Thursday  11/11/2010 Issue 13923

الخميس 05 ذو الحجة 1431  العدد  13923

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

قال أبو عبدالرحمن: وأما الاشتراط في معاهدة الذمي أن يُقرَّ بديننا فليس صحيحاً، وقد قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: (ولا يُقبل من يهودي ولا نصراني ولا مجوسي جزية إلا بأن يقروا بأن محمداً رسولُ الله إلينا) (1)، واستدل رحمه الله تعالى بحديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم.. قال: (كنت قائماً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فجاء حبر من أحبار اليهود؛ فقال: (السلام عليك يا محمد)، فدفعته دفعة كاد يصرع منها؛ فقال: (لم تدفعني؟).. قلت: (ألا تقول: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟)؛ فقال اليهودي: (إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله)؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي)، ثم ذكر الحديث، وفي آخره: (أن اليهودي قال له: (لقد صدقتَ وإنك لنبي)، ثم انصرف.. قال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى: ففي هذا الخبر ضَرْبُ ثوبان رضي الله عنه اليهودي إذ لم يقل: (يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، ولم ينكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فصحَّ أنه حق واجب؛ إذْ لو كان غير جائز لأنكره عليه، وفيه أن اليهودي قال له: إنك لنبي، ولم يُلْزمه النبي بذلك تركَ دينه) (2).

* (3).. والصحيح أنه يجب مجاهدة أهل الكتاب حتى يسلموا؛ فإن كانوا أهل ذمة فالعقد مشروط بأن لا يطعنوا في ديننا؛ فإن طعنوا في ديننا برئت منهم الذمة، وأما الجهاد فواجب حتى يسلموا وإن لم يواجهونا بالطعن في ديننا، وأما الآية التي استدل بها الإمام رحمه الله تعالى فهي عن غير أهل الكتاب، وهي قبل التكليف بجهاد أهل الكتاب؛ ولهذا جاء بعد الآية مباشرة قوله تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ) * سورة التوبة / 13 *، وحديث ثوبان رضي الله عنه الذي استدل به الإمام أبو محمد رحمه الله تعالى ليس في محل النزاع؛ لأن عقد الذمة كان بعد أن أوجب الله على المسلمين جهادَ أهل الكتاب، وحديث ثوبان رضي الله عنه قبل مشروعية جهادهم، وثوبان رضي الله عنه لم يضرب اليهودي وإنما دفعه، ولو فُرِض أنه ضربه فليس هذا هو الجهاد الذي أوجبه الله فيما بعد على المسلمين بأن يجاهدوا أهل الكتاب حتى يسلموا أو يكونوا أهلَ ذمة.. ولا ندري هل عاتب رسولُ الله ثوبانَ رضي الله عنه أو لم يعاتبه؟.. ولكننا نعلم علم اليقين أمرين: أولهما: أن هذا الدفع لليهودي ليس من خُلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو لن يفعله بأبي هو وأمي وهو لم يؤمر بعدُ بجهاد أهل الكتاب؛ وإنما أُمر بتبليغهم.. وثانيهما: أن ثوبان رضي الله عنه فعل ما ينال به رضى الله سبحانه؛ لغيرته ونصرته رسولَ الله محمداً، وغيرته على دينه.. وهذا الإقرار لا يترتَّب عليه أيُّ حكم شرعي؛ لأن الأمر نُسخ بالنصوص الشرعية الموجبة جهاد أهل الكتاب حتى يسلموا أو يكونوا أهل ذمة.. وكونهم أهل ذمة أن يبقوا على دينهم، ويدفعوا الجزية، ولا يطعنوا في ديننا.. إلخ. وليس في تلك الشروط أي نص شرعي على وجوب إقرارهم بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول إلينا، وكيف يكون هذا شرطاً والإقرار نفسه طعْنٌ في ديننا، وكيف يكون شرطاً والإسلام أقرهم على دينهم ولم يُقِرَّهم على الطعن في الإسلام بما يعتقدونه هم؟.. وأما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُلزِم اليهوديَّ تَرْكَ دينه فذلك حق، ولكنه قبل أن يأذن الله له بجهاد أهل الكتاب؛ وإنما عليه يومها البلاغ، وبعد إذن الله بجهادهم لم يشرع الله له إلزامهم ترك دينهم، وإنما أمر المسلمين أن يحيطوا بهم بعقد الذمة الرحيم.

قال أبو عبدالرحمن: وأما أن إقرار الإسلام أهل الكتاب على دينهم لا يعني الاعتراف بصحة ما هم عليه حتى لو فُرض -وهذا فرض محال -أن كتبهم غير محرَّفة ولا مبدلة؛ لأن الله نسخ بالإسلام كل دين، وأما أن من لا كتاب له لا خيار له إلا الإسلام، أو مفاداة أسرى المسلمين، أو السيف: فبيان ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن من لا كتاب له إما وثني، وإما لا دين له، وهؤلاء حسم الله أمرهم بقدره الكوني إذْ أهلك قوماً لم يؤمنوا برسولهم الذي جاءهم، ولم يتمسَّكوا بدينه كقوم نوح وعاد وثمود وقوم شعيب ولوط عليهما السلام وفرعون وقومه لعنهم الله.. وحسم أمرهم بحكمه الشرعي بعد ذلك منذ استقرت كتب الله بأيدي الأمم، والموجود اليوم (مع التحريف والتأويل والتبديل والإسقاط والإضافة) ما أنزله الله على موسى عليه السلام، وما توالى بعد ذلك على الأنبياء إلى أن نسخ الله الأديان بشريعة محمد المعصوم من الضياع واللبس، وبفتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مكة المكرمة تهاوت الأصنام، وأظهر الناس الإسلام، وليس على المسلمين ولا بقدرتهم أن يُفتِّشوا عن قلوب الناس؛ وإنما المهم أن لا يظهر غير عبادة الله وحده؛ ومن ثم اتجه الإسلام إلى جهاد أهل الكتاب، وجعل في حكمهم المجوس كما في حديث وشهادة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنْ يُسَنَّ بهم سنة أهل الكتاب، وهو حديث صحيح؛ وذلك على الرغم من أنهم يعبدون النار؛ لأنه كان لهم كتاب قد يكونون يأثرون شيئاً منه محرَّفاً، ولكنه لم يظهر ظهور العهد القديم والجديد.. ووجود أي أمة لا كتاب لها إنما هو قدر كوني، وهو امتحان من الله سبحانه وتعالى لعباده؛ بسبب عجز المسلمين، وبسبب مداهنة أهل الكتاب الآخرين الذين هم النصارى (وأما يهود فيستبيحون لغاياتهم كل كفر ومحرم وظلم وفساد)؛ وإلا فحكم الله الشرعي أن لا يبقى على وجه الأرض غير مسلم أو كتابي بعقد الذمة؛ ولهذا فحكم الماركسية نصف قرن (وهم أحد الثِّقَلين على المعمورة) إنما كان بعجز المسلمين ومداهنة أهل الكتاب؛ ولهذا السبب بحمد الله اعترفت المملكة العربية السعودية بعد الحربين الكونيتين بأهل الكتاب، ولم تعترف بالماركسية على الرغم من قوتهم وضعفنا.

والوجه الثاني: أن آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم عليهم السلام، ولم يُقِم عَلَم الجهاد ضد اليهود، وإنما طلب أنصاراً يحمونه منهم ويقومون بدينه؛ فحماه الله برفعه إليه، ونصره بالحواريين رضي الله عنهم يقومون بدينه إلى ما شاء الله من أجل على الصفاء، وإلى ما شاء الله من أجل على التحريف والتبديل حتى نسخ الله شرعه بدين محمد - صلى الله عليه وسلم-.

*، وهذا الخبر من ربي تجده الآن ماثلاً في لاهوتهم الإلهي كما يزعمون، وهو العهد القديم، وفي لاهوتهم الطبيعي كالتلمود؛ فتجد في ذينك الظلم الصارخ مع العنصرية العرقية الضيِّقة، ثم ادَّعى هذه العرقية من ليسوا ساميين أصلاً من شذاذ الآفاق الذين هم الآن دولة إسرائيل.. وأما الإسلام فأبقاهم على دينهم، وضمن حقوقهم بكل مرحمة كما مرَّ.. وقوم عِلْمُهم بدين ربهم أقل من عِلْم العامة، والتزامهم به قبل التنصر ضحل: من ماجن تنصَّر من أجل معشوق أو معشوقة كما ذكر الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في طوق الحمامة.. ومن شرطي باع آخرته بدنياه من أجل أن يحكم قرية كابن حفصون من ملوك الطوائف بالأندلس قبحهم الله.. وأما النحو الثالث فهو لقوم في العالم الإسلامي مَهَّدوا لتنصُّرهم بإرجاعهم عن دينهم القهقرى بالبدع والخرافات والمعتقدات الفاسدة؛ فلا يكاد يبقى لهم من الإسلام إلا دعوى الانتساب إليه.. وصادف ذلك فراغاً من تقصير المسلمين في نشر الدعوة إلى الإسلام وتسهيل توصيله بترجمته من جهة، وتعليمهم لغته من جهة أخرى.. وكان هؤلاء في غاية الفقر، وفيه أيضا فراغ من المسلمين؛ إذْ لم يقوموا بكفايتهم؛ فنجح المبشرون في تنصيرهم، وأظهروا لهم عملياً اللطف والمعونات غذاء ودواء.. وبدون أن أتألَّى على الله سبحانه وتعالى فمستبعد أن يتنصَّر السلفي والله المُسْتَعْصَمُ؛ فإن وُجِد شيئ من ذلك -وهو مستبعد جداً- فهو من أعظم الظواهر التاريخية شذوذاً وأقبحها.

* من سورة مكية قبل الإذن بالجهاد، وأنه لا يقبل من أهل الجزيرة ومن ماثلهم ممن لا كتاب له إلا الإسلام أو السيف.. ومن هذه السور المكية ما لا يعني حكم الجهاد؛ لأنه قبل إيجاب الجهاد؛ وإنما جاء لتسلية رسول الله الحريص على هداية البشرية مثل قوله تعالى: ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فإن اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) *سورة فاطر/ 8 *؛ ولهذا قال سبحانه في هذا السياق: ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إلا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ *سورة فاطر22 / 26*، ومثل قوله تعالى: ? لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ إلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ? *سورة الشعراء / 3 *، ومثل قوله تعالى: ? أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ? *سورة الزمر / 19*، ومثل ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) *سورة يونس / 99*.. ثم شَرَعَ اللهُ الجهادَ، وخص أهل الكتاب بعد الجهاد بأن يسلموا أو يبقوا على دينهم بعقد الذمة.

وههنا مسألتان عن سِرِّ اختصاص أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (أمة الإجابة) بالمسلمين بعد بيان أن الإسلام ملة كل الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.. وعن الجمع بين النصوص المصرِّحة بأن كل رسول قبل محمد عليهم الصلاة والسلام أُرسل إلى قومه خاصة مع أن موسى عليه السلام أُرسل إلى فرعون وقومه وليسوا من بني إسرائيل، كما أن اليهودية والنصرانية قبلت في دينها من ليس من بني إسرائيل، وعاملهم الإسلام معاملة أهل الكتاب وفيهم أقوام من العرب؟!.

قال أبو عبدالرحمن: الإسلام والإيمان متلازمان، ويكون التفريق بينهما بأمرين:

*؛ فشهادة أن لا إله إلا الله مقتضية عبادته بما شرع، وشرْعُه العِلمُ القلبي بِصِدْق أخباره، وتنزيه أحكامه والقيام بها؛ وإنما تكون عبادته سبحانه بهذه الأشياء، والعلم القلبي بذلك صادر عن العلم بأن إلهيته سبحانه وتعالى مقتضى وحدانيةِ تنزُّههِ وكماله في أسمائه وأفعاله، وهذا العلم القلبي حاصل من اليقين العقلي ببراهين الله في الآفاق والأنفس ومن الآيات (المعجزات) التي أظهرها لرسله عليهم الصلاة والسلام وشاهدها مَن أرسلهم الله إليهم، وبقيت بالثبوت التاريخي لمن لم يشهدها.. وقال تعالى: ? شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إليه اللَّهُ يَجْتَبِي إليه مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إليه مَنْ يُنِيبُ ? * سورة الشورى / 13*، ومثلها قوله سبحانه وتعالى: ? وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإبراهيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا? * سورة الأحزاب / 7 *؛ فالدين إيمان بالقلب، وأداء باللسان والعمل؛ وبذلك يقوم الدين.

*؛ فالذين في الدرك الأسفل في النار من مات من المنافقين على الكفر، والآية من سورة الأحزاب تَرْجِيَة في التوبة عليهم لَمَّا نقضوا عهد الله أن لا يفروا عند القتال من الزحف، وهذه توبة عليهم من ربي سبحانه وتعالى إذا شاء؛ فيصرف عنهم العذاب في الدنيا، ويهديهم فيموتون على الإيمان؛ فالوعيد إذن (4) لمن مات منهم على إضمار الكفر، ويدلُّ على ذلك الآية الثانية من قوله تعالى: ? إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) * سورة النساء / 145 - 146 *.. وجاء النص على أن الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل موسى عليه السلام وبعده كانوا مسلمين في عدد من الآيات.. قال الله تعالى عن نوح عليه السلام يخاطب قومَه:? فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? *سورة يونس/ 72*، وقال الله عن أبي الأنبياء إبراهيم وذريته من الرسل عليهم الصلاة والسلام: ? وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبراهيم إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)? * سورة البقرة / 127 - 133 *، وقال سبحانه وتعالى مُخاطباً أهل الكتاب: ? قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلى إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ? *سورة البقرة / 136*.. والأسباط في مثل هذا السياق هم الأنبياء من ذرية يعقوب عليه السلام، وأما في مثل قوله تعالى: ? وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ? *سورة الأعراف/160 * فالمراد بهم قبائل بني إسرائيل من ذرية يعقوب (إسرائيل) عليه السلام، وإخوة يوسف بن يعقوب عليهم جميعاً سلام الله وبركاته ليسوا أسباطاً، ولكنهم آباء الأسباط، ولا ريب أنهم بعض أسباط إبراهيم عليه السلام، ولكنَّ المراد بهم بنو إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام فهم أسباطه، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- من أسباط إبراهيم الخليل عليه السلام، ولكنه ليس من بني إسرائيل الاثنتي عشرة فرقة؛ وللغفلة عن هذه الفروق وَهَلَ بعضُ العلماء في معرفة مَن هم الأسباط؟.. ولما أحدث اليهود والنصارى ما أحدثوه برَّأ الله أنبياءه من الانتماء إلى هذا الإحداث؛ فقال تعالى: ? أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أو نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ? *سورة البقرة / 140*، وقال تعالى عن ملة الإسلام وإن اختلفت الشرائع: ? إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إلى إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا? *سورة النساء / 163*، وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ? يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبراهيم وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)? * سورة آل عمران / 65 - 68*؛ فليس في ذلك نفيٌ لما أنزل الله على موسى وعيسى عليهما السلام أن لا يكون إسلاماً، وإنما هو نفي لما دخله من الشرك؛ فالله قص علينا أن التوراة والإنجيل والزبور نور وهدى وضياء وفرقان؛ ولهذا قال تعالى هنا:? وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ? تعريضاً بما أحدثه أهل الملَّتين؛ فما أنزل الله على موسى إلى عهد عيسى عليهم السلام هو اليهودية، وهي شرائع، وما أنزل على عيسى عليه السلام هو النصرانية، وهي شريعة، واليهودية والنصرانية ملة واحدة هي الإسلام، وأما اختلاف القبلة فذلك شريعة يدخلها النسخ، ولا نَسْخَ للملة، ولكن اليهود اعتدوا على اليهودية والنصرانية بتحريف الكَلِمَ عن مواضعه.. وشهد حواريو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في أكثر من موضع من القرآن الكريم بالإسلام بإشهادهم عيسى عليه السلام بأنهم مسلمون، وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: ? رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ? *سورة يوسف / 101 *، وقال تعالى عن قوم موسى عليه السلام ورضي عنهم:? وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ? * سورة الأعراف / 126*، وقال تعالى:? وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ? * سورة يونس / 84 *، وقال تعالى عن فرعون حيث لا ينفعه إيمانه:? وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائيل وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? * سورة يونس / 90 *، وقال تعالى عن قوم لوط عليه السلام: ?فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ? *سورة الذاريات / 35 - 36*، وقال سبحانه وتعالى عن كتاب سليمان عليه السلام لملكة سبإٍ: ?إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ? * سورة النمل30 - 31*، وقال سبحانه وتعالى عنها: ?قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ? *سورة النمل / 44*، وقال سبحانه وتعالى عن عموم أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام: ?إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ? *سورة المائدة / 44*، ولقد مضى البرهان من سورة الصف على أن عيسى بن مريم عليه السلام كان مسلماً.. وتوالي الأنبياء عليهم السلام على بني إسرائيل ليحكموا بالتوراة لا يعني عدم النسخ في شرائعهم؛ فإن التناسخ يقع في الشريعة الواحدة كما في شريعتنا، وكما في عهد موسى عليه السلام بأنه لا توبة لبني إسرائيل إلا بقتلهم أنفسَهم، ثم نَسَخَ اللهُ ذلك بتوبته عليهم.. وأما قوله سبحانه وتعالى عن عبده ورسوله محمد:?قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أول مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ? * سورة الأنعام / 14*؛ فالمراد أنه أول المسلمين من أُمَّته التي تميزت بالانتساب إلى الإسلام تسمية أبلغ من الوصف، والإسلام ملة كل الأنبياء، ولكن يقال لقومهم مثلاً: عاد قوم هود، وثمود قوم صالح، وقوم نوح، واليهود، والنصارى، وإلى لقاء إن شاء الله.

***

(1) المحلى 7-317 - دار الجيل، ودار الآفاق ببيروت.

(2) المصدر السابق ص 317.

(3) المصدر السابق ص 318.

(4) قال أبو عبدالرحمن: لا يجوز كتابة إذن إلا بالنون؛ لأنها حرف أصلي وليست تنويناً، والعرب لا تقف على التنوين فتظهر نونه، بل تلغيه وتقف على السكون؛ وهذا دليل على أن نون (إذن) أصلية؛ لأنك تقول: (أنتم جديرون بالتكريم إذن) فتظهر النون في الوقف، ولا تقول: (أنتم جديرون بالتكريم إذاْ)؛ فتلغي النون وتقف على السكون، ولو فعلت ذلك لكان الكلام ناقصاً يَتِمُّ بمثل (إذا اجتهدتم)؛ وحينئذ يكون معنى (إذا) غير معنى (إذن).

 

مِن الكفر والإباحية إلى عقوبات العدميَّة ( 9-10)
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - عفا الله عنه -

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة