بمثابة فن حرب متسارعة لا يكاد الناس يعلمون أو يدركون منها إلا الشيء اليسير؛ وتبقى وسائلها واستراتيجياتها وتكتيكاتها في الخفاء.

وإذا كان للحروب العامة قوانين تحكمها ووسائل وغايات نعلمها، وللناس قدرة على متابعتها وقياسها، ومعرفة وتيرتها؛ فإن حرب التطفل والتجسس والتلصص تعد حربا سريعة التغير والتلون ولها قدرة فائقة على التمويه والتخفي. ولصعوبة تتبع تطور ثورة المعلومات من منظور الوجه الآخر للتقنية، فإن القوانين الخاصة بها تعتمد وتنفذ بوتيرة بطيئة. وتختلط الشؤون القانونية بغير القانونية حتى في بعض العمليات التي تقوم بها جهات حكومية. فها هو قضاء دولة كبرى ومتقدمة تقنيا بعد أكثر من خمس سنوات يعتبر تنصت الإدارة الحكومية السابقة في ذلك البلد على مؤسسة خيرية أجنبية في سنة 2004م غير قانوني، كما نشر في بعض الصحف مؤخرا.

ومن المعروف أن العمل الاحترازي لمنع مجهودات المتطفلين أو الخصوم من اختراق معلومات الطرف الآخر أمر لا يتوقف عند الشأن الوطني المشروع والمطلوب حمايته والحفاظ عليه. فالشركات بمختلف مستوياتها والبنوك وحتى الأسر وبعض الأشخاص لديهم من الممتلكات والمعلومات القيمة وذات الخصوصية ما يبرر الاحتراز والتحوط لحمايتها. وفي هذا المحيط السفلي حرب لا تهدأ بين المهاجم والمدافع؛ فمن المهاجمين من يدفعهم التطفل أو الابتزاز أو افتعال أدلة وما شابه ذلك، الأمر الذي قد يصبح معه المدافع ضحية لغفلته وبراءته. وقد قيل إن الجاسوسية في مفهومها السلبي مشابهة للبغاء باعتبارهما من أقدم المهن السيئة عبر التاريخ. فحين تنهار القيم الأخلاقية في غمرة المصالح والتحديات وفساد البيئة المهنية يصبح لا فرق بين أخلاق البغاء، وأخلاق ذلك المهني الذي تسوغ له رغباته إساءة ما تحت يده من وسائل أو أساليب خاصة. وبالإساءة في حدود المهنة أو الوظيفة تتحول إجراءات الحماية المشروعة إلى عمل شخصي عبثي لاستخدام المهنة أو المهارة بالتزوير أو المبالغة أو بالتجسس لثأر أو تطفل أو تحقيق مكسب أو ما شابه ذلك، ضد الآخرين في ظل غفلتهم عما يحاك لهم.

ولخطورة التلصص والجاسوسية على أمن الناس عامة وأمن الأشخاص وأمن الشركات وعلى الأمن الوطني بصفة عامة، فقد تمكنت مؤسسات الأمن وشركات البرمجة والتصنيع بتنوعها من تحقيق قفزات كبيرة لوضع الاحتياطات الضرورية والمتجددة حسب تنوع المواقف. وكان التركيز ولا يزال على العنصر البشري في ضميره ومهنيته هو العامل الأبرز في ضمان نجاح أية سياسات وإجراءات لتعزيز الحماية.

ففي ذلك العالم الغامض نسبيا تلوح لضعاف النفوس فرص كثيرة للحصول على مكسب شخصي أو النيل من آخرين لغرض شخصي. وفي هذا الشأن تكمن أهمية تطوير إجراءات تقييم الأشخاص العاملين في أي مجال له علاقة بهذا المحيط وتصنيف شخصياتهم وتحديد مستويات معلومات الأمن التي يمكن أن يطلعوا عليها. وما تسريب المعلومات وإفشاء أسرار الأشخاص والمؤسسات وحصول الحوادث إلا نتيجة طبيعية لضعف تأهيل وتصنيف وتقويم ومتابعة العناصر البشرية. كما أن تجنيد واستئجار المتعاطفين والمتعاونين والعملاء والمخبرين يجد في تلك النوعية من الموظفين والمهنيين صيدا سهلا ورخيصا.

وليس فقط للمؤسسات الكبرى والبنوك وغيرها من المنظمات الاجتماعية، بل أيضاً على المستوى الوطني كان للمعلومات ولا يزال بُعد مهم بحجم أهميتها. وقد تعددت طرق الخصوم ووسائلهم لتحقيق غاياتهم نحو الحصول على معلومات محددة تمنحهم ميزات إضافية أو قد تشكل نصرا واختراقا لصالحهم. ومرة أخرى، وعلى نفس القدر من السعي للحصول على المعلومات، هنالك سعي حثيث لتأمين المعلومات؛ ومنع وصولها إلى من لا يسمح له بالاطلاع عليها. وقد كان البحث عن المعلومة، والسعي لحجبها، مسرحا مفتوحا للصراع العلني والخفي في هذا الشأن عبر التاريخ. وشكل هذا التنافس والسباق حول المعلومات الحساسة هاجسا مهما، مما تسبب في تطور وسائل كشف المعلومات واستطلاعها وتسخير كل المصادر لضمان التفوق في ذلك.

وقد كان هنالك تقدم كبير في الجانب المادي من الإجراءات الإدارية والاحترازية وكذلك عبر الأجهزة الأكثر تطورا بما فيها من برامج ذكية لتصنيف المعلومات وحمايتها. ويعتبر تطوير مهارات وقناعات القوى البشرية ذات العلاقة بأمن المعلومات هو الحلقة الأضعف في مجال الأمن الخاص. ولذلك، فإن سعي الخصوم للحصول على المعلومات يقابله سعي آخر لتطوير الإجراءات المضادة لمنع أي اختراق في الشؤون ذات الأهمية القصوى. وعلى المستوى الشخصي فإن تحقيق أمن الناس ترتفع مستوياته بقدر مستوى الوعي والحذر ومستوى الإشراف على السوق التجارية المفتوحة التي تشهد حالة متغيرة ووتيرة متجددة بمختلف أنواع التقنية من برامج ووسائل ومهنيين.

وهكذا، فإن استطلاع الخصم وإجراءات تطفله وتلصصه أو تجسسه المتنوعة حول القضايا المهمة يقابله إجراء مضاد لتحصين وتوثيق الإجراءات ومنع الطرف الآخر من كسر الحواجز واختراقها. وقد أصبح الصراع بين الطرفين يمثل تحديا قويا لكل منهما نظرا لأهمية توفير الحماية المادية والمعلوماتية والمعنوية، في مقابل السعي لكسر تلك الحماية واختراقها. وقد تتساوى المؤسسات والدول والأفراد أيضا، في السعي لشراء أحدث الوسائل والتجهيزات والعمل على تطبيقها، إلا أن دقة اختيار وتطوير القوى البشرية وإكسابها مهارات أخلاقية ومهنية فائقة هو العامل الأكثر حسما في عصر تتعاظم فيه تقنية المعلومات.

ويعد تأمين المعلومات عالم متكامل بمدارسه وفلسفاته وما فيه من تجارب وشؤون مما حول الكثير من سجلات الدول والشركات وحتى الأشخاص إلى روايات وأساطير منشورة. ولما في حرب المعلومات بين الدول والشركات والخصوم عموما من حقائق وأساطير وقصص فقد شكلت مادة غنية لصالح صناعة السينما العالمية التي أنتجت الكثير من الأفلام الحربية والبوليسية وما له علاقة بعالم الجاسوسية.

وتزخر المكتبة العالمية المتاحة للجميع بما فيها شبكات الإنترنت بمادة غنية من الأدبيات المطبوعة والمصورة حول أمن الناس وعلاقته بالتلصص وبالتجسس بما في ذلك من إجراءات مضادة؛ خصوصا بين الدول الكبرى في فترة الحرب الباردة بما فيها من شؤون الاستطلاع والجاسوسية. ومن يَزُرْ بعض متاحف الاستخبارات العالمية ومعروضاتها يدرك أن أجهزة الاستخبارات العالمية الأكثر تطورا وكفاءة تخضع العاملين فيها إلى إجراءات مسح وتقييم من فترة إلى أخرى لضمان لياقتهم الأخلاقية والذهنية والمهنية ومدى ملاءمتهم لطبيعة أعمالهم.

فقد يكون التهديد والخطر الأكبر على وطن أو مؤسسة ناتج عن غفلة أو ضعف في سياسة العمل الأمني الخاص حين يتعثر البعض فيسيؤون استخدام وظائفهم الخاصة بقصد أو بغير قصد. ومن الميزات والخصائص الأكثر إيجابية أن يتحلى الشخص بمقدرة فائقة على التعامل مع المواقف والمعلومات السرية بعيدا عن حساسيته الشخصية أو مصالحه، ويظل دائماً على الحياد التام في ثقة وتلقائية، وبعيدا عن الإغراءات والمؤثرات الاجتماعية أيضا. ومن المعروف أن المؤسسات التي تفترض حسن النوايا، وتعتمد ذلك منهج عمل، ولا تضع اعتبارات تطبيقية للمؤثرات الشخصية والاجتماعية، وكذلك تصنيفات مهنية متجددة عن الكفاءة الشخصية للعاملين، سوف تجد نفسها وقد تضررت من موظفيها أكثر من ضررها من خصومها.

وختاما، فبمثل ما تعمل الدول والمؤسسات التنافسية الكبرى، تعمل عناصر الإرهاب مستغلة كل الوسائل والأساليب؛ لكسر واختراق الدوائر حول معلومات مطلوبة لتنفيذ فعل معين. وهنالك حوادث فردية حول العالم يمكن استقراؤها لمعرفة كثير من تلك الأساليب المتغيرة والمتطورة الوسائل. وتعرض الأدبيات في شؤون أمن المعلومات، أن كل محترف في هذا المجال يفترض أن أنشطة الخصوم قد تفوق فعاليات وإمكانات الإجراءات المضادة، فيخطط للأسوأ ويتمنى حدوث الأفضل. ولذلك، فإن توقعات الأفعال والتنبؤ لها بردود أفعال ملائمة تظل ميدانا لا يفترض أن يهدأ. ولا يجب أن تتوقف الجهود على المستويات الشخصية أو الرسمية استسلاما لما قد يعتبر تأبينا للخصوصية في العالم.

وعلى مستوى عامة الناس من أفراد ومؤسسات يظل حق حماية الخصوصيات شأناً يشغل بال الكثير. فالمصانع تنتج الجديد كل يوم في مجالات اختراق الخصوصية وتبيح بيعه علنا في الأسواق. فالقلم المسجل الذي يحمل كاميرا خفية ترصد بالصورة المتحركة والصوت مشاهد خصوصية، ومثله عيون وآذان تقنية مصنعة لغرض سرقة ما لدى الناس من شؤون خاصة بطريقة التلصص وكلها متاحة للبيع وان حدثت قيودها فهي قيود محدودة.

وقد أسهمت الحوادث المتوالية عبر انتشار وتداخل المعلومات عالميا وإقليميا إلى إيجاد تشريعات جديدة لحماية الناس. وبموجب تجدد الحوادث واكتشاف مسرح المعلومات تخرج الحكومات والشركات بالمزيد من القوانين وبإجراءات أخرى متجددة. ويظل تثقيف الناس وإقناعهم بما يجب في هذا البعد التقني المتجدد محوراً فيه تحديات كبيرة. ويبقى الإنسان في صراع مع نفسه وما حوله في هذا العالم المتغير خاصة حينما تتحول شؤونه العادية إلى أسرار. وقد لا يدرك البعض أن أمرا عاديا لا يمثل لهم شأنا مهما يمكن أن يعتبر من القضايا التي يبحث عنها الآخرون، لتتحول إلى معلومات خطيرة حين تستخدم في سياق مختلف. ماذا لو كنت ضحية لتلصص أو تجسس؟، هل ستختلف أفكارك ومشاعرك نحو تفعيل أبلغ لإجراءات وقوانين وثقافة الحماية؟

mabosak@yahoo.com
 

تأبين الخصوصية في العالم:
بين التجسس والتلصص.. (2-2)
محمد أبو ساق

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة