Friday  05/11/2010 Issue 13917

الجمعة 28 ذو القعدة 1431  العدد  13917

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

           

يقال إن الفنون جنون ويقال إن الجنون منطلق للفنون وبين هذه وتلك قواسم مشتركة فالقول الأول بأن الفنون جنون يعني ما لا يقبله العقل أو يصدقه من الإبداعات، إما لوجود قدرات فائقة عند المبدع لا تلامس أو تطابق الواقع الذي يعرفه ويتعامل معه المشاهد أو المتلقي فتدفعه للحكم على الفنان بتلك الصفة لاستباق هذا المبدع لثقافة عصره نحو مرحلة أبعد وتلك معضلة الإبداع في كل شيء وفي كل العصور، أما الجانب الآخر من الضفة فهو في تعامل الفنان مع إحساسه ورغباته دون النظر إلى قبول الآخر لها وانعكاساتها على تصرفاته الشخصية كأن يسعى ليوصف بالجنون مدعاة لالتفات الآخرين له كما هي لغة الدعاية والإعلان الإثارة ثم الجذب بأن يبالغ في إهمال نفسه ويلبس ملابس رثة أو أن يهمل شعره أو أن يخرج عن المألوف بالحديث عن إبداعه وعن فلسفته الجمالية بعبارات وجمل غارقة في الغموض، ومع هذا فإن مثل هذا الجنون المحبب حينما لا يخرج عن الذوق العام أو يخدش الحياء مهما اختلفت الآراء فيه، مدعاة للإنجاز قد يقبل في مجتمع ويرفض في آخر ولنا في تاريخ الفن الكثير من القصص والمواقف، منها ما يمكن تصديقه وكثير لا يمكن حدوثه، كما إننا أصبحنا نسمع بعض العبارات والجمل الوصفية لشيء آثار إعجابنا بأن نقول إن هذه اللوحة أو تلك الفكرة أو حتى السيارة (مجنونة) أو(تجنن) أو باللهجة العامية (تهبل) و(تهوس) وكل منهما يعود بنا إلى الجنون كدلالة على وصولنا إلى قمة النشوة والإعجاب.

أتذكر قصة للفنان سلفادور دالي عندما أراد أن يفتتح أحد معارضه خرج عن الأسلوب المتعارف عليه بقص الشريط إلى وضع لوح زجاجي بحجم مدخل المعرض وطالب من المفتتح أن يكسره ويقال إنه يترك السمكة حتى تتعفن ليقوم برسمها بعد أن يرى فيها تغيرات وتبدلات في الشكل واللون. وآخر ينام في أماكن مخيفة ليعود بعدها لرسم خيالاته وما توقع حدوثه وتشكل في عقله من المشاهد، ويقال إن ليوناردو دي فنشي صاحب لوحة الموناليزا بابتسامتها اللي (تجنن) الأشهر عالميا كان وهو صغير عند بداية ممارسته لموهبته في الرسم يجمع الحشرات والقوارض في قبو منزلهم ليرسمها وإن أباه انتابته موجة من الرعب حينما شاهد لوحة لرأس حشرة اليعسوب على لوحة ليوناردو بحجم كبير فيرى فيها بشاعة ذلك الرأس وكأنه مخلوق غريب من كوكب آخر، أما القصة التي لم نصل إلى حقيقتها كونها تروى بأشكال متعددة فهي في قطع فان جوخ إذنه وإهدائها لحبيبته التي هربت منه ليؤكد لها حبه وفقده لها يراها بعض العشاق فداء للحبيبة والبعض رآها جنونا، أما جنون العامة فلا يقل بأي شكل عن جنون الفنانين إذا اعتبرنا أن ما ذكرناه يعد إيجابيا فإن جنون غير الفنانين قد يكون أسوأ فكيف يشتري عشاق فن بيكاسو قوالب مأخوذة من خطواته على رمال البحر أو أن تدفع ملايين الدورات لبدلة من بدل مايكل جاكسون أو منديل أم كلثوم مع إنني من عشاق أغانيها وقد أكون ممن يشتري المنديل لو بالجيب (حيلة).

كثير هي الحكايات وكثيرون هم المجانين الذين أسعدوا الناس بإبداعهم شعرا ورواية ورسما ونحن هنا لا نتندر ولا نعترض فللمبدعين حقهم من الحب ولعشاقهم ومحبيهم كل الحق في إبداء وجهة نظرهم فيهم بجنون يناسب ويتوازى مع ذلك الإعجاب.

اختم بالحديث عن عمل اعتبره أحد الزملاء غير الميالين للفن خصوصا الحديث منها المفاهيمية التي ظهرت في أمريكا وأوروبا في نهاية الخمسينات بعد إعلان الفنان والناقد جوزف كوزوث عام 1969 أن «جميع الأعمال الفنية التي تندرج ضمن تجربة مارسيل ديوشامب الذي اشتهر بعرض المبولة (أعزكم الله) كرسي الحمام أعمالا مفاهيمية، هذا الاعتراف أعادني لموقف قديم مع صديق يحضر معي إحدى دورات بينالي الشارقة كان العمل لفنان عراقي لا يحضرني اسمه الآن عبارة عن غرفة أقيمت بقوائم حديدية غطيت بغطاء بلاستيكي أزرق لا يتجاوز قطرها الستة عشر مترا مربعا جعل لها بابين أحدهما للدخول والآخر للخروج وأطلق عليه اسم الغرفة، مفسرا هذا الشكل والاسم بأننا نمر بغرف كما نمر من خلال هذه الغرفة ابتداء من الرحم مرورا بكل قوانين الحياة الممنوع منها والمسموح وصولا إلى القبر وقد حقق بهذا العمل الجائزة الأولى اعتمادا على الفكرة التي ترتكز عليها الأعمال المفاهيمية. أليس هذا عملا جنونيا لم يخطر على بال غير هذا المبدع ورغم ذلك اتهمه زميلي بالجنون وألحقني بالتهمة كوني دافعت عنه ولم ينقطع تهكمه تلك الليلة الا عند دخوله غرفة نومه.

كم سنرى من شطحات وقفزات تتجاوز قدراتنا في عالم أصبح مسرحا لكل جديد البعض منه يدركه العقل من أول وهلة والكثير يحتاج للتفكر والتدبر ومعرفة أبعاده لئلا نصل إلى مرحلة الجنون البغيض والحقيقي.

JAZPING: 6461

monif@hotmail.com
 

للرسم معنى
فنون (تجنن) !
محمد المنيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة