Tuesday  16/11/2010 Issue 13928

الثلاثاء 10 ذو الحجة 1431  العدد  13928

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

يوم العيد، يوم له طعم ورائحة خاصة، فهو يوم التواصل، ويوم المحبة، ويوم الفرحة، وسطر فيه الشعراء أجمل قصائدهم، ويأتي قول المتنبي الشهير:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهم

فليت دونك بيدا دونها بيد

يأتي كأشهر ما قيل رغم اختلافنا معه، ولكنه يبقى حاضراً على ألسنتنا كلما حل عيد، نردده ونحن نعيش هذه المناسبة الجميلة التي يجب أن تكون جميلة رغم كل الأحداث والمنغصات.

ولكن هناك أناساً بالفعل يمر عليهم العيد وهم في حالة نفسية مختلفة مهما حاولوا أن يكونوا منسجمين مع هذا الحدث الفرائحي، فلا الوطن وطن ولا الناس أهل، ولا الصحة هي الصحة التي تمنحهم فرصة التواصل ولو عن بعد، من هؤلاء شاعر نجد الراحل الفذ بما تعنيه كلمة فذ، حمد الحجي -رحمه الله- الذي عاش بائساً متألماً مريضاً غريباً لما كان يعانيه من مرض فصله عن مجتمعه، فبات وحيداً لا سلوة له إلا ما كان لنا سلوة وهو هذا الشعر الذي لا ننصفه عندما نقول إنه جميل، بل إنه أكبر بكثير من هذه الكلمة.

في العيد كان لشاعرنا -رحمه الله- قصيدة مؤثرة تبكي القلوب قبل العيون يقول فيها:

يا عيد وافيت فالأشجان مرخية

سدولها ونعيم الروح مفقود

لا الأهل عندي ولا الأحباب جيرتهم

حولي فقلبي رهين الشوق مفؤود

العين ترنو وطول البين فاجعها

حسرى وإنسانها بالأفق معقود

تجري دموعي دماء في محاجرها

على وسادي لها صبغ وتسهيد

أمسي وأصبح والأحزان تحدق بي

لا الروض يجدي ولا القيثار والعود

أروي اشتياقي وأني نوىً وجوى

وأنني بقيود الهم مصفودُ

يا فرحة القلب والآلام تعصره

لو أنه بلقاء الأهل موعود

يا ساكني نجد إنا بعد بينكم

كأنما قد شوى الأضلاع سفود

فادعوا بحق الهوى أن نلتقي بكمُ

فإن أيامنا من بعدكم سود

يا ليتكم تبصرون الصب عن كثب

حتى يبين الذي يلقاه معمود

إذا ذكرتكم أمسيت مرتعشاً

كأنني في مهب الريح أملود

أنا المتيم والأحداث شاهدة

من الهموم علت وجهي التجاعيد

إني غلام ولكن حالتي عجبٌ

أرى كأني في السبعين مولود

لم أشرب الكأس والأشواق تشربني

ولم أغرد ومن حولي الأغاريد

نعم شربت كؤوس الهم مترعة

حتى كأني من الأوصاب عربيد

كأنني شبح في الليل منتصب

أرعى النجوم وحلم الليل موؤود

الغيد حولي زرافاتٍ أطالعها

لكنما عنكمُ لم تسلني الغيد

لما أتى العيد أبكاني وهيجني

فليتني بعدكم ما مر بي عيد

ذكرتكم وسخين الدمع منهمر

لما تعالت بدنياي الزغاريد

عيد الغريب سقام وانبعاث أسى

ودمعه إن شدى الشادون تغريد

عيد الغريب سقام خاتمة مؤلمة تقشعر منها الأبدان، لمن تصور هذا الموقف، كيف يكون العيد والإنسان غريب، هذه الغربة قد لا تعني غربة الوطن، فقد تكون غربة السجن أو غربة المرض أو غربة الوحدة أياً كانت هذه الوحدة.

ومن الغربة كما في قصيدة الشاعر شرب كؤوس الهم حتى يكون الإنسان كالعربيد، فالمهموم لن يشعر بالعيد ولن يكون حاضراً بوجدانه في هذا الحدث الجميل.

وهذا يذكرني بقول المعتمد بن عباد، يوم جاء عليه العيد وهو في سجن أغمات، يتجرع الذلة والهوان ذليلاً كسيراً، فقال قصيدته المشهورة التي منها:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

وكان عيدك باللذات معمورا

وكنت تحسب أن العيد مسعدة

فساءك العيد في أغامت مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة

في لبسهن رأيت الفقر مسطورا

معاشهن بعيد العزّ ممتهن

يغزلن للناس لا يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعة

عيونهن فعاد القلب موتورا

قد أغمضت بعد أن كانت مفترة

أبصارهن حسيراتٍ مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية

تشكو فراق حذاء كان موفورا

قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت

كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا

لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره

وقبل كان بماء الورد مغمورا

لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ

وليس إلا مع الأنفاس ممطورا

أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه

ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا

وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهجٌ

فعاد فطرك للأكباد تفطيرا

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً

لما أمرت وكان الفعلُ مبرورا

وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ

فردّك الدهر منهياً ومأمورا

من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به

أو بات يهنأ باللذات مسرورا

ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت

فإنما بات في الأحلام مغرورا

حمد الحجي الحاضر في وجدان كل متذوق للشعر والذي يعد مفخرة لبلدته النجدية (مرات) ولوطنه، كان ينتظر منه لو أن الله أمد في عمره أن يكون أميراً لشعراء العربية بكل جدارة لما تتصف به قصيدته من جمال فني وغزارة لغوية تكاد لا تجد لها مثيلاً في الأزمنة المتأخرة.

رحل حمد الحجي مخلفاً إرثاً عظيماً من جميل الشعر كيفاً لا كماً، وقد تكون معاناته المساهم الأكبر في هذه الجودة والقوة الشعرية، التي تأسرك، بل إن كل بيت في قصائده يستوقفك وتشعر أنه البيت الأوحد في هذه القصيدة.

السؤال الذي يتبادر إلى ذهني: هل الشاعر لا يمكن أن يكون شاعراً مجيداً إلا عندما تغمره المآسي والنكبات؟ وكما يقال الشعر يخرج من رحم المعاناة.

المعتمد بن عباد وحمد الحجي أنموذجان يصفان لنا يوم العيد عندما يكون مدعاة للبكاء لا للفرح والسرور، وهذا بلا شك مما يؤلم القلب ويدمع العين، عندما يكون العيد وأنت غير قادر على الفرح، فلا يمكن أن تكون سلبياً بل إن البكاء هو سبيلك الأوحد للمشاركة في هذا اليوم.

جعل الله أعيادنا دوماً مبعث فرح لا حزن، وجمع شمل لا فرقة، وألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، وكل عام وأنتم في خير وإلى خير.

almajd858@hotmail.com
 

عندما يكون العيد مدعاة للبكاء..!
إبراهيم بن سعد الماجد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة