Tuesday  16/11/2010 Issue 13928

الثلاثاء 10 ذو الحجة 1431  العدد  13928

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

الراحل الكبير د. محمد عبده يماني
حاسن البنيّان

رجوع

 

الجزيرة - الرياض:

يجمع معظم الصحفيين السعوديين، إنْ لم يكن كلهم، أنّ أفضل وزير إعلام عربي مرّ عليهم في فترة السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، كان هو معالي الدكتور محمد عبده يماني (رحمه الله)..

والذي تسلمّ حقيبة الإعلام في أول حكومة شكّلها الملك خالد بن عبد العزيز (رحمه الله) في عام 1975م واستمر فيها ثمانية أعوام حتى قرار إعفائه في عام 1983م.

تعامل د. يماني خلال هذه الفترة مع رؤساء التحرير والصحافيين كصديق وزميل لهم وليس كوزير، وأذكر له (رحمه الله) موقفاً نبيلاً بعد أن نشر لي خبر رئيسي في الصفحة الأولى في صحيفة (الجزيرة) في عام 1979م حول قرار اتخذته الحكومة، فقد أخبرني رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، بعد أن استدعاه الوزير يماني لمعرفة تفاصيل نشر هذا الخبر أن الوزير يريد أن ألتقيه في مكتبه بالوزارة، لم أذهب إليه في اليوم التالي، وعندما جئت إلى الجريدة، وجدت (أبا بشار) غاضباً لعدم ذهابي للموعد مع الوزير، وطلب مني ألا أتأخر في الذهاب إليه، وبالفعل قابلته من الغد، وكنت أتوقع أنني سأتلقى منه (رحمه الله) تقريعاً وتأنيباً لعدم مبالاتي بالموعد معه، إلا أنني وجدته باسماً ومرحباً، أفهمني في البداية بخطأ نشر مثل هذا الخبر الذي وصفه ب(القرار السياسي) الذي لا يمكن حتى لرئيس اللجنة التي بحثته وأحالته إلى المراجع العليا أن يعلن عنه أو يصرّح به للصحف.

أتذكر أنه قال لي (يا ابني ليتك اتصلت بي شخصياً للاستئذان بنشر هذا الخبر، لكنت نصحتك بعدم التعجل في نشر مثل هذه الأخبار لخوفي عليك في صدور عقوبة لا يستطيع محمد عبده يماني أن ينقذك منها). خرجت من عنده وأنا كلي سعادة بأنني (عائد إلى عملي)!! وأتذكر أيضاً، أنه اختارني من بين مجموعة من الصحافيين كنا نغطي جولة للأمير عبد الله بن عبد العزيز - قبل أن يكون ولياً للعهد ثم ملكاً - لنادي الضباط في شارع المطار القديم، انفرد بي وأبلغني بأنه سيرتب لي حديثاً مع الأمير - الملك - عبد الله ، وبالفعل حصلت على الحديث، وشدد على القول: أبلغ الأستاذ خالد المالك بإبرازه وسأطلب من وكالة الأنباء السعودية نقله عن صحيفة (الجزيرة).

كما يعتبر د. محمد عبده يماني (رحمه الله) أول وزير إعلام يسمح بتواجد الصحافيين لتغطية جلسة مجلس الوزراء الخاصة بإقرار الميزانية العامة للدولة، ودخول الصحافيين للديوان الملكي وقصور الضيافة الملكية لتغطية لقاءات الملك مع رؤساء الدول الزائرين.

وأتذكر له موقفاً مع الملك خالد (رحمه الله) في إحدى جلسات مجلس الوزراء لإقرار الموازنة، فبعد أن ألقى الملك كلمته وانتهت الجلسة وانفض الوزراء، اكتشف الوزير يماني من بعض الفنيين أن الكاميرا التلفزيونية التي سجلت كلمة الملك حدث فيها عطل فني، مما يستوجب إعادة الكلمة، وتفاجأ الملك خالد برغبة الوزير إعادة قراءة الكلمة فرفض، إلا أن الوزير يماني أقنعه بعد جهد في أن يجلس مجدداً ويلقي الكلمة وكان فريق التلفزيون يقوده الأستاذ محمد حيدر مشيخ وكان وقتها وكيل الوزارة للتلفزيون..!!

وذات مرة وكنت أيضاً في (الجزيرة) فوجئت في وقت متأخر من المساء بزيارة معالي الوزير د. محمد عبده يماني إلى مقر الصحيفة في (الناصرية) وبرفقته وكيل الوزارة (آنذاك) د. عبد العزيز خوجة، سألني عن الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير فأخبرته بخروجه قبل لحظات من وصوله، أردت الاتصال ب(أبي بشار) لإشعاره بوجود الوزير إلا أنه - رحمه الله - رفض ذلك، مشيراً إلى أنه ليس في زيارة رسمية أو تفقدية أو كما قال لي: أنا كنت ماراً بجواركم وأردت أن أطل عليكم، سلِّم لي على الأستاذ خالد، وخرج معالي الوزير كما دخل وكأنه يزور منزل صديق له..!!

وفي إحدى المرات، أوفدتني (الجزيرة) إلى البحرين لتغطية مؤتمر لوزراء الإعلام في دول الخليج العربية، أردت أن ازور د. يماني في جناحه الخاص لاستكشاف المزيد من المعلومات عن طبيعة الجلسات والمناقشات للمؤتمرين، وجدت باب جناحه مفتوحاً لا وجود لكتيبة من السكرتارية والحشم، شاهدته (رحمه الله) وأنا أدلف إلى الداخل مستقبلاً القبلة يؤدي صلاة الظهر فوق سجادته التي لا تفارقه في أسفاره، جلست أنتظره في الصالة، وعندما انتهى من صلاته نادى عليّ بلهجته المكّاوية المحببة: ايش عندك يا أخ حاسن..!!

عندما عرف غايتي، جاء إلى الصالة وأكرمني بمعلومات مهمة، انفردت بنشرها في (الجزيرة).

وعندما خرج د. محمد عبده يماني من الوزارة، خرج والكل ممن تعامل معه مجمع على محبته وتقديره، وهو لم يخرج كغيره إلى الظل وعالم النسيان، وإنما بقي واستمر حتى توفاه الله قريباً من الناس والمجتمع، يشارك بفعالية ونشاط يحسد عليه في كثير من المحافل والمنتديات والمؤسسات الفكرية والاجتماعية والإسلامية والثقافية والرياضية، وكان له حضوره وإسهاماته المتعددة.

ويجب ونحن نتحدث عن د. يماني، ألاّ نغفل مسيرة هذا الرجل التطوعية في الأعمال الخيرية، وإن كان طوال وجوده في مناصبه الرسمية فاعلاً في مساعدة المعوزين والمحتاجين، وصاحب أدوار مشرفة في الشفاعة للكثيرين من الأسر والشباب عند ولاة الأمر، وأصحاب الشأن من المسؤولين وأهل الخير، كما يحسب له (رحمه الله) أن تولى مسؤولية المبرّة الخيرية للشيخ عبد الله كامل (والد زوجته) والشيخ صالح كامل (شقيق زوجته) حتى قيل إنه كان يقود بنفسه (ضماناً اجتماعياً) يحوي قوائم بأسماء وأسر محتاجة تصرف لهم مسيرات رواتب وتقدم لهم معونات ومساعدات عينية وغذائية ودوائية وتعليمية، لتجاوز معاناتهم الحياتية والمعيشية..

وقد أخبرني الدكتور خالد محمد طيبة، الاستشاري وصاحب المركز الطبي للأنف والأذن والحنجرة بالرياض أن د. يماني (رحمه الله) أشرف بنفسه على علاج سبعة أطفال صم، أجريت لهم بالمركز عمليات لزراعة قوقعة الأذن الإلكترونية نقلتهم - بفضل من الله ثم بمساعدة د. يماني - من إعاقة الصمم إلى عالم السمع والتخاطب..

وقال: إن هؤلاء الأطفال وذويهم تأثروا جداً لوفاة هذا الرجل الإنسان، وهم يدعون له كلما سمعوا صوت الأذان.

لقد رحل معالي الدكتور محمد عبده يماني راضياً مرضياً عنه، ونحسبه كذلك والله حسيبه.

غفر الله له وأسكنه واسع جناته..

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة