Saturday  13/11/2010 Issue 13925

السبت 07 ذو الحجة 1431  العدد  13925

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

           

وقفتُ في صالة المسافرين «الرحلات الداخلية» في مطار الرياض الذي أراه من بين عشرات المطارات التي زرتها أقرب إلى النفس، وأكثر انسيابية في الحركة، وأسهل سفراً وعودة، على الرغم من أن بعض الأهل والأصدقاء لا يرون رأيي هذا، ويتهمونني بالتعصب، ويردد بعضهم على مسامعي «وعين الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلة».

ولكنني ما زلت مقتنعاً بهذا الرأي، خاصة إذا وازنت بين مطار الرياض، ومطار جدَّة الذي لو لم يكن فيه إلاَّ ركوب تلك الحافلات التي تثقل كواهل المغادرين والقادمين، صعوداً أو نزولاً، وذهاباً وإياباً.

وقفتُ في صالة السفر الداخلي في مطاري الأثير «مطار الرياض» انتظر أحد الإخوة، ووجدتني منساقاً إلى قراءة ما كان قريباً مني من اللوحات الإرشادية الموزَّعة في تلك الصالة، سواءٌ منها ما كان متعلقاً بمنع التدخين، أم بإبراز بعض التعليمات المهمة للمسافرين، ونظرت إلى لوحة «استنادية» واقفة عن يميني فيها تعليمات جديدة -كما يبدو- لأنني رأيت منها عدداً لا بأس به في تلك الصالة، وأعداداً أخرى في صالات السفر الداخلية.

وبدأت أقرؤها وأنا معجب بهذا الحرص على تنبيه الناس إلى المعلومات التي تعرِّفهم ببعض الأنظمة، وترشدهم إلى ما يسهِّل عليهم إنهاء إجراءاتهم، ولكنَّ العبارة الأخيرة في هذه اللوحة صدمتني وصعقتني، وبدَّدت ذلك الإعجاب الذي شعرت به، حتى تذكرت عنوان ذلك الكتاب القيِّم الذي حققه الأخ الزميل د. محمد الفاضل بعنوان: «الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية» للغوي الفقيه سليمان الطوفي المتوفى سنة 716هـ، وشعرت بدقة هذا العنوان في التعبير عن الصَّعقة التي حدثت لي بعد قراءة تلك العبارة.

ماذا تقول العبارة؟

تقول: «مع تمنّيات الهيئة العامة للطيران المدني بسفراً أَمْناً سعيداً».

إي -والله- أيها الأحبة هكذا وبكل إصرار وتصميم «بسفراً أَمْنَاً سعيداً» مع وضع الحركات على الحروف بهذه الصورة المكتوبة هنا.

رآني أحد الواقفين، فسلَّم عليَّ وكنت متضايقاً من هذا التحدي الصارخ للغة القرآن الذي أراه أمامي في هذه اللوحة الإعلانية البارزة، ومدَّ يده مصافحاً، فصافحته وعلى وجهي علامات التأثُّر، وقد أدرك ذلك فسألني «عسى ما شرّ يا دكتور» قلت له: انظر إلى هذه اللوحة، وتأمَّل معي عباراتها، فقرأها ثم قال: شيء جميل أنْ تبرز هذه التعليمات للناس، قلت له: هل قرأت العبارة الأخيرة؟ قال: نعم، قلت هل يمكن أن أسمعها منك، فضحك قائلاً: تختبرني يا أبا أسامة؟ قلت وقد شعرت بشيء من الراحة من حديثي معه، وانضمَّ إلينا أحد رجال الأمن في المطار مسلِّماً عليَّ ومتسائلاً: أراك تتأمل هذه اللوحة باهتمام، قلت له: نعم، وطلبت من الرجل أن يقرأ فقرأ العبارة -كما هي- وهو يبتسم، ورجل الأمن كذلك، فزادني هذا الموقف غمَّاً على غمّ، وسألته: ألا تشعر أن فيها شيئاً غريباً، فقال: لا، ولكن رجل الأمن -فرَّج الله كربه- فرَّج عني حينما قال: أشعر أنَّ في آخر العبارة مشكلة. ولكنَّي لا أستطيع تحديدها، فقلت له منفعلاً: أحسنت يكفيني هذا منك الآن، ثم قلت لهم: «بسفراً أَمْناً سعيداً» إنَّ هذه العبارة بهذه الصورة كارثة لغوية كبرى، يزيدها فظاعةً عندي عدم إحساس معظم القارئين لها بهذه الفظاعة. قال الرجل وهو متأثر: الآن أدركت المشكلة، فالباء حرف جرّ، والصحيح أن يقال: بسفرٍ أَمْنَاً سعيداً.. فقلت له فرحاً، شكراً لك ولكن الصحيح أن تكون كلها بالجرّ فنقول: (بسفرٍ آمنٍ سعيدٍ) وهنالك خطأ كبير في تشكيل كلمة «أَمْناً» فهي (آمن).

ألا تستطيع الهيئة العامة للطيران أن توظِّف متخصِّصاً في اللغة يحمي لغة القرآن من هذه الأخطاء؟!!

إشارة:

من جذور اللغة الفصحى انطلقنا

نملأ الدنيا صدىً عَذْباً شجيَّا

 

دفق قلم
لغة القرآن والهيئة العامة للطيران المدني
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة