Saturday  13/11/2010 Issue 13925

السبت 07 ذو الحجة 1431  العدد  13925

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

لا مصلحة لإيران في ضعف العرب، مع أن سياسات أحمدي نجاد تعمل بكل طاقتها ليس فقط لإضعافهم، بل كذلك لإبقائهم مربكين منهكين، أسرى إرادات أجنبية: إيرانية كانت أم أميركية أم إسرائيلية. بعد الإسلام، تحول غير العرب من المسلمين إلى نطاق حضاري / أمني حمى أمة الدين الجديد، بقوته وبحيوية العقيدة الواحدة ورابطة المصالح المشتركة التي أنتجها...............................

بالمقابل، حمى العرب المسلمين، بعد أن نقلوا إليهم دينهم، وعلموهم لغتهم، وأدخلوهم في دولتهم، وقبلوا مساواتهم لهم في الإسلام وحضارته، بعد أن شارك هؤلاء في إقامتها وجاء حين من الدهر كان من الصعب فيه معرفة هوية العالم أو الحاكم أو القائد العسكري، بما أن هويته كمسلم أو كمساهم في البناء الحضاري كانت كافية لتعريفه.

عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران، عارضها عرب كثيرون، لاعتقادهم أنها ستقوض عقد الحماية المتبادلة غير المكتوب بين العرب وغير العرب من المسلمين، وأنه كان من الضروري منع نشوبها بأي ثمن، لأن أحدا لن يخرج منتصرا منها، وإن قهر الطرف الآخر وهزم جيشه.

واليوم، يبدو أن نجاد يرى العرب بالمنظار القومي، غير الإسلامي، الذي كانت قيادة العراق ترى من خلاله إيران: بلدا فارسيا يتجلبب برداء الإسلام.

إذا كان الموقف العراقي السابق قد محا قرابة ألف وخمسائة عام من الشراكة الدينية والحضارية مع إيران، فإن موقف نجاد الحالي يفعل الشيء ذاته، ويستغل الشراكة لمآرب تتعارض مع معناها وروحها، ويسعى إلى إحداث تغيير في مركز ثقل الإسلام ينقله من مركزه العربي إلى إيران، كما تؤكد أفعال كثيرة وتصريحات متنوعة يطلقها هو ويشاركه في إطلاقها عدد كبير من قادة بلاده.

وهنا بالذات تكمن خطورة سياسات نجاد، التي تقطع مع تاريخ طويل ضمن احترامه استقرار شعوب ودول المنطقة وتقدمها، ووحد ثقافتها ولغتها ومصالحها ودينها.

هل لإيران مصلحة في سياسة تعزز مواقعها وترجح هيمنتها على العرب بصورة خاصة، لكنها تحمل مخاطر غير مسبوقة على أممها جميعها، لكونها تنزع عن إيران الغطاء العربي الذي يحميها، وتدفع العرب إلى مساعدة أميركا ضدها، بوضع مجالهم الجوي والبحري والأرضي تحت تصرفها، وتجبر الجانب الآخر من الخليج على حماية أنفسهم منه بالتعاون مع خصومه وأعدائه، كي لا يقعوا أكثر فأكثر بين نار القبول بالرضوخ دون قيد أو شرط له، مع ما يعنيه ذلك من محمولات سلبية مؤذية إليهم، ونار العمل ضد بلده المنفلت من عقاله، الذي يجبرهم على تحويل بلدانهم إلى ساحة قتال بينه وبين قوى أجنبية لا تقل عتوا عنه، مع أنهم ليسوا طرفا فيه، وإنما يجرهم نجاد إليه بما يطلقه ضدهم من تهديدات عسكرية يقول إنهم سيكونون هدفا مباشرا لها، إن أحجموا عن دعم إيران والانحياز إليها في معاركها، أو اتخذوا موقفا حياديا من الدول الكبرى المناوئة لها، بل ومن الشرعية الدولية.

مع استمرار سياسات إيران الراهنة، القائمة على استباحة المنطقة بالقوة، والسعي إلى إجبارها على تقديم مصالح طهران على مصالحها الخاصة، يجد العرب أنفسهم أمام خيار عسير، قبول الدور الذي خصصه نجاد لهم في صراعاته الدولية، أو معاملتهم كأعداء مباشرين يحق له استخدام جميع أساليب العنف والابتزاز ضدهم.

هذا الخيار، لا يبقي للعرب غير الاستسلام له، أو حماية أنفسهم منه بالانحياز إلى أعدائه، مع ما يفضي إليه ذلك من مواقف لا يريدونها ولا تخدم مصالحهم.

ألا يعي نجاد نتائج سياساته؟. إذا كان لا يعيها، فهذه كارثة، وإذا كان يعيها، فهو لا يمارس السياسة، بل ينتحر ويخطط لانتحار المنطقة بأسرها!

عوض أن يركز نجاد جهوده على كسب العرب وبعث الاطمئنان في نفوسهم، تراه يمارس حيالهم سياسة ترويع تمليها معادلة حمقاء تقول: «من ليس معي بالطريقة التي أقررها له فهو عدوي».

وكان حريا به الأخذ بالمعادلة المقابلة، التي تقول: «من ليس ضدي فهو معي»، ما دام كسبه إلى جانبي ممكنا، إذا انتهجت سياسة ودية حياله ترتكز على المشتركات والمصالح المتقاربة، والأرضية الثقافية واللغوية والدينية الواحدة، وتترك باب الخيارات الآمنة مفتوحا أمامه.

يفعل نجاد عكس ما تتطلبه الواقعية، ويلحق أضرارا شديدة بإيران والعرب، سواء وقعت حروب في المنطقة أم لم تقع.

من غير المفهوم لماذا يصر الرئيس الإيراني على مواقف مؤذية ولا مسوغ لها، تثير الانطباع بأنه صار ممكنا معاملة العرب كرجل المنطقة المريض، الذي يجب اقتسام ما لديه مع المتنافسين على أرضه وتركته.

هذا التفكير يجعل من الصعب على نجاد أن يغير موقفه أو يتخلى عن أخطائه، ويوهمه أن النصر قريب وأن من الخيانة التخلي عن أية خطوة تقود إليه. وأن هزيمة أميركا وشيكة، وأنها عاجزة عن فعل شيء ضده، فلا خوف من السعي إلى إخضاع العرب، الذي سيصير تاما بخروج واشنطن من الشرق الأوسط، في أجل قريب!.

هذه الأوهام، المبنية على أخطاء لا تمت بصلة إلى العصر والتاريخ، هي مصدر سياسات نجاد.

إنها تكشف كم هو غريب عن الواقع وعاجز عن فهمه، وكم صارت مواقفه خطيرة على بلاده والمنطقة العربية.

يخسر نجاد أمة حليفة وشقيقة لإيران، وسط معركة يواجه فيها قوى كبرى وعظمى تستطيع محاصرته وإنزال أضرار هائلة ببلاده، حتى إن هزمت في العراق وأفغانستان!.

يدفع رئيس إيران العرب إلى معركة لا يريدونها وليسوا طرفا فيها، ويبدي من ضروب العداء ضدهم والاحتقار لهم والاستهانة بمصالحهم ما يلزمهم بالرد عليه، بسياسات من جنس سياسته، تعادي إيران وتريد لها الخراب، مثلما تعادي سياسته العرب وتعمل جديا على إيذائهم وتدمير بلدانهم.

من غير الجائز أن يستمر نهج نجاد، نهج تقويض العلاقات الإيرانية / العربية، ويجب أن تتوقف حكومة إيران عن الاساءة إلى دول الخليج العربي، وعن زجها في معارك وحروب لا تريدها. إن حماية المنطقة العربية وتعزيز استقلالها، يتطلبان تشكيل هيئة عربية / إيرانية دائمة تتدارس المشكلات، وتجنب العرب والإيرانيين الأزمات والحروب، وتنمي المنطقة اقتصاديا واجتماعيا، وتجعل السلام والأمن كلمتها إلى العالم.

أما أن تجري إيران مناورات موضوعها إغلاق الخليج وتدمير آبار نفطه وخوض الحرب على شاطئيه، فهذا يقوض علاقات الأخوة والمصالح المشتركة بين ساحليه، ويدفعه نحو حرب ليست حرب العراق غير لعب أطفال بالمقارنة معها.

على نجاد تقوية العرب بدل إضعافهم، طمأنتهم لا إخافتهم، إذ ليس من مصلحة نجاد اختراق العرب بطريقة يؤلب دولهم ضد الجمهورية الإسلامية. وليس من مصلحته فتح جبهات تستنزف قدرات بلاده وتضعها في مواجهة سياسية ومسلحة مع معظم الدول العربية، بينما تستعد لحماية نفسها من خطر أميركي شديد وداهم.

إذا كان نجاد يحب الحرب، فليذهب إليها وحده، وليقلع عن جر العرب إليها، بإضعافهم وترويعهم.

وللعلم، ليس العرب ضعفاء بالقدر الذي يشتهيه نجاد، وسيقصم انحيازهم إلى أعدائه ظهر إيران، التي لا تحتاج إلى حرب لن تخرج منها غير محطمة!

 

هل لإيران مصلحة في ضعف العرب؟
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة