Sunday  14/11/2010 Issue 13926

الأحد 08 ذو الحجة 1431  العدد  13926

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كنت في طريقي من كلية علوم الحاسب، وكان يجب أن أمر بممر ضيق يؤدي إلى المواقف في أسفل الكلية، وهذا الممر لايتسع لأكثر من اثنين، وكان أمامي طالبان تشابكت أيديهما وقد سدا الطريق، قصرت خطوتي حتى انتهيا من مناجاتهما ولكنهما بدآ بمشاهدة مقطع في جوال أحدهما.

أثناء ذلك جاءتني رسالة من أحد المواقع الإخبارية تتناول حلقة البطالة التي بثها برنامج صباح الخير في التلفزيون السعودي وتتحدث بالتفصيل عن أحداث الحلقة والنتائج المؤلمة التي طالت المسؤولين عن البرنامج...لم أهتم بالرسالة ابتداء لأنه قد سيطرت على ذاكرتي صورة الطريقة في المشي في الممرات والجسور والطرق العامة التي رأيتها قبل مدة قصيرة في بلد آسيوي، حيث يمشي الناس في طريقين متعاكسين وكلهم ملتزمون بهذا النظام دونما رقيب من الحكومة، أعجبتني طريقتهم حيث لايمثل الإنسان حجر عثرة في طريق الآخر، في صورة تؤكد أن إعطاء الطريق حقه التي أمر بها شرعنا القويم هي هذه ، القضية ليست شابين يتمايلان في ممر ضيق والطوابير وراءهما تنتظر الفرج بل القضية عدم المبالاة بالآخرين، والكارثة ماوصل إليه السلوك العام الذي غيب ثقافة التعايش والالتزام والاحترام فيما يخص الشؤون الحياتية للناس، جنح خيالي كثيرا وتذكرت أن ذلك البلد لاتوجد به أرصفة وخراسانات وحديد تفصل بين مسارات السيارات ولم أر حادثا ولم أقف على رجل أمن يحرر مخالفة، صدقا خشيت في ظل عدم الالتزام بالنظام البسيط عدم الالتزام بما هوأخطر ولوكان على مستوى القفز بالسيارة من الكبري أوقطع الرصيف المقابل للجامعة ليبتلى به مواطن آخر وبخاصة أن وقت خروج الطلاب في الظهر من البوابة الرئيسة عادة مايكون في طريقة فوضوية، ويكفي أنني أكاد أرى كل يوم حادثا بسبب عدم التقيد بأنظمة المرور، وقارنت بين ذلك الخط الأبيض والتزام الناس بعدم تجاوزه وبين الأرصفة الحجرية والسواتر الأسمنتية التي تقفزها سياراتنا بطرق بهلوانية تستعصي على المتدربين على السيرك وشخصيات تليماتش..ركبت السيارة وبدأت أفكر بأمرين أحدهما:

أن المعيارية في الحكم على الأشياء مفقودة والموضوعية مغيبة تماما، بعضهم يتهم الحكومة بالتقصير في المحاسبة وأن إصلاح المواطن وتمدنه من مهمة الدولة، ولكن ينسى في الطرف المقابل أن الدولة حينما تتدخل لممارسة هذا المهمة تصطدم بعقليات بسيطة لاتتجاوز نظرتها أرنبة أنفها، بعضها يحمل قانونه الخاص به، وبعضها يحمل مشروعا غير تنويري، يحب العيش في الظلام كالخفافيش، وبعضها يحمل أجندة يشوه من خلالها أي مشروع حكومي تحقيقا لأهداف غير وطنية، ولايهمه إلا الفت في عضد الدولة بفتح الذرائع على مصراعيها ولوكان في عمارة الحرمين الشريفين أو خلق فرص وظيفية لأبناء الوطن العاطلين، وأصبحت الحكومة العزيزة في حرج شديد بين طرفين طرف يشد للأعلى وطرف يشد للأسفل ومن احترامها للجميع تلتزم الصمت أحيانا وبخاصة أن لكم الحق في اختيار طريقتكم في العيش فاتفقوا قبل التدخل الرسمي الذي يفرض في النهاية رؤيته حبا للمصلحة العامة وحماية للشعب من المشروعات الخاصة والأهداف غير النبيلة كما جرى في فرض تعليم البنات وإجراءات التأمين في عهود سابقة، فلابد أن نكون جميعا (مؤسسة دينية وسياسية واقتصادية) بحجم المسؤولية التاريخية المفروضة علينا ولانفترض سوء النية في قرارات الدولة واتهام المسؤولين بالتغريب لمجرد شبهة ومزاجية، ولذلك حينما تمارس الدولة مهمتها في تثقيف المواطن وتمدنه في فرض نظام ساهر مثلا تواجه هجوما ممنهجا وتشويها متعمدا من قبل أولئك باسم جمع المزيد من الجبايات والأموال في نظرة ضيقة جدا دون الالتفات للمصلحة العليا وحماية المجموعة التي أمر بها الشرع من المتهورين، ولا أنسى ثناء أحدهم على بعض الدول المتقدمة في تطبيق النظام و مقارنتها بأنظمتنا المرورية فقلت له ياسيدي غفرتم لهم وضع الكاميرات في غرف الفنادق ودورات المياه وكشف المستور واقتحام الشقق وفرض الرسوم على الجسور والطرق الطويلة والمواقف والمخالفات المشددة ولايعود لك تأمينك إلا بعد شهر تقريبا وترونه حضارة وتمدنا وترون وضع كاميرات ساهر على الشوارع لتضبط مسار الشباب وتعلمهم المدنية جباية...ياسيدي لابد أن نتمدن ولو بالقوة.

والآخر: أن لكل منا قانونه الخاص، ومتى وقف القانون العام بوجهه رعد وزمجر واتهم بالفساد، ولم يدر أن الفساد كله يكمن لوتم تمرير موضوعه وتحقيقه له على طريقته لأن ذلك يؤدي للفوضى واختلاط المصالح...

رجعت للتفكير بمضمون الرسالة التي وردتني قبل قليل، وقررت أن أرى تلك الحلقة بأي طريقة كانت مادامت أصبحت قضية رأي عام، وفعلا رأيتها من خلال بعض المواقع، وإن كنت أرى أن علاج وزارة الإعلام قاسية نوعا ما ولعلها تعذر الضيفين الكريمين على التحمس العاطفي وهذا رأيي الشخصي، لأن المعنيين بالبرنامج لايمكن أن نشك في وطنيتهم وبحثهم عن المنفعة وخدمة المسؤولين باطلاعهم على أبعاد البطالة، ولكن أخطأوا الطريقة والله جل وعلا يعذر، ومليكنا المحبوب رائد العفو والتسامح والشواهد كثيرة ...وكان الأولى أن يأتي الرد في البرنامج مباشرة في كل حلقة من قبل الوزارات والإدارت المعنية بدفع هذه الافتراءات وبالدليل القاطع وضمن القانون الذي يحكم المجموعة المتصالحة عليه، يوضح للمشاهد ويجيب عن تفاصيل قضية الضيف الذي يدعي أنه يحمل الدكتوراة ولم يجد عملا بأسئلة مهمة منها: ما مصدر شهادته؟ وهل هي من جامعة معترف بها من جامعات السودان وماتخصصك؟ وهل النظام يسمح لك بالدراسة في فرع جامعة أصلها ضعيف ؟ وهل سجلت أوراقك مثلا في وزارة التعليم العالي وتم التنسيق ؟ أنك سجلت عن طريق النت وأكثرت الترداد على المكاتب الصغيرة التي تمنح شهادات مزورة وبالتالي هل يحق لك أن تكون عضو هيئة تدريس في جامعة من جامعاتنا ولماذا لم تحصل على هذا الشرف مادام أن الفترة الأخيرة تمخضت عن فتح جامعات في مناطق نائية وتبحث عمن يسد النقص؟ المشكلة أين تكمن باختصار، فيك أم في شهادتك.. في ترفك أم ضرورتك... في مسؤول ما أم في الوزارة التي وضعت معايير وأنظمة تحكم هذا العبث الأخلاقي قبل أن يكون وظيفيا ...وإذا قمت بإجراءاتك القانونية من حقك أن تذهب لديوان المظالم لإنصافك دون جعجعات الإعلام وهرطقاته التي تفضح ولاتستر، والذي آلمني أشد الألم أن أسلوبك في الهجوم على وزير العمل وتشكيكك في جدية القيادة كان رخيصا ورخيص جدا لايليق بحامل شهادة دكتوراه.. وكنت أتمنى من الزميل الكاتب القدير سعد الدوسري أن ينظر إلى الجزء المملوء من الكأس وليس الفارغ لأن جهود الدولة في السنوات الأخيرة في رعاية المواطن وهي مطالبة ولاتعذر في تقصيرها واضح وملموس، وكان الأولى ألا يتم تجاهل مصداقية القيادة في علاج الأزمات العارضة كالبطالة والتشكيك في جديتها وأن يستحضر خطابات المليك الأخيرة وقراراته وإصلاحاته بشهادة العالم التي لاتخفى على أحد، وهناك خبران جديدان يؤكدان ذلك وهما:

1- أعلنت مجلة «فوربس» الأمريكية أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ثالث أقوى الشخصيات تأثيراً في العالم، لعام 2010، بعد الرئيس الصيني هو جينتاو، والأمريكي باراك أوباما. وبهذا الترتيب يكون الملك عبد الله بن عبد العزيزالأول عربيا وإسلاميا وقد تخطى 6 قيادات عالمية عن قائمة عام 2009، التي احتل فيها المركز التاسع. وتضم قائمة أكثر الشخصيات العالمية تأثيراً 68 شخصية، تتباين مواقعها ما بين ملوك ورؤساء وقادة مؤسسات عالمية، ويبقى معيار الاختيار هو مدى قوة انتشار نفوذ وتأثير هذه الشخصيات على أكبر عدد من البشر، وقد خسر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قمة العالم التي احتلها عام 2009، لصالح الرئيس الصيني هو جينتاو الذي جاء في المرتبة الأولى هذا العام، وتراجع أوباما للمرتبة الثانية, وهذا دليل موضوعيتها

2- أسهم توسع دائرة تأثيرات الدور الاقتصادي السعودي في المنطقة في تصنيف المملكة بين أفضل اقتصادات العالم الناشئة جنبا إلى جنب مع دول صاعدة كبرى كالصين والهند وتركيا، وسط ما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي مهول في منطقة الخليج والشرق الأوسط والبلدان العربية امتدادا للعالم الإسلامي. وشكل دخول السعودية إلى مجموعة العشرين الدولية التي تضم أقوى 20 اقتصادا حول العالم في زيادة الدور المؤثر الذي تقوم به المملكة في الاقتصاد العالمي، لكونها بلدا قائما على قاعدة اقتصادية صناعية صلبة.

إن الموضوعية الإعلامية تجبرنا على الإنصاف ولا أدل على نجاحنا من هذه الأخبار العالمية التي تؤكد ثقلنا السياسي والاقتصادي وجدية مليكنا في الإصلاح، وتماسك وطننا ثابتا شامخا في وجه أعتى الأعاصير الاقتصادية التي عصفت بدول عظمى ذات تجربة لايستهان بها فحمت الدولة أكثر من خمسة وعشرين مليونا من مواطنيها ومقيميها من الغلاء الفاحش ومن الالتزامات والمديونيات وطرد الموظفين من وظائفهم وتسريح القيادات، بل إن معدلات النمو والتوظيف لم تتأثر وإن كانت لها حساباتها وترتيباتها البعيدة عن العاطفة الجياشة والموضوعية لأن الارتباط لها في الميزانيات لايكون اعتباطيا ولامزاجيا ولا أحلام ليل يثبت كذبها فجر كاذب، وكنت أتمنى أن يشق المواطن جيبه أمام أخيه المواطن صاحب الشركات الخاصة والأرصدة النائمة لمساعدته أوعلى الأقل إخراج الزكاة على الوجه المطلوب، وعلى الرغم من ذلك فلا يمكن لمنصف أن ينسى دعم الخدمات والمشروعات ضمن الحدود المتاحة من خلال صندوق الموارد البشرية وصندوق المئوية ودفع عجلات الضمان الاجتماعي وتدخل الدولة في الكوارث والنوازل، ومعالجة توظيف من كانوا على بنود غير رسمية والخير مقبل ونحن برجاء خير على يديه رغم أن أكبر معوق هو المواطن الغني الذي يسابق الفقير على لقمة عيشه، التاجر الجشع الذي يمتص دماء إخوانه، المسؤول المملوء بالرشوة والمحسوبية والإيثار، وكلها متعلقة بالمواطن وليس بالنظام والقانون، فالقضية ليست فساد دولة ونظام ...القضية قضية وعي مواطن بالدرجة الأولى...

كل شعوب الأرض المتمدنة والتي لها مئات السنين في الحضارة والمحاسبة والرقابة يحصل عندهم قضايا أكبر ومسائل أعتى فمنهم من ينتحر ومنهم من يقدم استقالته ومنهم من يطبق في حقه القانون ولانجد مواطنا منهم يقول: إن بلدنا ليس فيها نظام، ويتحملون مسؤولية خطأ الفرد في سبيل احترام نظام المجموعة دون تطاول على النظام والقيادات والمؤسسات..وربما كان اختلافنا عنهم يظهر من خلال السؤال الآتي: ماذا لوقطع ابني أو ابنك إشارة مرور وهدد حياة الناس بالخطر وتمت مساءلته من الجهات الأمنية فلن يهنأ جفني ولاجفنك حتى يخرج من منها بإحراج الزملاء والأصدقاء -وقد نكون مسؤولين وقدوات للآخرين في تطبيق النظام -نبحث عن واسطة تعفيه من العقوبة، وقس على ذلك في التدخلات والشفاعات ولي عنق نصوص النظام من أجل قبيلة أو إقليم أو طائفة دونما رحمة بالناس لأنه يرى أن الوظيفة سبيل من سبل تحقيق المجد الأسري وصدر المجلس والفنجان الاول، ويرى المجتمع يشتم فلانا لأنه يطبق العدالة والمساواة على الجميع، ويفسح المجالس لمخترقي النظام والقانون في صورة تؤكد أن الوطنية بحاجة إلى إعادة صياغة في نفوس أولئك، ولذلك لاتعجب من أحدهم حينما يتحدث بإيجابية عن النظام وهو على رأس العمل وإذا تم تقاعده تحدث بسلبية مقرفة ومقززة بضرب أمثلة الاختراق التي ربما كان أحد أبطالها... هذه أزمة ضمير وأزمة وطن تؤكد أن كارثتنا تكمن في ..»إن لكل واحد منا قانونه الخاص « الذي خير مايصوره عبارة قالها غوار ذات يوم في مسلسله صح النوم « حارة كل من ايده اله « ولذلك يتهم ويطعن ويشوه كل من يقف في وجهه ولوكان القانون العام متجاهلا أن أبجديات أي مجتمع في دولة القانون - وليكن بدائيا - أن يكون بين أطرافه عقد اجتماعي برعاية الدولة وسلطاتها الثلاث (تشريعية، قضائية، تنفيذية) ينظم العيش والتعايش بينهم دونما تعدي طرف على آدمية المجتمع وكائناته وبيئته فضلا عن مقدساته وتاريخه وتراثه ومقوماته، وقد جاء القرآن بهذا فقال جل وعلا:

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} فقدم مصلحة الجمع على مصلحة الفرد... ومتى ماوصل الناس إلى ثقافة الأنا في حارة غوار وتجاهل النسق الجمعي من خلال عدم احترام النظام والقانون فإنهم سيدورون حول أنفسهم وسيتجاوزهم الآخرون إلى الأهداف النبيلة ومقومات العيش الكريم... القضية ليست خللا في النظام بل القضية وعي مواطن مرة أخرى والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com
 

لَسْنَا فِي «حَارَةِ كُلِّ منْ ايْدُهْ اِلهْ»
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة