Wednesday  10/11/2010 Issue 13922

الاربعاء 04 ذو الحجة 1431  العدد  13922

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

(حذر مجلس بلدي الرياض من خطورة الوضع القائم في الرياض وخشية إمكانية وقوع كوارث لا سمح الله؛ نتيجة نقص مشروعات تصريف مياه الأمطار والسيول التي تراكمت الأعوام الماضية. وخلال الجلسة 85 للمجلس وجّه أمين المجلس نداء إلى الجهات التنفيذية والمالية بأخذ موضوع تصريف مياه الأمطار والسيول ...

مأخذ الجد إذ يتعلق الأمر بأرواح سكان المدينة وممتلكاتهم).

(حذر تقرير روسي من حالة المناخ المتوقعة لشهر ذي الحجة هذا العام المحملة باحتمالات مطر وابل، وما أمطار مكة المكرمة للأيام الماضية على ما يبدو إلا أول الغيث أو أول النذر).

على أن هذه المقتبسات ليست مجرد مقتطفات إخبارية لحالة الطقس المتوقعة لهذا الشتاء على عبيلة وشرورة في البعيد وحدهما، لكنها مؤشرات مباشرة وغير مباشرة لحالة الطوفان التي لا تحتاط لها بعض الأوطان. فينطبق على عطشنا الصحراوي ذلك المثل القائل (قال: هاك خير), أجاب: (ما عندي ماعون) ومثل آخر (قال: انفخ يا شريم, رد: مالي برطم).

عام مر على الكارثة ولم تتكرر والحمد لله، ولكن هل هذا كاف لجلب سوى طمأنينات مؤقتة. وكيف بوطن يستبطن أقوى طاقات العالم الصناعية فيقتات على ريعها فقط فيما يخشى مواسم الأمطار بأنواعها!

(متضررو جدة العام الماضي لم ينسوا الكارثة خاصة أن المنطقة لا تزال على هيئتها الفاجعة تغمرها المياه الآسنة) كما كتب أحد الزملاء وكما رآها رأي العين بعض المبصرين.

(وزارة المالية أخلت مسؤوليتها قبل فترة غير بعيدة باعتمادها ميزانية تقدر بـ650 مليون لمشروعات شرقي جدة). و(سير التحقيقات حجب في مجمله عن الرأي العام), فيما لا يزال يتردد في الصدور والصحف ذلك القول القاطع لقائد البلاد الذي سارت به الركبان، في (محاسبة المسؤول عن الكارثة كائناً من كان).

لا أكتب هذا المقال بطبيعة الحال لاستجراح الجرح الطري أو لأصب حبرا أو غازا على الذاكرة، فالماضي على الأرجح لا يعني العقلاء إلا بالقدر الذي يتعلق بالحاضر أو بالمستقبل. وفي رأيي أن ذلك الاستنفار النقدي الذي خرج إلى العلن بفعل كارثة العام الماضي وعلى رأسه خطاب الملك في حينه الذي كان بمثابة بيان احتجاج على الفجوة بين خطاب الإصلاح وبين تطبيقاته, لم يستثمر وبعد مرور عام على تلك الغضبة الاستثمار التشريعي والتطبيقي المأمول. وما زلنا نفتقد الرؤية والآلية بل والإرادة التي تجعل من الإصلاح على جميع الأصعدة بالمجتمع السعودي من البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبني الفوقية للفكر والثقافة إلى البنى التحتية للمدن والقرى مشروع حياة. والواقع أن مراجعة ما كتب عن كارثة جدة قبل عام وما كتب تلميحا أو تصريحا من نقد اجتماعي طوال العام يصلح لأن يكون مقياسا تقاس به مواقف الرأي العام من أطروحة الإصلاح خاصة في غياب ثقافة الاستفتاءات و(ليس الفتاوى). فتكشف الكثير من تلك المواقف عن إلحاحية مطلب الإصلاح على الصعيد الإداري والمالي كما على الصعيد السياسي والاجتماعي, إلا أن ذلك لا يكشف أسباب النكوص أحيانا وأسباب المراوحة في معظم الأحيان.

وقبل أن أشير إلى المطالب الإصلاحية المحددة التي يقترحها الموقف الاجتماعي العام، فإن بودي أن أشير إشارة لا تخلو من خلل الاختصار إلى بعض مظاهر الواقع التي تحول بيننا وبين حلم الإصلاح.

1 - تورط جمعي في أي ترديات أو أوضاع رديئة، وذلك من خلال وجود حالة ما يمكن تسميته بالتواطؤ الاجتماعي مع تلك الأوضاع سواء من خلال السكوت عنها أو غض الطرف عنها ما لم تتحول إلى كارثة. وهناك أمثلة كثيرة ليست كارثة جدة إلا واحدة منها. فمثلاً عدد محدود جداااااا من الأقلام تلك التي خاطرت في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية بالكتابة عن ظاهرة مثل ظاهرة التطرف الديني وقامت بتعليق الجرس، حتى إذا وقع الفأس في الرأس شمرت بعض تلك الأقلام التي كانت خرساء أذرعها وقامت بالكتابة عن الموضوع بشكل لم يخل بعضه من مواقف قد تنم عن انتهازية في إعادة بيع الولاءات بصيغها الجديدة أو الترويج للذات. كما أن التورط الاجتماعي في إنتاج كارثة ككارثة مدينة جدة على سبيل المثال ليس إلا, لا يظهر فقط من خلال تلك القائمة التي قد تطول من المقاولين والمسؤولين والشركات عبر سنوات, ولكنه يظهر أيضاً في ذلك التهافت الاجتماعي المزمن مع الأسف على القبول بالحد الأدنى من (الرضوات) واللجوء للتمسكن على أمل التمكن، وتفضيل سلامة المواربة على شرف المصارحة.

2 - إشكالية في تطبيق المنظومة القيمية المعلنة وعدم الالتزام بالسلوك الأخلاقي المفترض، (رغم التغني اليومي بالأخلاق والتباهي بالانتماء للإسلام الذي كان من أول سمات نبيه - صلى الله عليه وسلم - الخلق العظيم). والحقيقة أن أي كوارث وطنية تشير إلى وجود فساد سواء كان إدارياً أو مالياً أو سواهما فإنما هي في حقيقتها كما تشير إلى وجود خلل في التركيبة التنظيمية للمجتمع فإنها تشير وبشكل أكثر مباشرة إلى وجود خلل أخلاقي في السلم القيمي للمجتمع أو للشرائح المتنفذة منه. وذلك مثل الرشوة، السرقة، الاختلاس، الظلم، الغبن، التزوير، الغش، النفاق والتمسكن أو اللامبالاة. هذا إضافة إلى وجود حالة من الجبن العام والخوف المرضي لدى المواطن راع ورعية من المصارحة والشفافية. وكل تلك الاختلالات تشكل نواقض للضمير الوطني والشخصي، كما أنها تعبير عن سواء فهم ناتج عن تعمد أو استخفاف أو فقدان الأمل بتطبيقات مفاهيم الحق والعدل والمساواة والمسؤولية, وذلك ليس من قبل بعض المسؤولين فقط بل من قبل سواد واسع من المواطنين أيضا.

3 - غياب مفهوم المواطنة نفسه واعتبار الموارد الوطنية (غنيمة) قابلة للنهب بما يغيب معه مفهوم عدالة التوزيع، وكذلك بما يغيب معه مفهوم المشاركة ومفهوم المحاسبة خاصة في غياب تدوين التشريعات، وفي ظل القبول الاجتماعي بالكثير من تصنيفات المحسوبيات من مناطقية وقبلية وسواها من آفات الإفلات من ميزان العدل.

وهذا يوصلنا إلى بيت القصيد لطرح قليل من كثير المطالب الإصلاحية الملحة التي يمكن استخلاصها من قراءة ما كتبته العديد من الأقلام الوطنية المخلصة التي حاولت تحليل الكارثة تحليلا يقترح ضرورة الشروع في مشروع إصلاح وطني شامل لا يسمح بتكرار الكوارث من جدة إلى جيزان ومن عرعر إلى شرورة بأشكال جديدة أو بتكرار قديم. ومن هذه المطالب:

1 - مطلب حرية التعبير بما يسمح بالمصارحة باحتمال الكوارث قبل أن تقع أو تستشري وبما يتيح النقد الموضوعي الذي يقود إلى البناء والتصحيح والتجديد. وبما يسهم في صياغة رؤى وطنية لا يلجلجها الخوف ويؤجلها الإحجام أو تشطبها الرقابة. وأضيف إلى هذا المطلب مطلب يولده (الهدر الكلامي) الذي صارت تعاني منه ساحة الرأي المحلي مع الانفراجة الحالية في مناخ الحرية المتاح. فلن تخطئ عين المتابع ما يجري من تبديد هذا المناخ في مزايدة بعض أصحاب المواقف المختلفة على بعضهم البعض بدل استثمار هذا المناخ في تقديم أطروحات نقدية مبصرة وبناءة تؤصل لرؤى وحلول جذرية.

2 - مطلب تحقيق مبدأ المشاركة الاجتماعية بما يلغي التنفذ أو على الأقل يحد من غلوائه لصالح خلق حالة من المسؤولية العامة عن الشؤون الوطنية. فموظف الدولة وإن علت مرتبته أو تورمت صلاحياته ليس وحده المسؤول عن تردي الأوضاع لا سمح الله، ما لم يكن هناك حالة من الحياد العام وعدم المشاركة الأهلية التي تجعله يبدو وكأنه المتورط الوحيد. أما في حالة وجود حالة من التشارك في الرأي والعمل معا فإن هذا يساعد على خلق علاقة ثقة بين المجتمع وبين الجهاز الحكومي. ومن هنا فوجود تشكيلات غير حكومية مهنية وحقوقية وتنموية وتعاونية وثقافية مصرح لها من قبل الدولة وتعمل بشكل علني وبخطط واضحة تكون عونا للمسؤول لا عوناً عليه سواء في توزيع المسؤوليات وفي تحمل التبعات.

3 - مطلب ملح جداااااا وهو تدوين التشريعات وتجديد اللوائح. ولا أدري حتى الآن مع وجود نظام للحكم ما الذي يمنع الشروع في وضع منظومة قانونية تحدد الحقوق والواجبات للمجتمع ولمؤسساته المتعددة وتقر حقوق وواجبات المواطنين ومساواتهم أمام القانون وعدم الحصانة أمام موجبات العدل.

وأخيراً، أقفل المقال مؤقتا بتحية للشابات والشباب الذين تحمسوا على مدار العام دون التفات للمحبطات بدافع حب الوطن وبتثمين لموقف القيادة النقدي على ما بذلوه وما يقترحون عمله من جهد المتابعة، بما يرد للوطن اعتباره في قدرته على التصحيح وجديته في الإصلاح دون خشية لومة لائم في الحق. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Fowziyah@maktoob.com
 

في ذكرى كارثة جدة مقاومة الكوارث بالإصلاح
د. فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة