Wednesday  17/11/2010 Issue 13929

الاربعاء 11 ذو الحجة 1431  العدد  13929

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

العيد.. معناه ومغزاه
عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف

رجوع

 

سمِّي العيد عيداً لعود الله فيه على عباده بالخير واليمن والمسرات. في العيد تُشرق الوجوه وتبسم الشفاه وتضيء الجباه وتطيب بحول الله الحياة. وفي أعياد المسلمين يحس الجميع صغاراً وكباراً بفرحة غامرة حفيّة نديّة مسعدة. أعياد المسلمين بهجة شاملة كاملة يحس بها الجميع فرحة تهز الأركان وتنعش الأبدان تملأ الدنيا حبوراً وسروراً، إحساس كامل وشامل بالمودة والرحمة والإخاء والصفاء، يتبادل المسلمون فيه التهاني، ويبلغ الكثير منهم فيه غاية الأماني، فأماني المسلمين الوحدة والائتلاف والرحمة والعاطفة والتواصل والقرب والملاذ الآمن ووحدة الصف والكلمة، ووحدة المشاعر والقلوب والاتجاهات، هكذا ينبغي أن تكون أعيادنا نحن المسلمين، لكن لقائل أن يقول ما بال أعيادنا الآن اتسمت لدى البعض بالجفاء والجفاف والبعد وعدم الإنصاف، أين ذلك الصفاء والهناء والقرب والعفاف والإنصاف، أين تلك الرحمة والمودة التي عاشها الأسلاف، إننا حينما نتلفت بميناً وشمالاً لا نجد من تلك الصفات والسمات إلا بقايا ضعيفة أو خفيفة أو مجاملة متكلّفة، لا نجد أحياناً إلا ظلاً متكلفاً أو خافتاً أو خيالاً براقاً كاذباً، ولقائل أن يقول أعيادنا حقيقة ذهبت.. ذهب رونقها وجمالها وجلالها ورقّتها وعذوبتها، إلا قليلاً ممن عصمه الله وحماه، بقيت الأسماء والأشكال وذهبت الصفات والسمات والخصائص.. ذهبت لدى البعض الفكرة العابدة الخاشعة، وبقيت لدى البعض الفكرة الصغيرة الهشّة العابثة، وإذا كان للعيد فرحة، فإن فيه كذلك عبرة، ومن الخير للأمة الراشدة أن تجمع فيه بين المتعة والعبرة، فنفرح بما قدمنا فيه لأنفسنا وبلدنا وأمتنا، وكل عيد لدى أي أمة من الأمم له مغزى ومعنى وفلسفة، وفلسفة عيد الأضحى بالذات، البذل والعطاء والصدق والوفاء والتضحية بالرغبات والشهوات والأهواء، وبكل مرادات النفس في سبيل الصالح العام، والاستجابة الصادقة لأمر الله وأمر رسوله، والنصح للأمة، وبذل المستطاع في سبيل النهوض بالوطن والمواطن. وهذه الاستجابة الصحيحة مثل أعلى في الطاعة ولزوم الجماعة والطاعة المطلقة للصالح العام، هي أساس البذل والعطاء والتضحية الصادقة الصحيحة، لأنها نكران للذات وبذل وعطاء في سبيل الأمة، وسحق للرغبات والمشتهيات، ومقاومة صادقة لشتى الرغبات والنوازع الفردية والأنانية وحب الذات، وإذا نجح المسلم في ذلك حقاً استحق اسم المسلم الصالح وصار جزءاً من كلٍ وجزءاً من خلية حية بهية نابضة بالخير والعطاء والمواطنة الصحيحة، وعضواً في جسم صحيح غير جريح ولا عليل، ولا يمكن لأي أمة من الأمم أن تنهض وتدب فيها الحياة الصحيحة المريحة، إلا إذا أزهقت بينها روح الشتات والفرحة والانقسام، بيد التجمُّع والألفة والوئام، ولم تدع لعوامل الفرقة والهدم والتقسيمات والتصنيفات، إنهم يمكرون بنا مكر الليل والنهار، إننا يجب أن نكون على مستوى المسؤولية والواجب الملقى علينا، فهذا عيد الأضحى يقبل علينا بجماله وجلاله ورونقه وبهائه، ويبهرنا بروعته وسمو قصده ومقاصده، لنتعلّم الأضحية الصحيحة لا بالأنعام فقط، بل بالرغبات والشهوات والأهواء التي كدّرت رونق وصفاء ونقاء الحياة، نضحّي بالأهداف والمقاصد والأغراض الخسيسة والرخيصة، ونستبدلها بالمقاصد والأغراض النفيسة. إنّ التضحية بالأنعام ومرآها تفارق الحياة في لحظة لتوحي بمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، بالعظة والاعتبار فيردعها ذلك كله عن هواها ومبتغاها، ويدفعها إلى حسن الادخار لمأواها، والعيد من شأنه أن يكون فيه وقفة من وقفات التأمل والمراجعة والمحاسبة والمعاتبة، حيث يمتد بَصَرُ الإنسان وبُصْرُهُ إلى ما قدم وأسلف وعمل من أعمال، فإنْ كان خيراً حمد الله واستزاد وشكر، وإنْ كان غير ذلك بأن قصّر تدارك واستغفر. إنّ الحرص على التضحية بالشهوات والرغبات والأهواء وسائر المخالفات ميراث حقٍ وصدقٍ من مواريث هذه الأمة الماجدة الخالدة ذات التراث المجيد الخالد.. إنه ميراث من مواريثها الخلفية والنفسية والاجتماعية. إنّ هذه الأمة لا بد أن ترجع وتراجع تاريخ أنبيائها وسلفها الصالح وعلمائها الكبار الإبرار وأئمتها المهديين، فنجد هذا التاريخ المضيء سلسلة حيّة من التضحيات، لقد بَعُد بيننا العهد وبين التضحية الصحيحة، وسيطرت على الكثير منا الأنانية والحرص والطمع والجشع وحب الذات، وأصبحنا بأمسّ الحاجة إلى تذوّق هذه التضحية ومحاولة التعوّد عليها والتطبّع بها وغرسها في نفوسنا ونفوس أبنائها وأجيالنا، حتى تتحقق فينا وبجلاء معاني الإنسانية الصحيحة، وترتفع وبحق من حضيض الحيوانية والبهيمية. إننا أحياناً نشاهد وبجلاء أنواعاً خسيسة ورخيصة من أنواع التضحية بمصلحة الفرد والأمة في سبيل الأهواء والرغبات والمشتهيات. إننا نشاهد أحياناً كيف يضحي الفرد بدينه ومروءته في سبيل شهوة أو نزوة، ما أحوجنا إلى تذوّق التضحية الصحيحة المريحة حتى نكون مثلاً حياً لأجيالنا وأمتنا حتى يكون شباب الإسلام أمثلة حية بهية نقية لمكارم الأخلاق، كما كان الآباء والأجداد وسلفنا الكرام كيف كان للتضحية معنى ومبنى ومغزى، كيف كانت التضحية الصحيحة المريحة المعطية، كيف كان المعنى والمبنى والمغزى لهذه الشعيرة العظيمة التي انفرد بها ديننا العظيم.

جامعة القصيم

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة