Thursday  11/11/2010 Issue 13923

الخميس 05 ذو الحجة 1431  العدد  13923

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، ومنّ علينا بالولاية الراشدة وقيادة الخير والسلام، وجعل قدرنا أن شرفنا بالمشاعر والمقدسات وبيت الله الحرام، والصلاة والسلام على خير الأنام، المبعوث رحمة للعالمين وحجة إلى يوم الحشر والمقام، أما بعد:

يتكرر الموقف العظيم في الوقت الحالك، والظرف المناسب من رجل المهمات، وبطل السلام، وملك الإنسانية وراعي المبادرات النوعية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيده الله -، فما أن تدلهم الخطوب، أو تنزل بالأمة نازلة إلا وتعيش قضايا الأمة في قلب المليك، ويسعى أن يقدم ما يكون سببًا في زوال كربتهم واجتماع كلمتهم وائتلاف صفهم، وها هو - أيده الله - حينما ضربت الفرقة أطنابها، وتكاثرت الأزمات والخطوب، وتوالت النكبات على البلد الشقيق، والجار القريب، بلد الرافدين، والعراق الأبيّ حتى يبادر - أيده الله - بذلك النداء الحاني، والمبادرة التي لا تستغرب منه في مثل هذه الأزمات، إنه موقف يسجله التاريخ بكلمات من نور، ويسطره بأحرف من ذهب، ويكتبه بمداد يبقى محفورًا في ذاكرة الأجيال، وإنه رغم مرارة الواقع، وقساوة المواقف، وكثرة المطامع التي تستهدف هذا البلد الشقيق العراق، وشعورنا كمسلمين أشقاء لهذا البلد المجاور بالحرقة لهذه المآسي والنوازل إلا أن هذا الموقف العظيم من الرجل العظيم ليسر القلب ويسعد النفس، والعبارات لتتقاصر، والمفردات تتناثر، والمعاني البلاغية لتقف عاجزة عن أن تؤدي هذا الموقف حقه، إنه موقف الطود الأشم، والقائد الفذ، والفارس العربي الشجاع ملك الإنسانية والمواقف الصعبة، ورجل الأزمات وراعي السلام، لما عصفت الفتنة، وازدادت الآلام في هذا البلد الشقيق هب فارس هذه المواقف ليعلنها أمام الملأ، ويصدح بنداء بلد السلام في موقف تاريخي، ونداء تأريخي لا يملك أي مواطن بل أي مسلم إلا أن يشكر الله عز وجل على توفيقه لهؤلاء الأفذاذ أن يضمدوا الجراح، ويسعوا لجمع الكلمة ونصرة أشقائهم، ثم إنها مضامين سامية، وأبعاد مهمة يلزم كل محب لدينه ووطنه، ويهمه أمر إخوانه أن يقف على مضامينه، كيف لا وقد صدر النداء من رجل حباه الله بجميل الصفات وكريم الخلال، ومواقفه كانت ولا زالت على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، العامة والخاصة مثار الإعجاب من القاصي والداني، والقريب والبعيد، والشقيق والصديق، والمواطن والعربي المسلم في أي بقعة، وعلى أي مكان، لما منحه الله من الهيبة والحكمة والعقل والقدرة على التأثير، فيجتمع في شخصه كل سمات وخصائص التأثير في المتلقي لخطابه.

إن هذا النداء جاء في وقته، وفي وقت يترقب فيه المجتمع الدولي مثل هذه المبادرات وقد عاشت عراق العرب وبلاد الرافدين حقبة من الشتات والفرقة والاستهداف، وفرقتها المصالح والقوميات والحزبيات، وعانت من الويلات، واستمرت هذه النزاعات والفرقة والتشويش، وحروب الاستنزاف زمنًا طويلاً، لا يستفيد منها إلا من يرون مصالحهم في هذه الصور المأساوية، ورغم المحاولات، وفرص التقارب والتعايش والتسامح إلا أن الأمر يزداد تعقيدًا، ومن هنا كانت الحاجة ملحة، والضرورة شديدة إلى العمل على وحدة العراق، فجاءت المبادرة بلسمًا شافيًا، ورؤية واضحة، قولاً وفعلاً، وحوت تلك المبادرة الرائدة لملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله وأيده - دلالات عظيمة، ومحاور عديدة، تُعد مرتكزات أساسية لترميم الصف العراقي وتصفية القلوب وتوحيد الكلمة، وإثارة الهمم والعزائم تجاه المصالح العليا التي لا يمكن لعاقل أن يفرط فيها، أو أن يؤثر المصالح الآنية والشخصية عليها، ولذا فإنها مبادرة رائدة، وعمل مبارك، وجهد عظيم يستحق التأمل والوقوف عند مضامينه، فهو نداء يهم المواطن العراقي باعتبار أنه جزء من هذه الأمة التي عصفت بدولتها الفتن، وفرقتها الخلافات ليتحمل مسؤولية تجاه دينه وعقيدته، وتجاه نفسه، وتجاه أمته، باعتبار أنه عضو فاعل في جمع الكلمة ووحدة الصف، وتوحيد الشمل، ويستشعر وهو يعيش هذه الآلام ويعاني من هذه الويلات، ويصبح ويمسي والهاجس الأمني أكبر همومه أنه يمكنه أن يسهم في عمل تتحقق به مصالح البلد، ويهم قيادة بلد العراق الشقيق على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم وأحزابهم ليجعلوا من هذا النداء منطلقًا لمعالجة ما يعانونه، ويجتمعوا في بلد السلام والإسلام، ومهبط الوحي لتكون هذه الأبعاد التأريخية دافعًا لهم لاستشعار معانٍ عظيمة تذكرهم بالمسؤوليات الكبرى، وتستثير فيهم دينهم وكرامتهم وشهامتهم وغيرتهم على وطنهم الذي هو جزء من أوطان المسلمين، ثم هو نداء يهم من شرف بالانتماء إلى هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية، أن يتذكر بإكبار وإعزاز أن مثل هذه المواقف الإسلامية من هذا القائد الحكيم الذي يملك حسًا إسلاميًا رفيعًا، وروحًا إسلامية عالية، وهمًا تجاه أمة الإسلام والعرب، بل وتجاه أمم الأرض جميعًا، لها دلالاتها العميقة، ومعانيها البليغة؛ لأنها مواقف عظيمة، تدل دلالة قاطعة على حقيقة أصيلة في سياسة هذه الدولة المباركة، ألا وهي التمسك بالإسلام، والشعور بشعور الجسد الواحد تجاه المسلمين جميعًا ليكون كل حدث يمر بالمسلمين أول من يصاب به نحن حكّامًا ومحكومين.

ومن هنا فإن أول الأبعاد المهمة التي يشير إليها هذا النداء الحاني من قيادة بلد السلام: البعد الإنساني، الذي ينطلق من الشعور بالمسؤولية، وبمرارة الواقع، وخطورة الوضع، وعظم المآسي والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في هذا البلد الشقيق، وفي ظل المطامع التي ربما تأتي على كل مصلحة، وتغلب كل جهد لتسحق في طريقها كل أمل للسلام والمصالحة، وتخدم أول ما تخدم أعداء الإسلام والسلام والوحدة، فيستشعر مليكنا - أيده الله - هذه الصورة التي تتجسد في الواقع، ويستشرف منها واقعًا أخطر إن لم يتم تحجيمه، وتحمل كلماته في ندائه كل معاني الشفقة والرحمة، ويستنهض الهمم والعزائم بتلك الدلالات العظيمة التي حملتها عبارات غاية في العطف والحرقة على واقع هذا البلد الشقيق، فها هو يقول - أيد الله رأيه وسدد قوله -:»من مهبط الوحي، ومهد الرسالة والعروبة، من المملكة العربية السعودية وطنًا وشعبًا ودولة، أوجه نداءً إلى شعبنا في العراق الشقيق الأبي، عراق الأديان والمذاهب والأعراق المتسامحة المتعايشة، إنه نداء الغيور على أمته، الساعي لعزتها وكبريائها، في عصر تداعت فيه علينا الأزمات فأثقلت كل أمل، وأوهنت كل عزيمة تسعى لاستقرار الأمة العربية والإسلامية».

أما البعد الثاني: فإنه موقف الحكمة ورؤية العقل المستنير التي لا تستعصي أمامها الصعاب، ولا تقف في طريقها العقبات، حينما تأتي آراء الحكماء، ومواقف العظماء، فإن الحلول تكون قريبة، فهذه العبارات وتلك المشاعر والنداءات تثير النفوس لتطمع في انتهاء الأزمات بعزمات الرجال: «ألا إن الأمل لا يموت، والعزيمة لا تتداعى متى ما توحدت والقلوب متوكلة على الله جل جلاله»، إنها دلالة على تأكيد الأمل، وأن الحل قريب، والعلاج ممكن، مهما توسعت الهوة، وقوي الخلاف والاختلاف، وساد منطق الصراع والنزاع فإن في همم الرجال، ومواقف الأبطال، وقدرات العقول ما يمكن من التغلب على الصعوبات، ويصحح الأخطاء ويقوم العوج على اعتبار أن فهم تعقيدات الواقع يتجاوز بتلك العقول صعوبات كبيرة وعقبات كأداء، تقف في هذا الطريق الهام، لأن الحكمة والعقل تجعل القرارات والمواقف تتجاوز ردود الأفعال، والنظر إلى جزئيات ومصالح آنية، وتتحول حينها الهمم والعزائم إلى أقوال تعقبها أفعال، وآمال تصنعها أفعال الرجال، وتتحول إلى واقع غير محال، وبحس المسلم، وبصره في الأدلة الشرعية، وما تتضمنه من قواعد وأحكام يبرز مليكنا المفدى - أيده الله - مرتكزًا هامًا للمعالجة، وهو أن الأزمات التي عانى منها العراق ولاسيما أزمة الطائفية البغيضة والحزبيات الضيقة يمكن التغلب عليها بتغليب المصالح العليا، فالمعطيات التأريخية، والمكتسبات الوطنية، وفوق ذلك ما يحصل للكرامة والأنفس المسلمة المعصومة التي تهدر في أرض العراق لا يمكن إغفالها، فشأن الدماء عظيم عند الله، ولذلك كانت الشرائع ومنها شريعة الإسلام مشتملة على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ومدارها على حفظ الضرورات، التي اتفقت الشرائع والعقول على رعايتها والحفاظ عليها وتأكيد كرامتها.

وقد شرعت العقوبات المختلفة لتكون زاجرًا عن اقتراف ما يضر الدين والعقل والنفس والمال والعرض، والنفوس في مقدمة هذه الضرورات؛ ولذلك رتب الله على القتل ما لم يرد نظيره في العقوبات الأخرى التي هي دون الشرك، فقال سبحانه: ?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا?.

وهذا الانتهاك يحصل في ظل الفوضى الخلاقة التي دبرت لعراق الحضارات حتى يعيشها، وتكون بيئة لضرب المصالح من خلالها، ثم هو من وجه آخر بلد الحضارات التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ليكون مهدًا لكل الحضارات، ووطنًا للأديان والمذاهب والأعراق، وتلك المكتسبات يجب أن لا تضعف أو تستهدف في ظل الطائفية، فقد عاش العراق عبر تأريخه قوة لا يستهان بها، ووحدة لم يؤثر فيها التباين والاختلاف، بل انطلق الشعب تحت قيادته، واجتمع وتوحد متخذًا من القيم المشتركة قاعدة للتعامل مع الخلاف، وهذه المنجزات لا تنكر لهذا الشعب العظيم، ومن هنا فإن مثل هذه الأبعاد العظيمة، والمرتكزات المهمة التي تخص العراق يجب أن يؤسس عليها في بناء عراق قوي يستعصي على التفرق والتناحر، ولن يكون ذلك إلا كما قال خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله -: «بإعمال العقل، واستنهاض الهمم، أمام مسؤوليتكم التاريخية والوطنية، للمحافظة على مكتسباتكم، وحق أجيالكم القادمة بالعيش بكرامة وعزة».

إن استشعار المسؤولية تجاه هذه الميزات والخصائص الشرعية والوطنية والتأريخية يمنع من التفريط فيها، ويجعل العاقل يوازنها بميزان المصالح والمفاسد الذي تتفق عليه العقول والأديان، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وعند اجتماع مصالح عليا ومصالح دنيا تقدم العليا، ويحصل أعلا المصالح.

أما البعد الثالث الذي نراه متجسدًا في هذا النداء الملكي فهو البعد السياسي المتمثل في أن هذا التفاعل مع واقع العراق لا يشكل تدخلاً في شؤونه، ولا معارضًا لخصوصياته، والمواثيق الدولية تنص على اعتبار الخصوصيات واحترام السياسات الداخلية، والمملكة كجزء من المنظومة العالمية تلتزم بهذا القرار، وتحترم السيادة الداخلية، وتأخذ بمبدأ الحياد مع القيام بالمسؤولية في ظل هذه الأطر المحترمة، فقادة العراق ومن يمثل الشرعية فيها هم من يحدد مصير العراق، وقرارهم في ذلك يمثل سيادة وطنية لا تستهدفها المملكة، لكن الذي تتحمله المملكة هو مسؤولياتها في أن تدعم هذا البلد الشقيق وتؤازره، وتستنهض الهمم، وتبدي المشورة والرأي فيما يحقق الأهداف والمصالح العليا، لأنه كما قال خادم الحرمين الشريفين: «إن وحدتكم وتضامنكم وتكاتفكم قوة لكم ولنا، ومدعاة إلى لم الشمل، والتحلي بالصبر، والحكمة، لنكون سداً منيعاً في وجه الساعين إلى الفتنة مهما كانت توجهاتهم ودوافعهم»، فجغرافية المنطقة وحدة واحدة، أجزاؤها دولها، وضعف جزء منها ضعف لمجموعها، وقوة الجزء قوة للكل، ومن هذه الحيثية كان هذا النداء الملكي الذي يحث على القوة وتجاوز العقبات بما يؤكد الخصوصيات، والقرارات الداخلية، ولذلك فدور دولة السلام الدعوة إلى اجتماع تشرف عليه جامعة الدول العربية، وتشهده المنظمات المعنية بهذه الاتفاقيات، وحينما تجتمع الأجواء الروحانية، والمواقف الداعمة، وتضعف المؤثرات التي ربما تؤثر على القرار فحينها يتحقق المقصود، ويسلم الجميع بأهمية التقارب والاجتماع الذي هو الهدف الرئيس من هذه الدعوة الملكية، إننا حينما نسلط الضوء من وجهة نظر شرعية فإننا نجد ما أكده خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - هو مقصد من مقاصد الشريعة يلمحه المتأمل في جوانب عديدة، وأحكام كثيرة، من أركان الإسلام إلى تفاصيل الفروع وجزئياتها، فالألفة والاجتماع والاعتصام بحبل الله، ونبذ الفرقة والخلاف والاختلاف، حث الله عليه وأمر به وأوصانا بأن نتمسك بحبله، فقال: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصبحتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ?، وقال مبرئًا رسوله والمؤمنين تبع له من أن يكونوا من أمة التفرق والتحزب: ? إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ?.

ويمتن الله على رسوله بحصول هذه الألفة، وأنه لولا فضل الله لم تكن، فقال: ? وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ ألف بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?، وبين الله في آية ثالثة أن الفرقة والاختلاف سبب لضعف الأمة بل وفشلها وذهاب الهيبة، فقال سبحانه: ?وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ?، فيأتي قائدنا وملكينا المسدد الموفق مترسمًا هذه النصوص وأمثالها، ويجسد هذا الهم في ندائه للأشقاء في العراق ليؤكد هذه المقاصد الشرعية التي باستشعار المسؤولية تجاهها يتم التغلب على المعضلات، وبانتهاج الحكمة تتحقق القوة، ولنا في التأريخ عظة وعبرة، فقد وقع في الصدر الأول الاختلاف وكان سببًا في هزيمة حصلت للصحابة، وفيهم رسول الله، بل وصل الأعداء إلى رسول الله، وكسروا رباعيته، وشجوا وجهه الشريف، وذلك حينما اختلف الرماة في أمر رسول الله وهكذا الاختلاف شر، وهو سبب لما تعاني منه أمة الإسلام.

أما البعد الرابع الذي نلمسه في النداء الملكي فهو رعاية حق الجوار، والعناية بهذه الدولة الشقيقة التي تربطها ببلد الإسلام والسلام روابط الدم والدين والعقيدة والجوار، وكلها معانٍ تجتمع لتضاعف من المسؤولية، ويكون هذا النداء أداء لحقوق أمرنا الله عز وجل بها لا على مستوى الأفراد والمجتمع، بل حتى على مستوى الوحدات السياسية والدول، فالحقوق ترتقي إلى أن يكون معيار المسلم في نظرته إلى ما يصيب إخوانه أنه مصابه، وأن فوات المصالح واستمرار الواقع المؤلم هو استمرار للمواجع التي تصيب الجسد الواحد، ومعلوم أن قاعدة الشريعة اعتبار الأولويات ورعاية الحقوق، فالأقربون أولى بالمعروف، ?وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ?.

هذا من حيث الشعور بمشاعر الجسد الواحد، ثم هو من وجه آخر تهديد بخطر يحدق بالجميع، لأن الحدود السياسية والاشتراك فيها يجعل ما يشكل خطرًا على بلد هو خطر على الجميع، ومن هنا فإن هذا البعد يلمحه المتأمل في هذا النداء العظيم من الرجل الحكيم.

تلك أبرز الإشارات، وأهم الأبعاد والدلالات، والمتأمل يقف على أكثر من ذلك، لكن ما أردته أن تكون هذه الجمل والعبارات أداء لحق ولي أمرنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -، وتعبيرًا عن خواطر ومشاعر أخال أن كل مواطن بل كل مسلم يشعر بها وهو يرى رجل الحكمة والإنسانية والسلام تتوالى منه مواقف مؤثرة، ومبادرات حكيمة، فالحمد لله الذي سدد مليكنا لهذه المواقف.

وبعد: فإننا كمواطنين شرفنا بالانتماء إلى هذا الوطن، وشعرنا بالفخر بقادتنا الأوفياء، وعشنا وسمعنا ما تسامع به العالم من نداء الغيور على أمته الساعي لعزتها وكبريائها فإنه لا يسعنا إلا أن نرفع شكرنا وثناءنا لله عز وجل أولاً وأخيرًا، فهو الذي مَنَّ بهذه النعم المتوالية، وهو الذي سدد مليكنا بهذه المواقف السديدة، وأملنا بالله كبير أن هذا الصوت المخلص الصادق الحاني يصل إلى شغاف قلوب الأشقاء، وأن يتحقق أمل قائدنا، وننتظر فترة ما بعد الحج لنشهد هذا الأمل واقعًا متجسدًا، وتكون ثماره وحدة واجتماعًا وألفة وتقاربًا وما ذلك على الله بعزيز.

ثم إني أقول: إن من حق مليكنا على كل مواطن وكل مسلم أن يلهج بالثناء والدعاء بأن يحفظه الله قائدًا موفقًا، وإمامًا مسددًا، وملكًا ناصرًا لدين الله، قائمًا بمسؤوليته خير قيام، وأن يديم عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، ويكلأه برعاية، ويطيل في عمره، ويمده بالمزيد من الصحة والعون والتوفيق، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 

صوت العقل ونداء السلام من قيادة بلد الإسلام
د. سليمان أبا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة