Monday  15/11/2010 Issue 13927

الأثنين 09 ذو الحجة 1431  العدد  13927

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

(الكذِب) بين التحريم والإباحة والوجوب
د. علي بن محمد الحماد

 

رجوع

 

الكذب يعرفه العلماء أنه في الأصل: الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه حقيقة، وعكسه الصدق ويعرفه العلماء بأنه: الإخبار عن الشيء على ما هو عليه حقيقة، والصدق اسم على مسماه، ولفظ طابق معناه، ومن الصدق اشتُق اسم الصَدَاق، أي مهر المرأة، لأنه دليل على صدق نية الزوج في الارتباط بهذه المرأة!! وسُميت الصدقة صدقة لأنها تدل على صدق صاحبها ورغبته فيما عند الله والدار الآخرة، وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب، وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة لنقل أحادها وإنما المهم بيان ما يستثنى منه، والتنبيه على دقائقه ومتى يكون (واجباً) ومتى يكون (محرماً) ومتى يكون (مباحاً) علماً أن حرمته من حيث الأصل مما هو معروف من الدين بالضرورة، (لا يكذب المرء إلا من مهانته، أو سوء فِعلته أو قِلّة الأدب)! ولنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدَث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) أي كذب.

وأما ما يباح من الكذب فمن ذلك، الإصلاح بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً)، وزاد مسلم ولم أسمعه صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاثِ: يعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل أمرأته، والمرأة زوجها، فهذا حديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة.. وقد ضبط العلماء ما يباح منه وأحسن ما رأيته في ضبطه، ما ذكره الإمام الغزالي رحمه الله في (الأحياء) حيث قال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذب فيه حرام لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إن كان المقصود واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه: وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة، وسأل عنها ظالم يريد أخذها، وجب عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهراً، وجب ضمانها على المودع المخبر، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ويوري في يمينه، فإن حلف ولم يور حنث على الأصح وكذلك لو كان مقصود حرب، أو إصلاح ذات البين أو استمالة قبل المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذب ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرض إلا بالكذب، والاحتياط في هذا كله أن يوري ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ، ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الموضع.

قال الغزالي: وينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضرراً فله الكذب، وإن كان عكسه، أو شك حرم عليه الكذب، ومتى كان متعلقاً بغيره لم تجز المسامحة بحق غيره والحزم تركه في كل موضع أبيح إلا إذا كان واجباً، ومذهب أهل السنة كما أسلفت أن الكذب هو الإخبار عن الشيء، بخلاف ما هو، سواء تعمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل إنما يأثم في العمد، ودليل تقييد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في البخاري (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

وخلاصة القول أن الكذب تمر به الأحكام التكليفية الخمسة:

فمرة حراماً - ومرة مباحاً - ومرة واجباً - ومرة مسنوناً - قال الإمام أحمد وفي التعريض مندوحه عن الكذب وذلك فيما لا يحق باطلاً أو يبطل حقاً، أو يبخس إنساناً، أو يهضم جناباً.. وقد تمادى الناس في الكذب والتورية والمعاريض حتى صار الكذب كأنه حاذق فطن ذكي في عيون إضرابه وجلسائه ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!! وخصوصاً في مجال العمل فتراهم يُخادعون المسؤولين بالحيل والمكر والخديعة والتلاعب ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً.

ومهما تحايل المرء أو خادع، فالعبرة بحقائق الأمور، لا بألفاظها. قال صلى الله عليه وسلم: (يمنك على يُصدَّقك عليه صاحبك..) والذي لا ينقضي من العجب أن الكذاب يظن أنه قد لعب على الناس! وهو إنما لعب وضحك على نفسه وسيرته ومكانته بين الناس.. لأنه بعمله يفقد مصداقية كلامه مستقبلاً فلا يؤبه لقوله أو يصدق حديثه.

كَذَبْتَ ومن يكذب فإن جزاءه

إذا ما أتى بالصدق أن لا يصدَّقا

إذا عُرف الكذاب بالكِذب لم يَزل

لدى الناس كذاباً وإن كان صادقا!!

أذكر في مقابلة مع الممثل المشهور (الهزاع) قال إن الشيخ ابن باز قد شجعني وأفتاني بالتمثيل و.... فرد الشيخ بقوله: هذا ليس صحيحاً، ثم استدل بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}أهـ.. ولعله كان هناك لبس حول الموضوع حيث إن الأستاذ (الهزاع) يعالج كثيراً من الأخطاء الاجتماعية، والنواحي السلوكية.. فأنا أجزم أن الحديث كان فيه لبس أو زيادة أو نقصان.. وكل المتحاورين ربما توصلوا للحق حاشا الكذاب.

لي حيلة فيمن ينم وليس في الكذاب حيله

من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة

إن الكذاب يظن ظناً، والظن لا يغني من الحق شيئاً!! يظن أنه حصل على منفعة أو مصلحة ما.. وهو في الحقيقة خسر خسراناً مبيناً إما عاجلاً أو آجل. بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره!! فلا تهدم كيان حديثك بالكذب والمبالغة، وخطف الأخبار، وبث الإشاعات تقول العرب في أمثالها (وجْه الإنسان فِتر!) أي إن سمعة الإنسان محددة فإذا لطخها بالموبقات والمعايب عجز عن استردادها مهما حاول!! والفِتر: هو مقياس طولي قصير جداً!! قال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثما أن يُحدث بكل ما سمع).. والكذب بغض النظر عن حرمته فهو خسة ودَناءة. وذِلّة.

قيل يا رسول الله أيَسرِق المؤمن؟ قال نعم! قالوا: أويزني المؤمن؟ قال نعم! قالوا أيكذب المؤمن؟ قال: لا!!أهـ وليس معناه أن هذا دأب المؤمن وإنما ربما وقع منه ذلك نادراً. والسلام عليكم.

رياض الخبراء -

* ali5001@hotmail.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة