Thursday  25/11/2010 Issue 13937

الخميس 19 ذو الحجة 1431  العدد  13937

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

تقريبا
الفن السخيف
ضياء يوسف

رجوع

 

قلنا إنّ الفنان بدون واجبه تجاه الإنسانية يقدم بالضرورة فناً منغلقاً آفلاً المستقبل. إذ الفنان وحين لا يحاول البحث عن الحق المطلق يفقد مادة الطاقة الحيوية لنزعة الفن الأصيلة للثورة والانطلاق.. وما عكس هذا إلاّ المؤقت الساعي للتلاؤم مع الزمن دون جدوى. كلما نمت النزعة المادية ضعف الجوهر الروحي. هذا لا يتعلق بمخرج العمل الفني.. بل بموضوعه. فإذا كان الفن هو الإنسان فإنّ عليه أن يتنوّع.. أن يأتي كثيراً متعدداً مختلفاً كاختلاف البشر. من ذلك قد يأتي الفن في قالب مهلهل مزعج للمتلقي ولا يتعلّق هذا بمضمونه إذ قد يحدث أن يكون هذا المضمون كثيفاً وحقيقياً وماثلاً للوعي بإدراك صادم. يقول تاركوفسكي: ( إنّ الفن السخيف يحمل في طياته مأساته الخاصة. يتطلّب حتى إثبات سخافة زمنه من الفنان سمواً روحياً محدداً. يخدم الفنان الحقيقي دائماً الخلود. ليس بمعنى تخليد نفسه بالطبع, وإنما تخليداً للعالم والإنسان في هذا الكون)، فإذا كان الإنسان في بعض أطواره مُهملاً وليس ذا قيمة.. بل وسخيفاً أيضاً.. فإنّ على الفن أن يتجلى.. أن يفكر.. أن يتفهّم ويغذي نفسه بالمواقف العاطفية تجاه هذا الإنسان بالذات ووجوده.

لا يوجد في الفن شيء حقيقي وقطعي بالنسبة للفنان أكثر من أن يعي الحياة وفنه, ليس كراوٍ ولا كشارح ولكن كشخصية قررت أن تشكِّل حقيقتها عن العالم, من خلاله, بأكثر ما يسمح به الصدق من أجل الإنسان. إنّ الفن وهو يتخلّص من خاصية لغته الشكلية.. يكون وسيلته للتقارب بالحد الأعلى من الاندماج بإحساس العالم. وإن كان هذا يبدو شكلاً سخيفاً للبعض، فإنه وفي أحيان كثيرة يظهر كإمكانية طبيعية ووحيدة للفنان المندمج.. فكلما ازداد الفنان اتصالاً بطاقة الفن، كان أكثر تواصلاً بالحياة بكل مظاهرها فقرها وغناها.. كثافتها وسطحيتها.. حين الكثافة والسطحية لا تتعلقان بمعالجة موضوع الفن, ذلك المقابل المثالي للبحث وللفلسفة ولنظرة إنسانية معمّقة للمعنى النسغي للحياة. الفنان ليس حراً إذا ما تعلق الأمر بتشكيل علاقة المفكر تجاه العالم المحيط. ليس حراً وجهوده موجّهة ليفهم الإنسان الآخر على أعلى مستوى من التعبير الثقافي. إنه مضطر للسعي نحو الإبداع في الشكل الأكثر ألفة. ومضطر لمواجهة إلحاح زاوية النظر الفريدة وغير المتكررة تجاه الواقع والتي تناديه من عمق صوت الإبداع. يقول تاركوفسكي في موضع آخر: ( الفنان ليس حراً أبداً, لا توجد جماعة من الناس تفتقر إلى الحرية أكثر من فئة الفنانين, الفنان مكبل بموهبته, بشعوره أنه مدعو للقيام بعمل ما).

التذوُّق أيضاً يعتمد على الحياة كثيراً.. ويصغي إليها بتركيز.. لذلك هو لا يحتاج إلى أغلال في هيئة أنواع فنية معينة. أو الاستعانة بعاطفة ما بعون من قوالب الأنواع الفنية. من ناحية أخرى فإنّ الموقف النظري للفعل الفني وحين يتحرك على أرضية التجارب الشكلية والنظريات المنطلقة من تلك الأرضية, فهو ولابد يؤسس لبعد آخر يتراكم بفعل الزمن وصولاً إلى الثقافة الأيدلوجية الاجتماعية. نراه عند كبار فناني العصر الحديث وبدلاً عن علم الجمال العام يغدو هذا التوجه بعد حين ذا معنى اجتماعي اتصالي وذا طاقة روحية غنية نستطيع الإشارة إليها بصفتها الحلقة الجوهرية للأفكار الحديثة في الفن المعاصر.

قد يبدو منجز الفن في بعض الأحيان سخيفاً خصوصاً حين لا يكون الفنان بسيطاً دائماً وواضحاً. فتظهر تعقيدات طبيعية في منجزه. ربما يصل هذا إلى عمق أفكاره حول العالم وأحياناً من الصعب الوصول إلى تفاهم سهل مع شكله النهائي. بيْد أن هذا لا يشير بالاتهام إلى الفهم بقدر ما يشير إلى الجهود التي يتطلّبها التذوُّق.

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة