Sunday  07/11/2010 Issue 13919

الأحد 01 ذو الحجة 1431  العدد  13919

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

قال أبو عبدالرحمن كنت قَدَّرتُ لهذا البحث ثمانيَ حلقات، ولكنَّ القَلَم تدفَّق؛ فلما وصلتُ إلى ههنا وجدتُ أن بحثي لن يتم إلا بثماني حلقات أُخَرْ؛ فاكتفيتُ بما بدأتُ بحثه، وأوجزت البحث في عشر حلقات، و(ما نِقَصْ مِن قْرَاكِمْ طالبينهْ مِن لْحاكِم)!!.

ووصيتي لإخواني من طلبة العلم الشرعي بأن يتَّجه مَن أراد منهم تحقيق مسألة شرعية إلى جمع النصوص الشرعية في المسألة من القرآن الكريم وصحاح الأحاديث، فيسوِّدُها بالإحالة إلى مصادرها، وذِكْرِ بعضِ كلمات عن موضوعها ويكون المعنى في ذهنه كاملاً، وأحكام الديانة عقيدة وفقهاً وآداباً مُفْردة بالتآليف، بيِّن صحيحها من سقيمها مع الحرص على تتبُّع مفردات القرآن الكريم.. ويكون المعنى في ذهنه، ولا يرجع إلى شيء من كتب العلماء، ويُجَرِّد عَقْلَه من كل رأي مسبق إلا ما نبع من إيمانه، أو ما كوَّنه من براهين شرعية قطعية يبني عليها، ثم يستنبط من النصوص مجتمعة سواءً أكانت نصاً على اسم موضوع المسألة أو نصاً على معناها، ويستحضر عقلَه في نشاط ذهني بعد نومٍ كافٍ بلمَّاحيَّة ودقَّة تمييز، ولا يقبل من المرجِّحات إلا ما كان عليه برهانُ صحةٍ من لغة العرب التي نزل بها الشرع، فإذا انتهى من المسألة بحيثيَّاتها ونتائجها وبراهينها، واطمأن قلبه إلى أن هذا هو مراد الشرع بيقين أو رجحان: رجع إلى كتب العلماء ؛ ليستدرك ما فاته، وليلاحظ أيَّ سهوٍ يكون وقع فيه هو، أو وقع فيه غيره.. وإنما جعلتُ الرجوع إلى كتب العلماء آخِراً لسببين:

أولهما: أن دين الله يسر لا عسر، سهل إدراك دلالته إذا جُمِعتْ النصوص في المسألة، واسْتُحْضِرتْ دلالات لغة العرب، وصاحب ذلك وعْيُ العقل بنشاط.

*؛ فالذين مكروا هم اليهود الذين أحس عيسى عليه السلام منهم الكفر، ومكرهم هو سعيهم السِّرِّي لقتله، ومكر الله سبحانه ههنا هو رفعه عيسى عليه السلام إليه ؛ لأن الحواريين رضي الله عنهم غير قادرين على حمايته، وغير قادرين على إقامة عَلَمِ الجهاد، وعيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل عليهم السلام المشار إليهم في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} *سورة الأحقاف 35*، والمحقَّق عندي أيها الأحباب أن نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم مِن أولي العزم، ولكنهم ليسوا جميعهَم، وليس جميع أولي العزم في درجة واحدة، فكل نبيٍّ صبر على أذى قومه، واجتهد في البلاغ، واجتهد في العبادة فهو من أولي العزم، ثم تتفاوت درجاتهم.. والمحقق عندي أيضاً أنه ليس كل ذي عزم من الرسل مأذوناً له بالجهاد ؛ فعيسى عليه السلام من الخمسة المقدَّمين من ذوي العزم، وقد صبر على أذى قومه من يهود لعنهم الله، ولم يأذن الله بقدره الكوني أن يكون له جندٌ يُقيم بهم عَلَمَ الجهاد ؛ فرفعه الله إليه، وبثَّ الحواريون رضي الله عنهم دينه.. وعيسى عليه السلام على الإسلام ملةًّ وشريعته، والنص على الذين اتبعوه يشمل الحواريين وأمة الإجابة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بشَّر برسول يأتي مِن بعده اسمه أحمد؛ فهم مؤمنون بما جاء به، ومؤمنون بنسخ شريعته بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يسع النصارى إلا اتِّباع الإسلام الذي بشَّر به عيسى عليه السلام، وهو عليه السلام سيحكم بشريعة أخيه محمد صلى الله عليه وسلم آخر الزمان، وسيبطل ما أحدثه المحدثون من قومه في ملته وشريعته، وبرهان ذلك من الأحاديث الصحيحة، ومن قوله تعالى عن يهود لعنهم الله: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} *سورة النساء 156-159*.

*، وباللزوم سيؤمن به من أدركه منهم عند نزوله عليه السلام ؛ لأن الغلبة له، وسيقتل الدجال، ولن يبقى عدواً له إلا يأجوج ومأجوج، وسيأخذهم الله بالنَّغف، وهو دود يُسلَّط عليهم.. ويؤكِّد أن مِلَّته عليه السلام الإسلام قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} *سورة الصف 6-8*؛ فجعل الله إظهار الإسلام إظهاراً لبشارته، وجعل تكذيبهم لعيسى عليه السلام تكذيباً مِمَّن يُدعى إلى الإسلام.. ويدلك على أن لعيسى عليه السلام حواريين صادقين أن الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا حواريين له.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} *سورة الصف 14*؛ فالحواريون مؤيَّدون بالثبات على دينهم قبل التحريف وبعده، ومنهم من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كالنجاشي، وأُوتوا أجرهم مرتين؛ فهذا دليل على إيمانهم قبل الإسلام على الصفاء، وأنهم من ورثة الحواريين.. وأيد الله الحواريين بإظهار حجتهم على دين صحيح ببيانِ الإسلامِ حقيقةَ عيسى وأمِّه عليهما السلام، ومعجزاتِه، ورَفْعَ الله له، وبراءةَ مريم البتول عليها وعلى ابنها عيسى وعلى نبينا محمد وعلى جميع أنبياء الله ورسله أفضل الصلاة والسلام، وكرَّم الله عيسى وأمه مما اقترفه يهود من الزور.. ومع بقايا الحواريين دخل التحريف والتبديل والإسقاط في دين عيسى عليه السلام ابتداء ببولس الرسول (شاؤول اليهودي المكرِّز) الذي ثبت أنه وُلد بعد رفع المسيح عليه السلام بأربعين سنة ؛ فتنصَّر تضليلاً وكيداً، وزعم أنه من حواريي المسيح عليه السلام، وبلغ هذه المرتبة الدينية عندهم ؛ ليدوِّن لهم الأكاذيب، ثم توالى بعده كفرة يهود في وضع الأناجيل كلوقا ويوحنا ومرقس، وخلطوا الصدق بالكذب؛ ليروِّجوا به؛ لعجزهم عن طمس كل أَثارة من دين عيسى عليه السلام.. وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} *سورة المائدة 111*، والمرجَّح عند الجمهور أنه إيحاء إلهام كإيحاء الله إلى أم موسى عليهما السلام، وكإيحائه إلى النحل.. والمرجَّح عندي أنه إيحاء من الله إلى عيسى بن مريم عليه السلام بلَّغهم إياه من عند ربه، وذلك هو الموافق لقوله تعالى في سورة الصف:{ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} (14) سورة الصف وكما مرَّ من سورة آل عمران، وهم أشهدوا عيسى عليه السلام على إيمانهم في الآيات الثلاث، وليس ذلك إيحاء إليهم أنفسهم بواسطة جبريل عليه السلام ؛ لما ورد من طلبهم نزول المائدة بصيغة: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} فليس هذا شأن مَن أُوحي إليه مباشرة، ولقولهم:{ وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } ولتخويف عيسى عليه السلام لهم، وهذا هو نص الآيات الكريمات: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ. قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ} *سورة المائدة 112-115*.. والمرجَّح عندي أنهم رضي الله عنهم ثبتوا على إيمانهم، وخبر المائدة مما أسقطه يهود بعد تبديلهم دين عيسى عليه السلام كما أسقطوا ما ذكره الله مما هو في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وأما دعوى أنَّ مِن الحواريين من كفر بعد نزول المائدة؛ فمسخوا قِردةً وخنازيرَ: فذلك من الإسرائيليات التي ليست في كتب أهل الكتاب، وإنما نقلها المسلمون عن كتابيين يدَّعون على أهل الكتاب ما ليس في كتبهم، والزعم بأن الحواريين رضي الله عنهم قالوا: (لا حاجة لنا في المائدة) بعد أن توعَّدهم الله سبحانه وتعالى بقوله:{ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} دعوى على الله بغير برهان ؛ فلم يثبتْ أن عيسى عليه السلام دعا ربه أن لا يُنزِّل المائدة، وقد قال سبحانه:{قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } فهذا وعد الله الحق بصيغة التأكيد، وإيعاد الله بالعذاب جزاء لا يتحقَّق إلا بتحقُّق الشرط؛ لهذا لا يلزم من الشرط وقوع المشروط الذي يترتب عليه الجزاء.. ومثل ذلك قوله تعالى عن صفيِّه من خلقه المجتبى محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} *سورة الزمر 65*، ومحال أن يقع منه المشروط وهو المصطفى خير العابدين عليه أفضل الصلاة والسلام.. والحواريون الذين أعلنوا إيمانهم رضي الله عنهم هم الطائفة التي آمنت من بني إسرائيل، ووعدهم ربهم أن يكونوا على عدوهم ظاهرين، وأما وعد الله بإنزالها فغير معلَّق بشرط ولا جزاء.. وأما ما ذكره بعض المؤرخين من أن موسى بن نصير رحمه الله تعالى وجد المائدة مرصَّعة باللآلئ وأنواع الجواهر فبعث بها إلى الخليفة : فخرافة من الخرافات ؛ فما الذي جاء بالمائدة إلى المغرب؟!.. ثم المائدة تؤكل وتنتهي فكيف بقيتْ، وما علاقتها باللآلئ والجواهر؟!.. ولو صح ذلك لكان أثراً من الآثار وُجِد في المغرب لا علاقة له بالمائدة.

*؛ فالهيمنة للروم، ثم كانت غلبتهم فارس ثم ستكون الغلبة للروم في بضع سنين.. أي بعد بضع سنين كما في خبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ وذلك في أدنى الأرض من فارس إلى الشام، وأما غَلَبةُ الروم فغير مُحدَّدة بزمن، وفَرَحُ المسلمين من جهتين: أولاهما أن عودة الروم بِغَلْبِهم فارس سيزامن انتصار الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم على مشركي العرب ودُهرييهم.. وأخراهما الفرح بانتصار أهل الكتاب على مشركين إن كانوا أصحاب كتاب فقد درس وعبدوا النار.

*، وهذا موضع ريبةٍ عند مَن لم يستقرَّ الإيمان في قلبه؛ لما يراه من ضعف المسلمين، وسقوط دولتهم الواحدة، وغلبة عدوهم عليهم؛ وبما أن دين الله لا يُؤخذ من نصٍّ واحد؛ وإنما تُضمُّ النصوص بعضها إلى بعض؛ لفهم مراد الله سبحانه وتعالى: لهذا كلِّه أُبيِّن عدداً من الأمور:

*؛ فكانت الآيات نصَّاً قاطعاً ضامناً لظهور دين الإسلام على غيره من الأديان إلى يوم القيامة على خلاف ما أراده الكفار، وما ضمن الله غلبة المسلمين من ظهور الإسلام إلى يوم القيامة ؛ فلذلك أحكام شرعية أخرى تأتي إن شاء الله، ولم ينتشر دين على الصفاء في أرجاء المعمورة كما انتشر الإسلام.

والأمر الثاني: من ظهور الإسلام انتشارُه على أرجاء المعمورة للحديث الصحيح عن تميم الداري رضي الله عنه -وهو أيضاً لصحته شاهد لحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل: عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر.. فأما انتشار الإسلام في المعمورة فقد حصل وتم قبل العصور الوسطى؛ فلا أحد اليوم يجحد وجوده، وأما عز المسلمين المشار إليه وذلِّ غيرهم فله أحكام أخرى كما أسلفت.

*، وقال سبحانه وتعالى مخاطباً أمته: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } *سورة الحشر 7*، واجتهد الزنادقة، وأهل الأهواء والبدع، والكذبة في خلطه بباطل من القول ؛ ولكن الله ضمن لعلماء المسلمين ذوي الاختصاص تمييزَ ما كُذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمتن طرق للتوثيق لم تُعرف عند أهل الأديان، وكان هؤلاء العلماء قدوة للمسلمين في التصحيح والتضعيف، وما خَفِيَ بطلانُه على أهل جيل استدركه أهل جيل (وذلك باق إلى يوم القيامة)؛ فللآخذين بما خفي ضعفه أجر ومعذرة، وقد عصمهم الله من العمل بحديث موضوع، وعندهم من نصوص القرآن وما هو صحيح قطعاً كفاية في تديُّنهم، وفيه ميزان لما شكُّوا في أمره.

والأمر الرابع: من ظهور الدين غلَبتُه بالبرهان ؛ لأن الوثني، ومن كفر الله مطلقاً (وهو الملحد بالعرف الحديث) إن كان صادقاً مع نفسه ليس عنده إلا الشك؛ فالشك ليس علماً؛ وإنما هو عدم علم، وشكه زائل ولا بد بآيات الله في الآفاق والأنفس، ولن يبقى عنده بعد ذلك إلا الإيمان أو العناد واتباع الهوى والتحلُّل من عزائم الشرع التي تنظِّم سلوكَه.. وإن كان كتابياً فهو في موقف العناد بالهوى تبعاً للوضعي المحرَّف من مأثوره، كما أنه في موقف التأويل بالمعنى الاصطلاحي من غير برهان للتحرُّر من الدين الناسخ المهيمن: إما بدعوى أن زمان نبي آخر الزمان لم يَحِن بعدُ، وذلك جحد للواقع التاريخي، وإما بدعوى أن هذا الدين خاص بالعرب؛ وهذا خلاف البشارة عندهم، وخلاف ما يعرفونه من سنة الله الشرعية في اختلاف شرائع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع اتحاد ملتهم، وخلاف الواقع التاريخي المشاهَدِ الذي بشَّر الله به من كون الإسلام هو الدين لكل البشرية، وأجناس المسلمين اليوم أكثر من العنصر العربي، وكل الثقلين اليوم هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم أمة إجابة، وأمة دعوة.. والأخيرون مخاطبون بفروع الشريعة محاسبون عليها وإن كانت لا تُقبل منهم إلا بعد الإيمان، وليس هذا مجال ذكر البراهين على ذلك، وعلى أي حال فبراهين الإسلام قاطعة، ولا يمكن أن يعارض البرهانَ الصحيحَ برهانٌ صحيحٌ يقعان على حكم واحد.

والأمر الخامس : ظهور وُجِدَ بظهور دُوَلِهِ التي نشرته ابتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال -كما في صحيح مسلم وغيره برواية ثوبان رضي الله عنه-: ((إن الله زوى لي الأرض مشارقَها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى منها))، ولا تزال خارطة العالم الإسلامي قائمة مشهودة بالتحديد، ودان لهم كل مَن في رقعتهم، ولم ينازعهم منازع خارجها.

والأمر السادس: أن النصوص جاءت بأن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، ثم يعود كما كان قبل قيام الساعة.. وجاءت النصوص بتداعي الأمم علينا، وأن المسلمين كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل؛ وهذا من العقوبات الجزئية لا الاستئصالية التي أسلفتها، وأهل الأديان الثلاثة معرَّضون لها.. وهذه العقوبة بالنسبة لأمتنا بسبب افتراق الأمة إلى نحل باطلة، وبدعٍ ظاهرة، واتباعٍ لمن ضلَّ حذو القذة بالقذة، وفسادٍ في الدويلات الإسلامية وظلمٍ ومكوس ومداهنة، وتحوُّلِ العرب مدةً إلى السلب والنهب كما هو بيِّن تاريخياً في أخبار الحجاج الفاضحة ؛ فلما جمع الله شملهم على الدين (وههنا اتَّحد الهدف والصف) حملوا التتار على أكتافهم بقيادة مسلم ليس عربيَّ النسب، وهكذا نصر الله الأمة بصلاح الدين الأيوبي الكردي رحمهما الله تعالى ؛ وهكذا تتغيَّر وقائع التاريخ لمصلحة المسلمين أو للإضرار بهم وَفْق اتِّحاد الصف على هدف يرضي الله، أو الفرقة بالنحل والأهواء والبدع.

والأمر السابع: ضمن الله لنا من ظهور ديننا أنه لا تزال طائفة من أمتنا على الحق ظاهرة منصورة لا يضرها من خذلها (أي مِن أهل القبلة) إلى يوم القيامة، وظهورها بدفع الله لا بقوة مادية تملكها، وظهورها أنها متمسكة بالأمر الأول من دينها، وهذا هو معنى السلفية المنصوص عليها بالمرادف وهو السَّبْق والأوَّليَّة، وما أجمل كتيِّب (مبيد النِّقم ومعيد النِّعم) لابن السبكي رحمه الله تعالى لمن أراد الاستزادة.

*، وقد حصل هذا بأمثال مَن ذكرتُهم كصلاح الدين رحمه الله، وهو الآن في تألُّقٍ بين أبناء الدول القاهرة بالعلم العسكري المادي ؛ فانظر ما لا يُحصى مما ألَّفه من دخلوا في الإسلام، وانظر جهود أمثال أحمد أوغلو في تركيا، وشيرمان جاكسون في أمريكا ؛ فالمسلمون من السود ثلاثة ملايين.. قال الأخير لا فُضَّ فوه: ((الطريقة الوحيدة لكسر قيود وأغلال التخلف والعجز هي الجهاد، وقد شاع فهم خاطئ بين المسلمين بأن الجهاد هو حرب الكفار فقط، لكن الصحيح أن للجهاد مفهوماً واسعاً في الدين، والجهاد في الإسلام نوعان: نوع يتعلق بالعلم والاستدلال بالبراهين، ونوع يتعلق بالجهاد في ميدان العمل.. وكلا النوعين مطلوب لإعلاء كلمة الله؛ فأما الجهاد بالعلم والاستدلال فهو إثبات أصول الدين وتعاليمه بالأدلة العقلية والعلمية الحديثة في ضوء القرآن الكريم، وهذا هو الجهاد الكبير بتعبير *بنص* القرآن: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} *سورة الفرقان 51-52*؛ فالله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يجاهدوا الكفار ومنكري الحق بالقرآن الكريم الذي فيه من الحقائق والأدلة العلمية ما يصلح لأن يكون حجة ناصعة في كل عصر، وهي اليوم الحقائق الكونية التي تنكشف بالاكتشافات الحديثة، وهذا العلم هو الذي يجدر أن يسمى بعلم الكلام ؛ لما له من تأثير كبير في محاجة الكفار والجاحدين لله في عصرنا هذا، والحاجة ماسة إلى تدوين هذا العلم ومبادئه في ضوء القرآن العظيم والعلوم الحديثة، وفرض على العلماء أن يتفكروا في الظواهر الكونية ثم يتدبروا في كتاب الله العظيم ؛ فيستنبطوا منه الأدلة العلمية التي تنكشف بمقابلة الاكتشافات الحديثة والحقائق القرآنية التي تكون حجة قاطعة على البشر ؛ فلا يكون لديهم مجال للإنكار.. وأما الجهاد العملي فهو الجهد المتواصل في مجال النشاطات المختلفة التي تساعد الإسلام والمجتمع الإسلامي في إقامة صرح التقدم، وغلبة الأمم والأديان كلها لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يتم هذا الجهاد في العصر الراهن إلا بالنبوغ والتفوق والسبق في مجال العلوم والتكنولوجيا، ثم إن هذا الجهاد العملي يعني النشاط العملي في جميع الأعمال المدنية والاجتماعية من منظور إسلامي)) (1 ).

* ؛ فالأنفال هي غنائم الحرب، وهي لله وهو الغني الحميد جعلها لمصلحة الأمة كما سيأتي بيانه، وللرسول صلى الله عليه وسلم وقد توفَّاه ربه ولم يُخلِّف ديناراً ولا درهماً، والآية في معركة بدر، وما غنموه ليس بأكثر مما تركوه وقد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، وقد صح في مسند أحمد وغيره من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قوله: ((ليردَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفهم))، وقال سبحانه: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} *سورة الأنفال 41*، وأما قوله تعالى {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} *سورة الأنفال 69* ؛ فالمراد فداء الأسرى أباحه الله لهم بعد أن عاتبهم إذ فادَوْهم؛ وذلك أرأف بأولئك الأسرى من القتل، وهم مستحقون له لظلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وعاتبهم الله في اجتهاد خاطئ لم تُشرع الغنائم من أجله ؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} *سورة النساء 94*، وقد آثر الله أهل الحديبية بمغانم خيبر في سورة الفتح، وكلها سورٌ مدنية، والحكمة فيها ظاهرة لمصلحة الإمامة والمجاهدين وضعفاء المسلمين ومصالحهم مقابل إخراج الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أوطانهم وديارهم، وممالأةِ يهود الكفارَ، ونقضِهم العهود والمواثيق.. ثم بعد الجهاد لنشر الإسلام لم يتغيَّر حكم الغنيمة بالنسبة لمن قضت شرائع كل الرسل والأنبياء استئصالَهم مِمَّنْ كَفَرَ الله ولم يُسلم، ونظَّم الإسلام الأمر حول أهل الكتاب، وضَمِن لهم أكثر مما أُخِذ منهم كما سيأتي بيانه.. ثم إن الغنائم، وسيادة الدين على الأرض، والجِزية، والرق : كلُّ ذلك من نتائج الجهاد الذي شرعه الله للأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم، وأهل الكتاب يرون شرعية الجهاد في كتبهم الموجودة الآن بعد التبديل والتحريف، وهذا موجود في ديننا الذي ضمن الله بوعده الشرعي، وأنجز بتدبيره القدري الكوني حِفْظهُ.. قال سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} *سورة آل عمران 146-148*.. إلا أن ملة الأنبياء واحدة، وشرائعهم مختلفة.. قال سبحانه وتعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} *سورة المائدة 47-50*.. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: ((لكلِّ أهل ملةٍ منكم أيُّها الأمم جعلنا شرعةً ومنهاجاً؛ وإنما قلنا: (ذلك أولى بالصواب) لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }، ولو كان عَنَى بقوله: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ } أمَّة محمدٍ -وهم أمَّةٌ واحدةٌ- لم يكن لقوله:{وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } (وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة) معنىً مفهومٌ، ولكنْ معنى ذلك على ما جرى به الخطاب من الله لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنه ذكَر ما كَتَب على بني إسرائيل في التوراة، وتقدَّم إليهم فيها بالعمل بما فيها، ثم ذكر أنه قفَّى بعيسى بن مريم على آثار الأنبياء قبلَه، وأنزل عليه الإنجيل، وأمَر مَن بعثه إليه بالعمل بما فيه، ثم ذكر نبيَّنا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأخبرَه أنه أنْزَل إليه الكتابَ مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب، وأمَره بالعمل بما فيه، والحكمِ بما أنزل إليه فيه دونَ ما في سائر الكتب غيرِه، وأعْلَمَه أنه قد جعَل له ولأمَّته شريعةً غيرَ شرائع الأنبياء والأمم قبلَه الذين قصَّ عليه قصصهم (وإن كان دينُه ودينُهم في توحيد الله، والإقرار بما جاءهم به من عنده، والانتهاء إلى أمره ونهيه واحداً)؛ فهم مُختلفو الأحوال فيما شُرِع لكلِّ واحدٍ منهم ولأمَّته فيما أُحِلَّ لهم وحُرِّم عليهم)) (2 )؛ فلا عجب أن تختلف شريعة نبي عن نبي في أحكام نتائج الانتصار في الجهاد، ولكنهم متفقون على ضرورة سيادة دين الله الذي هو تنزيله سبحانه وهدايته على أرض الله وعباده الذين هم خَلْقُه ومُلْكُه، ثم على أهل الكتاب -إن كانوا مؤمنين بما أُنزل إليهم من البشارة بالدين الإسلامي- أن يؤمنوا بديننا ؛ لأن ما أوحى الله إليهم منه ما هو باقٍ الآن في كتبهم، وحاولوا تأويله بما لا تقبله لغة ؛ فقد حقَّق الباحث السعودي الأستاذ فيصل بن علي الكاملي حفظه الله بلوذعية رائعة، وحصيلة علمية واعية: أن النص الذي لا يصح تأويله الوارد في سِفْر (هوشع) بالعهد القديم -وأسفار العهد القديم مُجْمَع عليها بين اليهود والنصارى ما عدا سِفْر أيوب الإلحادي ؛ فقد تبرَّأ منه النصارى- هو، ((مَحْمَد لخسيام))، ومعناها بالعبرية : أن محمداً سيتولى تأديبهم في أموالهم.. جاء ذلك في سياق توبيخ الله لبني إسرائيل، وهذا خبر، والأخبار لا تُنسخ.. كما بين الأستاذ الفاضل فيصل أن النص والترجمة لما بعد ذلك هكذا: ((يِدعو يسرائيل إفيل هنَّفي مِشُجَّع إيش هروع))، وترجمته: ((تدعو إسرائيل النبيَّ أحْمقَ، وَرَجُلَ الروحِ مجنوناً))؛ فالخطاب لبني إسرائيل)) ( 3).

قال أبو عبدالرحمن: الذي أفهمه من الترجمة البشارةُ بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وأن بني إسرائيل إلا مَن عصم الله سيكفرون بهما.. وهذا وأمثاله مِن الذي حرَّفوا دلالته باللغة العبرية -بالعين المهملة قبل الباء ذات النقطة الواحدة من تحت- مِمَّا شهد ديننا المعصوم أنه من الحق الذي يكتمونه، وإلى لقاء إن شاء الله، والله المستعان.



 

مِن الكفر والإباحية إلى عقوبات العدميَّة (7-10)
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - عفا الله عنه -

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة