Monday  08/11/2010 Issue 13920

الأثنين 02 ذو الحجة 1431  العدد  13920

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

           

*، وقال سبحانه وتعالى: ?كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? *سورة آل عمران/86*، وقال سبحانه وتعالى: ?كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ?*سورة آل عمران/ 93*، وقال سبحانه وتعالى: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ{98} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ? *سورة آل عمران/98 - 99*، وقال تعالى مُعَرِّضاً بأهل الكتاب، وأن مِن ضِمْنِ تفرُّقهم ترْكُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:? وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? *سورة آل عمران/104 - 105*، وهم اليوم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وقال سبحانه وتعالى? كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ{110} لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ{111} ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ? *سورة آل عمران/110 - 112*.. وههنا ظن جمهور من المفسرين أن الحبل من الله ومن الناس بمعنى عَقْدِ الذِّمة وأمان المسلمين لهم، وهذا ينافي حقيقة الاستثناء من ضرب الذلة، والمحقَّق عندي أن الذلة المضروبة إلى يوم القيامة خاصة بمن جاء السياق عنهم أنهم يقتلون الأنبياء، وهم اليهود؛ فهم منذ التنزيل شُذاذ آفاق؛ فالحبل مِنَ الله هو ملك النصارى هذا العلم المادي القاهر بقضاء الله القدري الكوني، والحبل من الناس هو التلاحم بين أهل الكتابين مع بقاء طائفة من المسلمين على الحق منصورة؛ ولما كانت أحكام الله لا تُؤخذ من نصٍّ واحد، بل تضم النصوص إلى بعضها: علمنا أن هذين الحبلين مؤقتان، وأن دولة الإسلام بإذن الله عائدة ولا بد، وقال سبحانه عن عناد يهود وكتمانهم ما عندهم من الحق: ? لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ{181} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ{182} الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{183} فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ? *سورة آل عمران*، وقال سبحانه وتعالى: ?وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ? *سورة آل عمران/ 187*، وقال سبحانه وتعالى عن أهل الخير من أهل الكتاب: ?وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ? *سورة آل عمران/ 199*، وهذا حَدَثَ ولا يزال يحدث من فضلاء أهل الكتاب الذين دخلوا في دين الله أفواجاً.

قال أبو عبدالرحمن: هذه بعض شهادة ديننا المحفوظ بحفظ الله له، وههنا أذكر شهادة ما بين أيديهم مما أبقاه الله حجة عليهم بعد التبديل والإسقاط (وهو إضافة إلى ما سلف من كلام الأستاذ فيصل الكاملي)؛ وذلك ما ذكره أحد فضلاء أهل الكتاب الذين أسلموا، وهو عليُّ بنُ رَبَّن الطبري في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله رحمهما الله تعالى.. قال عن نبوءات أشعيا: ((فهذا قول الله عز وجل، وهؤلاء بنو إسماعيل عليه السلام، وأمة النبي صلى الله عليه وسلم الذين صَفَرَ الله لهم صفيراً فجاؤوا من بلدانهم سراعاً لا يملُّون ولا يسأمون، وكانت سهامهم مسنونة، وقُسِيُّهُم مُوترة، وحوافر خيولهم كالصفَّا والجُلمود، وزئيرهم كزئير الليوث، وهم الذين افترسوا الفرائس شرقاً وغرباً؛ فما نجا من أيديهم ناج، وصارت الجبابرة عندهم كالنعاج، وثار من زحوفهم العجاج، وضاقت بهم المناهج والفِجَاج).. وقال في الفصل الخامس مفسراً لما تقدم من نبوءاته عليه السلام: (إن الأمة التي كانت في الظلمات رأت نوراً باهراً، والذين كانوا في الدجى وتحت ظلال الموت سطع عليهم الضوء: أكثرتْ من التَّبَع والأحزاب، ولم تستكثر الاغتباط بهم؛ فأما هم فإنهم فرحوا بين يديك كمن يفرح يوم الحصاد، وكالذين يفرحون عند اقتسام الغنائم؛ لأنك فككتَ النير الذي كان أذلَّهم، والعصا التي كانت على أكتافهم، وكسرتَ القضيب الذي كان يستعبد بهم مثل كسرك من كسرتَ في يوم مدين)؛ وذلك شبيه بما وصف الله تعالى به النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وقال إنه يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم؛ فانظروا يهديكم الله، وتبينوا من ذا الذي فك النِّير عن ولد إبراهيم، وأبطل سلطان الأعداء، وبتر قضيب الأعزة، وهل أشرق ذلك الضوء إلا على أهل تلك البادية الظلماء من عُبَّاد الأوثان من ولد إسماعيل ؟.. وقال في هذا الفصل: (إنه ولد لنا مولود، ووُهِب لنا ابنٌ سلطانه على كتفه).. ومعنى قوله هذا إن نبوته على كتفه؛ فهذا في كتب السريانية التي فسرها مارقوس؛ فأما في العبرانية فإنه يقول: إن على كتفه علامة النبوة، وهي التي يسميها أهل الإسلام خاتم النبوة؛ فهذا تصريحٌ بصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وإشارة إلى صورته وشاماته)) (1) ثم أسهب في ذكر شهادات كتبهم.. كما أن (البارقليط) في الإنجيل تحريف (برقيلطوس) بمعنى مُحامدا، ومعناها العام (الأمجد الأشهر المستحق للمديح) (2)، ونقل ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى أن (ممادباد) في التوراة، ونقل عن بعض شروح التوراة - ولم يبيِّن اسم الكتاب واسم المؤلف - أن معنى ذلك (السيد الرسول محمد) صلى الله عليه وسلم (3)، وإنني أدعو ذوي التخصُّص إلى تحقيق ذلك، وقد وعدني صاحب السمو الأمير تركي بن فهد حفظه الله - وهو متخصص في الدراسات العبرية، واللغة العبرية - بتحقيق ذلك.

قال أبو عبد الرحمن: إنني شديد الإيمان بأن الأناجيل كتبت بعد رفع المسيح عليه السلام بعقود كثيرة كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى، ولكنْ فيها أثارة مما وعاه الحواريون رضي الله عنهم من الإنجيل أبقاه محرِّفوا الإنجيل ترويجاً للباطل؛ فبعض ذلك بقي على أصله، وبعضه أفسده يهود بالتأويل، واعتماد علماء المسلمين القدماء كان على تلك النسخ، ثم دخلها تحريف وتأويل جديدان حسب النسخ التي بين أيدينا الآن؛ فتصدى لها عموماً علماء المسلمين المعاصرين، وتصدى بعض علماء النصارى قديماً وحديثاً لنقد كتب العهد القديم مثل حواشي ابن محرومة في الرد على افتراءات ابن كمونة (تنقيح الأبحاث للملل الثلاث)، وردُّ ابن محرومة يُعرف بحواشي ابن المحرومة على كتاب تنقيح الأبحاث، وكلا الكتابين مطبوعان.. ولسنا اليوم بحاجة إلى التراكم بتكرار ما قاله علماء المسلمين قديماً؛ فهي مراجع لا نستغني عنها، ولا نحتاج إلى تكرارها بمؤلفات معاصرة؛ وإنما الحاجة تمسُّ إلى خبرة المعاصرين من جهة علمهم باللغة العبرية (بتقديم العين على الباء) والآرامية، والسريانية. ومن جهة تنقيبهم عن النسخ الخطية من العهدين بلغاتها الأصل، وباللغات الأخرى التي تُرجم إليها الأصل، ولما كنت شريكاً في (دار ابن تيمية للتوزيع والنشر) التي لم يطل عمرها؛ لِفساد نيَّة أحد الشركاء كان أول ما اهتممتُ بإصداره كتاب (المناظرة الكبرى بين الشيخ رحمه الله والقسيس فندر)، وقد طُبع طبعتين، وأظن أنه الأول والآخر من إصدارات الدار التي شاركتُ في تأسيسها.

قال أبو عبد الرحمن: إذن يلزم أهل الكتاب إذا كانوا صادقي الإيمان بالأثارة في كتبهم أن يتخلَّوا عما يلزمهم من تكذيب ما كانوا يدَّعون الإيمان به؛ لأن الكفر بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم كفر بأخبار كتبهم عن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، ثم إن الجهاد الذي أسلفته من الآية 146 من سورة آل عمران قاض بأن الجهاد من أجل سيادة الدين الذي هو شريعة الأنبياء عليهم السلام، وجهاد الأنبياء مذكور في كتبهم في العهدين معاً؛ فأما الغنائم فخصوصية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذْ لكل نبي شرعةٌ ومنهاج، وهذه الشريعة هي اللائقة بخاتمة الأديان؛ لأن ما سوى الإسلام منسوخ، ولازمٌ كلَّ مكلَّف اتِّباعُه ليكون أخاً للمسلمين في السراء والضراء، واللازم بقضاء الله الشرعي الذي جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم المبشَّرِ به في كتبهم أن تكون عمارة الأرض للمسلمين وأهل الإسلام، ومع هذا كان دين أهل الإسلام هو دين الرحمة للبشرية؛ فيبقى لمن دخل في المسلمين من أهل الكتاب ولم يُسلِم ضمانُ حقه بأدائه الجزية التي يُؤخذ من المسلمين أضعاف أضعافها في الزكاة والصدقة والنوائب، والجزية مقابل حمايتهم؛ فمن عجز سقطت عنه الجزية، وقام المسلمون بكفايته، وقد ذهب أحد دكاترة العصر الحديث من الفضلاء المحقِّقين إلى أن الجزية ضريبة سببها إعفاؤهم من الجندية (4)، وهذه وَهْلةٌ من مفكِّر فاضل، بل هي جزية في الحرب والسلم مقابل الحماية لهم وإقرارهم على دينهم كما أسلفت؛ لقوله سبحانه وتعالى: ?قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ?(29) سورة التوبة، والحروب طارئة؛ فإن احتاج الإمام إلى معونتهم في الحروب سمَّى لهم مقدار أجرتهم؛ فإن لم يُسمِّها لزمه الاجتهاد في إعطائهم أجرة المثل؛ فهم في الحرب يُعطون ولا يُؤخذ منهم؛ فإن خرج الذميُّ للحرب متطوِّعاً، ورضي الإمام خروجه رضخ له من الغنيمة.

* فقد أمَّنه؛ فإن الله يعلم الألسنة)) (7)، وهذا أمان له ثالث رضي الله عنه: ((بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل أيليا من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.. إنه لا تُسكَن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيَّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضارُّ أحد منهم، ولا يَسكن بأيليا معهم أحد من اليهود.. وعلى أهل أيليا أن يعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللُّصوت *هم اللصوص*؛ فمن خرج منهم فإنه آمِنٌ على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل أيليا من الجزية، ومن أحب من أهل أيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل أيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله؛ فإنه لا يؤخذ منهم شيئ حتى يحصد حصادهم.. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذِمَّة رسوله، وذِمَّة الخلفاء وذِمَّة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.. شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان *رضي الله عن جميعهم*، وكتب وحضر سنة خمس عشرة)) (8).. وأما إخلاصهم في الجهاد لله لا للمغنم فيبين من هذه الرسالة التي تُبكي القلبَ المُشْرَبَ بالإيمان، وقد كان عدد الروم أربعمئة ألف مقاتل، وعدد المسلمين أقل مِنْ عُشْرهم، والرسالة لعمر رضي الله عنه بعث بها إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وأبى أن يرسل له مَدداً، وعزم عليه أن يصبر لجهادهم وإن كانوا قلة أمامهم: ((أما بعد فقد قدم عليَّ أخو فجالة بكتابك تخبرني فيه بتنفير الروم إلى المسلمين براً وبحراً، وبما جاشوا عليكم من أساقفهم وقسيسيهم ورهبانهم.. وإن ربنا المحمود عندنا، والصانع لنا، والعظيم ذو المنِّ والنعمة الدائمة علينا: قد رأى مكان هؤلاء الأساقفة والرهبان حيث بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأعزَّه بالنصر، ونصره بالرعب على عدوِّه، وقال وهو لا يخلف الميعاد:? هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ? *سورة التوبة/33*، ولا تهولنَّك كثرة ما جاءكم منهم؛ فإن الله منهم بريئ، ومن برئ الله منه كان قمِناً أن لا ينفعه كثرة؛ وأن يكله الله عزَّ وجلَّ إلى نفسه ويخذله.. ولا يوحشنَّك قلَّة المسلمين في المشركين؛ فإن الله معك، وليس قليل من كان الله معه؛ فأقم بمكانك الذي أنت فيه حتى تلقى عدوَّك وتناجزهم وتستظهر بالله عليهم، وكفى بالله ظهيراً وولياً ونصيراً، وقد فهمتُ من مقالك: (أحتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا، ودينهم إن هم تفرَّقوا؛ فقد جاءهم ما لا قبل لهم به إلا أن يمدَّهم الله بملائكته، أو يأتيهم بغياث من قِبله)، وأيم الله لولا استثناؤك بهذا لقد كنتَ أسأتَ، ولعمري إن أقاموا (كذا) لهم المسلمون، وصبروا فأُصيبوا لَمَا عند الله خير للأبرار؛ لقد قال الله عز وجل: ?مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً? *سورة الأحزاب/23*؛ فطوبى للشهداء ولمن عقل عن الله، فمن *لعلها: فإن فيمن* معك من المسلمين لأسوة بالمصرَّعِين حول رسول الله في مواطنه؛ فما عجز الذين قاتلوا في سبيل الله، ولا هابوا الموت في جنب الله، ولا وهن الذين بقوا من بعدهم، ولا استكانوا لمصيبتهم، ولكنهم تأسَّوا بهم، وجاهدوا في سبيل الله من خالفهم منهم وفارق دينهم، ولقد أثنى الله عز وجل على قوم بصبرهم فقال: ?وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ{146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{147} فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ?*سورة آل عمران*؛ فأما ثواب الدنيا فالغنيمة والفتح، وأما ثواب الآخرة فالمغفرة والجنة؛ فاقرأ كتابي هذا على الناس ومُرهم فليقاتلوا في سبيل الله، وليصبروا كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.. وأما قولك: (إنه قد جاءهم ما لا قبل لهم به؛ فإن لا يكنْ لكم به قِبل فإن لله بهم قِبلاً، ولم يزل ربنا عليهم مقتدراً، ولو كنا والله إنما نقاتل الناس بحولنا وقوَّتنا وكثرتنا لهيهات ما قد أبادونا وأهلكونا، ولكن نتوكل على الله ربنا، ونبرأ إليه من الحول والقوة، ونسأله النصر والرحمة، وإنكم منصورون إن شاء الله على كل حال؛ فأخلصوا لله نياتكم، وارفعوا إليه رغبتكم، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)) (9).. ثم كان عاقبة ذلك انتصار المسلمين بقيادة أبي عبيدة رضي الله عنهم على الرغم من قلتهم، وإلى لقاء إن شاء الله، والله المستعان.

 

مِن الكفر والإباحية إلى عقوبات العدميَّة: (8 - 10)
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - عفا الله عنه –

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة