Monday  22/11/2010 Issue 13934

الأثنين 16 ذو الحجة 1431  العدد  13934

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

ازدواجيةُ السلوك واحدة من مثالب هذا العصر، وأبلغُ مثلٍ لها أن ينهَى المرءُ عن فعلِ شيءٍ معيب، ثم يأتي مثلَه في السِّر أو العَلَن، ناسياً أو مُتناسياً أو مُستهزِئاً بما نهى عنه أولَ مرة!

والازدواجيةُ لغةً تَعني اقترانَ شيءٍ بآخر، أمَّا اصطلاحاً، فللكلمة أكثر من مدلول. فهي عند الإداري أداءٌ متزامنٌ لمهمّتين متماثِلتين هَدَفاً وإجراءً، من لدن جهتين مختلفتين بُنْيةً وارتباطاً. وهي عند الأخلاقي اقترانُ شيءٍ بضدِّه، وبمدلول سلوكي أدقّ، تعني الازدواجيةُ أن يَنْهَى المرءُ عن قول أو فعل، ثم يأتي ضدَّه، كمَنْ ينهَى عن التدخين وهو داؤه، أو كَمَن يُوصي الناسَ باللِّين والرحمة وهو شديدُ الخصام!

والازدواجيةُ من منظُور آخر، ظاهرةٌ اجتماعيةٌ لا تختصُّ بها مجموعة من البشر دون أخرى، بل لا يكادُ يخلو منها مجتمعٌ في الأرض، لكن يجوزُ القولُ بأنَّها أكثر حُضُوراً في المجتمعات التي نالتْ نصيباً من التغيُّر الحضاري والثقافي، وخاصةً ما اتَّصل بأنماط السلوك كيْفاً ووسيلةً ومضموناً.

ما يعنيني في هذا السياق هو المدلولُ الأخلاقيُّ للظاهرة، حين تصبحُ (مضَلةً) للتضارب السلوكي بين الأقوال والأفعال، إذْ غالباً ما تُتَّخذُ سَبيلاً لتبرير بعض أنماط الانحراف، على مستوى الأفراد والمجتمعات، بل والدول أيضاً، فالكيانُ الصهيوني مثلاً، يُمارسُ ازدواجيةً فاضحةً في تعامله مع الشعب الفلسطيني، حين يُسمِّي الدفاعَ عن الكرامة شَغَباً وإرهاباً، في حين يخلعُ هو رداءَ الشرعية على ممَارسته هو ضدّ الأبْرياء: قَتْلاً وهدماً وتشريداً! بل إنه يُمارسُ ازدواجيةً فاشلةً ضدّ بعض المنتمين للدين اليهودي نفسه، فيصنِّفَه إلى أبيضَ وأسودَ، لينبذَ هذا ويصْطفيَ ذاك، في الوقت الذي يرفَعُ فيه رايةَ اليهُوديَّة العالمية، زاعِماً بأنَّها ملاذُ كلِّ يهودي، أينَما كان!

ونحن في هذا المجتمع بتْنا نُعاني ظاهرةَ ازدواجية السلوك، نتيجةَ تأثُّرنا ببعض إفرازات الطَّفرة المدنية والاقتصادية، نَشَأ في ظلِّها شيءٌ من التضارب في القِيم: أصيلِها وجديدِها، موروثها ومستوردها، فهناك من قد يأمر أبناءه بالصلاة وهو لا يصلي إلا لماماً، وينهى عن الغلو في الولائم، وهو أشدّ الناس فيها بَذْلاً، ويحضُّ رفاقَه على ارتياد مرافق السياحة الداخلية في المملكة تجنُّباً للشبهات، في الوقت الذي يصرُّ على (الهجرة) مرةً أو مرات كلَّ عام خارج الحدود باسم التجارة أو السياحة، أو كليهما!

والمرأةُ في بيتها تمارسُ الازدواجيةَ بأكثر من وسيلة، ولأكثر من غاية، فهي قد تنكرُ على بناتِ جنسها الإفراطَ في اقتناء الحُلي والأزياء تظاهراً، في الوقت الذي تمارس فيه شتَّى ضرُوب الضغط على وليِّها لبلوغ ما نَهتْ عنه، وحُجَّتُها في ذلك أنَّها تفعلُ ما تفعلُه اقتداءً بالغيْر ودرْءاً لازدرائه، وهي تحتقرُ جارتَها التي لا تُعْنيَ بنظَافة بيتِها وأطفالها، وتُنفقُ الوقتَ فيما لا ينْفَع، في حين تأتي هي ما تَفعلُه جارتُها، وهي أو زوجها أو كلاهما معاً ينتقدان بشدَّة إفراط الناس في استخدام الخَدم في الوقت الذي يعجُّ فيه منزلُهما بمختلف الألسُن والألوان!

تلك كانت بعضُ صور الازدواجية التي تشهدها أنماط من سلوكنا، يوماً بعد يوم، وحين أوردُها هنا، لا أزعم أنني أملك الحلَّ لدرء سلبياتها، لأن ازدواجيةَ المجتمع والأفراد ضِمْناً، من الأمور التي تجسِّدُ قدراً كبيراً من التعقيد الأخلاقي والثقافي أفرزته، جُزْءا الزخَّاتُ الحضارية التي تعرضنا لها استصحاباً لانفتاحنا على العالم الخارجي، لكنني أعتقد جازماً أن هذه مهمة فقهاء الدين وعلماء التربية والاجتماع في مؤسساتنا الدينية والعلمية ليتناولوها بحثاً وتحليلاً واستنتاجاً، وما ذلك على المؤمنين الصادقين بعسير!

 

الرئة الثالثة
ازدواجية
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة