Sunday  21/11/2010 Issue 13933

الأحد 15 ذو الحجة 1431  العدد  13933

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

تابعت كمواطن وكمشارك وكمحلل مجريات الحوار الوطني السعودي في جولاته المختلفة، واطلعت وسمعت وقرأت وقلت شيئاً مما أثير في الحوار وحوله. وكتابتي هذه لا تستهدف تحليل أو نقد أو وصف الحوار الوطني ذاته..

ولكن تدوين فكرة مبسطة قد تحمل فائدة عملية للإخوة القائمين على مركز الحوار الوطني، بل لنا كمجتمع يتطلع لأن يؤمن بجميع فئاته ومؤسساته ورموزه وأطيافه بالحوار كآلية تخفف من حدة الشك والتعصب والتمييز والصراع والخلاف غير الصحي، فالحوار قادر - إن نحن أمددناه بمقومات فعاليته - على إضعاف تلك المظاهر السلبية والتقليل من آثارها على مجمل المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي، والحوار قادر أيضاً على تصنيع نصل وقاية ل (التيار العام) في المجتمع وحمايته من المتشددين والمتطرفين في كافة الاتجاهات، ليس ذلك فحسب بل نفيهم إلى مناطق (الهامشية) أو حتى (الشذوذ)، فكراً وتأثيراً.

وأنا أعلم أن ثمة من يحمّل (مركز الحوار الوطني) فوق ما يطيق، لدرجة أنهم ينتظرون من الحوار الوطني إزالة كافة الأورام المتراكمة في جسدنا الثقافي؛ الناجمة عن إخفاقنا في زراعة مبادئ الحوار وقيمه وفنونه، وهذا خطأ فادح، فالحوار الوطني - في رأيي - مسؤول عن (الإسهام) في بناء (جيل الحوار) وفق إمكانياته وقدراته دون أن يكون مسؤولاً عن مجابهة (أجيال اللاحوار)، فذاك شأن الثقافة؛ برموزها ومفرداتها ووظائفها ومؤسساتها.

غير أن تلك الغاية التي أتوخى أن يحققها الحوار الوطني ليست مسألة يسيرة على الإطلاق، بل هي عسيرة وتتطلب جهوداً مكثفة وعملاً مضنياً وتراكمية وتعاضداً في التخطيط والتنفيذ لكل ما تتطلبه ثقافة الحوار والتسامح والعقلانية. وإني أعتقد أن الحوار الوطني بحاجة ماسة إلى تقييم دقيق لأدائه وأنشطته ولعلهم قاموا بشيء من ذلك (أنا على علم بأنهم أعدوا دراسة تقويمية)، وفي رأيي أن الحوار الوطني بوسعه أن يُسهم بدور بحثي إزاء المسائل التي يتم مناقشتها، بحيث لا تكون الحصيلة مجرد كلمات تُقال وأفكار تُصنع في ردهات الحوار مع أهميتها بلا شك، فنحن نستطيع أن نضيف إلى ذلك أبعاداً بحثية، كيف؟

حين يختار مركز الحوار الوطني مسألة لمناقشتها يتم تشكيل لجنة علمية تختص بعملية وضع محاور محددة لاستكتاب باحثين ومتخصصين فيها، بحيث يكون لدينا عدة أوراق بحثية (من ثلاثة أبحاث إلى ستة مثلاً) على أن يتم استكتاب باحثين ومتخصصين آخرين للتعقيب، مع اشتراط أن يكون إعداد الأوراق والتعقيبات بمنهجية علمية دقيقة، بعيداً عن الأطر الفكرية أو الحزبية أو النفعية، أي أن الانحياز هنا يكون إلى الأدبيات العلمية وما جاء فيها من أدلة وبراهين ونظريات ونماذج ودراسات وأدوات قياس ونتائج وتجارب عملية وتطبيقات مفيدة حول الموضوعات المبحوثة، راجياً من الباحثين والمتخصصين أن يكونوا على قدر المسؤولية من حيث الجهد الذي يبذلونه، مع تأكيدي عليهم بأن يعتذروا في حل كونهم غير قادرين على إتمام العمل البحثي كما ينبغي لأي سبب كان بما في ذلك توفرهم على تحيزات غير مقبولة، ولكي يتضح المقصود أضرب على ذلك مثالاً. هب أن المركز طلبوا منك بحثاً يناقش مسألة أو فئة اجتماعية معينة، وأنت تدرك بأنك مؤيد أو مضاد لتلك المسألة أو الفئة بشكل يخرجك عن الحكم الموضوعي، فهنا نقول لك يتوجب عليك كباحث أن تتمتع ب(الفروسية البحثية) وتعتذر عن العمل البحثي بحجة التحيز (كتابة أو تعقيباً). ولا أطن أننا سنكون على شيء ما لم نتوفر على باحثين صادقين كأمثال هؤلاء، الذين يؤمنون ب (فقه التحيز).

ولكي نحقق أعلى درجة من الفائدة من العمل البحثي أرى أن تُكتب الأوراق البحثية والتعقيبات بطريقة مبسطة قدر المستطاع لتكون ملائمة لعموم الفئات، مع المطالبة بوضع توصيات عملية بما في ذلك توصيات محددة بتنفيذ دراسات معمقة وإصدار تشريعات وتقييم أوضاع ومؤسسات ومنتجات فكرية وثقافية وإعلامية، ويفضل تخصيص بعض الأوراق البحثية لرصد المشهد المحلي إزاء ما نحن بصدده من مسائل وموضوعات مع ضرورة التأكد من دقة أدوات القياس والاستكشاف والتشخيص واتصافها بالثبات والمصداقية Reliability and Validity. كما يفضل تخصيص بعض الأوراق البحثية لرصد بعض التجارب الدولية المميزة وتضمنيها لدروس مستفادة حيال تلك المسائل والموضوعات مع مراعاة أوضاعنا الثقافية والاجتماعية والسياسية.

وإذا نجحنا في تحقيق ما سبق فإنني أعتقد أن الأوراق البحثية مع التعقيبات ستكون بمثابة أفكار تأسيسية جيدة ويمكن طباعتها في ملف وتوزيعها على المشاركين قبل الحوار بوقت معقول، ويمكن إرسالها بالبريد الإلكتروني للمشاركين للتخفيف على المركز وللتعجيل ولتخفيض التكاليف أيضاً، لتتم طباعتها في كتاب بعد تضمينها لأبرز المداخلات والتعقيبات التي تمت في جولات الحوار الوطني، وهنا نكون إزاء وثيقة وطنية ذات طبيعة علمية بحثية، ويعني هذا أن الحوار الوطني - وهو الأهم - قد أفلح في تحسين مدخلات الحوار ومن ثم تحسين مخرجاته، ومنهَجَة الحوار وعقلنته، بالإضافة إلى تنشيط حركة البحث العلمي ودفع تروسه تجاه المسائل والموضوعات الملحة في الحوار الوطني، كما أنه يبرهن على نجاحه في حقن عقولنا بالمنهجية العلمية والاتكاء على الحقائق أو المعطيات العلمية المحققة للمصالح الوطنية العليا بأعلى درجات الجودة الممكنة.

Beraidi2@yahoo.com
 

نحو تأسيس وثائق وطنية بحثية في الحوار الوطني
د. عبدالله البريدي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة