Tuesday  09/11/2010 Issue 13921

الثلاثاء 03 ذو الحجة 1431  العدد  13921

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

           

اعتاد صاحبكم تقديم مقالاته قبل أسبوع من موعد النشر أو نحوه؛ لطرحه موضوعاتٍ غيرَ آنيةٍ تتصل بقضايا ثقافيةٍ ذات آفاق وأنفاق؛ فالأفق لا يُحد، والنفق يمتد ولا يرتد، ومن وعى شؤون الفكر أيقن أنها فضاء وأعماق، وأن تبدلها لن يكون بين عشيةٍ وضحاها أو بين أسبوع وتابعه، ولأنه يواصل قراءاته «السبتية» في التأريخ «المهمش والمزور والمفترى عليه» فقد اختار: (الحكاية بوصفها دلالةً تاريخية) مدارَ زاوية السبت القادم، وأبرز شخوصها الذين يسكنونها العم سعد العبد العزيز العبد الله السُليم.

سلم مقاله، دون أن يعلم أن شيخنا «أبا عبدالله» في غيبوبةٍ كاملة وتحت العناية الفائقة إثر التهاب رئوي كان يمكن -بإرادة الله- أن يكون عارضاً، لولا توقف القلب ثم ضمور المخ ثم انتقاله للرفيق الأعلى «مساء الأحد»، في تتابعٍ سريع لم يتحْ وقتًا لوداع، ولكنها رحمة الله تتداركنا في صحتنا وسقمنا وحياتنا وموتنا، ومجمل الحكاية فوارق توقيت لا تعادل في حساب الله -جل الله- سوى يومٍ أو بعض يوم.

مضى الثبتُ الثقة الراوية ومعه وقبله وبعده الإنسانُ المؤمن الذي لا تكاد تفتقده في المقبرة والمستشفى عائداً ومواسياً رغم شيخوخته وضعف بصره، ويروي من يشهد بالحقيقة أنه رآه يدور في الليل على بعض البيوت الفقيرة كاسياً ومطعماً ومُعيناً.

العم سعد (1337-1431 هـ عنيزة) مرجعٌ في التاريخ الشفهي والرواية الشعبية، وله علاقاته الوثيقة بكبار شعراء العصر من أمثال: عبدالله الدويرج وسليمان بن شريم وعلي أبو ماجد ومن جايلهم ولحقهم، وهو شاعر فحلٌ كذلك غير أنه لم يُعهد متحدثًا عن نفسه إلا لماماً إجابةً عن سؤال أو تفسيراً لقصة، وفي مجلسه عصر كل يوم ظل الحفي الوفي، يتهلل لمن يحضر، ويستفهم عمن يغيب، و يجد الصغيرُ بحضرته أنه كبير، والجاهلُ أنه عالم، والبعيد أقربَ قريب.

كانت زيارةُ عنيزة لصاحبكم وكثيرين تعني زيارة مجلس العم سعد، ومهما كانت الزيارة محدودة الوقت والظرف فإن لأبي عبدالله جانباً منها؛ فهو -غفر الله له- معلمٌ من معالم «المَليحة» ورمز من أنقى وأرقى رموزها، وهو -عليه رضوان الله ورحمته- ممن يمنحون المكان سماتِهم؛ فلا يبقى شخوصاً ومقاعد بل رائحة وطعماً ولونا.

مقالةُ السبت تحكي عن تواري صُناع التأريخ المهموس وغياب مخزونٍ معرفي ذي إشارات ودلالات، وليسوا (أو معظمهم) كُتاباً لنعتب عليهم؛ متطلعين لتخلق وعيٍ مختلف بقيمة الشفاهية في تحرير الخطاب المجتمعي الموازي للخطاب المدون؛ فربما أيقنا أن الزمن تراكمُ معطياتٍ متبدلةٍ يحكمها اليوم من لم يحكمها أمسِ ولن يحكمَها غداً، وغياب «سعد العبد العزيز» ثُلمةٌ في هذا المنظور.

العم سعد واحدٌ من شهود مرحلة مهمة في تاريخ مدينة ومنطقةٍ ووطن، ولو سُجل ما رواه في مجالسه على امتداد عقود لتكونت ثروة معلوماتية مهمة تصلح مصدراً مقارناً لأحداثٍ لا يجوز أن تُرتهن لراوٍ واحد.

لن يكون فقدُ أبي عبدالله فقدَ واحد -كما عبر عَبدةُ بن الطبيب في رثاء قيس بن عاصم- ولكننا عابرون في مساءاتٍ عابرة؛ «يُدفِنُ بعضُنا بعضاً» -كما قال أبو العلاء- ليبقى الدعاء والعزاء، ونبقى في قوائم الانتظار.

الحياةُ رحلةٌ ورحيل.

Ibrturkia@gmail.com
 

سعد العبدالعزيز
إبراهيم عبدالرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة