Monday  22/11/2010 Issue 13934

الأثنين 16 ذو الحجة 1431  العدد  13934

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كان أول من استعمل مصطلح الأيديولوجيا الفيلسوف الفرنسي ديستات تريسي، ويعني بها علم الأفكار أو العلم الذي يقيس ويقرر مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس، وقد انتشر استعمال هذا الاصطلاح بحيث أصبح لا يعني فقط علم الأفكار، بل يستخدم لتحديد الموقف الفكري والعاطفي الذي يعبر عن موقف الفرد تجاه العالم والمجتمع والإنسان، ولا يعني بالضرورة الدين بمبادئه العظيمة..، لكن الاجتهاد في احتكار الحقيقة الدينية ثم استعمالها لإقصاء الآخرين يدخل في دائرة الأيدولوجيا الضيقة جداً.

يحكم الدين بتعاليمه السامية حياة الناس بقانون السواسية في الدنيا وفي اليوم الآخر، ويضع الناس جميعاً تحت ميزان العدل الذي لا يفرق بين فئة وأخرى، لكن مقولات مثل (لئن يجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء)، أو (لأن أجاور يهوديا ونصرانيا، وقردة وخنازير، أحب إلي من أن يجاورني صاحب هوى يمرض قلبي)، وأيضاً مقولة (قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة؛ فساق أهل السنة أولياء الله)، تحول من الموقف الديني إلى موقف أيديولجي وإقصاْء متطرف، وتدعو للانحياز وتشوه صورة العدالة التي فرضها الله عزَّ وجلَّ كأصل من أصول الدين الحنيف.

في العصر الحديث يقحم بعض الدعاة المثقفين والكتاب في دائرة أصحاب الأهواء، وهم بذلك الفعل يريدون إقصاءهم في الدنيا، ومن رياض الله في الآخرة، لأن أصحاب الأهواء مهما حسن عملهم في الدنيا في حفرة، وتضعهم تلك الرؤية المنحازة في درك أدنى من طائفة أهل الخير في المجتمع، وبالتالي يقع هؤلاء المحدثون والدعاة في شبهة الأدلجة التي تخلع عن المخالف حقوقه الإنسانية والإلهية وتجعله عرضة للظلم والانحياز، وفي ذلك استعداء للقضاة وأهل الحسبة والعامة بمختلف مشاربهم، ويفسر ذلك دعاوي التشهير والعنف ضد بعض الكتًاب،، والأدلة على ذلك كثيرة، وقد يصعب حصرها في هذه المقالة..

كذلك نجد مقولات مشابهة عند الفرق الأخرى، ففساقهم خير من زهاد السنة والفرق الأخرى، وتجدهم يكفرون كبار الصحابة من أجل ترسيخ الكراهية للفرق الأخرى، وينعتون أهل السنة بالنواصب بأنهم لا يشتمون يزيد بن معاوية، ومتى كان السب والشتم من قيم الإسلام، وهذا أيضاً مثال صارخ على الفكر المؤدلج الذي يعمل من أجل تبرير هضم حقوق المخالفين لهم، وفي ذلك تسييس للدين من أجل مصالح شخصية.

كذلك عندما يؤكد علماء في الأزهر في ندوة لهم مؤخراً أن الوهابية فكرا وحركة تمثل العدو الأخطرعلى المسلمين والعالم، وأنها لا تقل سوءاً عن الكيان الصهيوني، لما تبثه من أفكار وسلوكيات تحض على العنف والإرهاب والكراهية وسهولة التكفير ضد كل من يخالفهم في الرأي، هو أيضاً فكر خطير ومنحاز ومؤدلج وضيق وتحريض فئوي ضد المخالف، وفيه احتكار للحقيقة ويؤدي إلى هضم للحقوق في المجتمع...

في أحيان كثيرة نقرأ لبعض المحسوبين على التيار الديني دعوات تهاجم الانحياز الغربي، الذي يتم التصريح به علناً في الغرب، ومثال ذلك ما يحدث من حماية لأيدولوجيا الوهم السامي المزعوم عندما وقع الرئيس الامريكي جورج بوش في 16-10-2004م قانون معاداة السامية كقانون ملزم لجميع إدارات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالاستمرار في دعم الجهود اللازمة لتقويض حركات العداء للسامية في أنحاء العالم...

أتفهم جيداً المواقف الإسلامية والمنافية لذلك لأن قانون حماية اليهود ينافي مبادئ العدالة الإنسانية، وينسجم مع الموقف من الأغيار حسب الشريعة اليهودية..، لكن وفي تناقض ظاهر نخالف ذلك داخل المجتمعات الإسلامية ونقر أفكاراً تنسجم مع فكرة الأغيار، عندما نردد مقولات تضع القردة والخنازير في منزلة أرفع من منزلة الإنسان التي كرمه بها الله عزَّ وجلَّ،..

ما سبق ذكره يؤثر سلباً في صناعة القانون، فالفكر المؤدلج يفرز الانحياز وغير منتج للعدالة، ودائما ما يقدم المسلمون دينهم على أنه دين العدالة والمساواة، لكنه قد يصبح مجرد بروباجندا إعلامية، إذا لم يصاحبها تطبيقات تضع الجميع تحت مظلة واحدة بغض النظر عن عرقهم أو فكرهم أو دينهم أو سلوكهم، ونحن حسب ذلك أولى في الالتزام بمبدأ القانون والمساواة اللذين يستمدان أحكامهما من أصل العدالة الإسلامي والإنساني..

 

بين الكلمات
أصحاب الأهواء ومنزلة القردة والخنازير..
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة