Thursday  25/11/2010 Issue 13937

الخميس 19 ذو الحجة 1431  العدد  13937

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

مكتباتُ المثقفين:
(ارحموا عزيزَ قومٍ ذلّ)..! فيصل أكرم

 

رجوع

 

حين وجد التلميذُ كتبَ أستاذِه - عليه رحمة الله - معروضةً للبيع بخطه الأنيق وتعليقاته الممتلئة واستشهاداته التي كان يُبَطن بها الأغلفة ويهمّش بها الحواشي، وفيها شِعرٌ وأمثال واقتباسات، ولم تأذن الحال بشراء الجميع؛ فاختار بعضًا، وتحسر على بعضٍ، ولا يزالُ لديه جزءٌ مما ابتاعه منها، ولو عاد به الزمن لما ترك منها شيئا.

هكذا؛ دُفن الرجلُ ولحقه إرثُه، ومضيا: شخصًا ونصًا، ومضينا لشؤوننا دون أن ندرك كمَ الحسرة والخسارة التي يؤول إليها الميراثُ الإنساني بغيابٍ واقعٍ ومتوقع..)

تلك سطور مقتبسة مما كتبه أديبنا الأوفى دائماً د. إبراهيم التركي - مدير تحرير الجزيرة الثقافية - في زاويته الأسبوعية بصفحة الرأي (السبت 30-10-2010)، في مقالة عنوانها (ولات موعدُ كلام) تحدث فيها عن صدمته وبهجته - في آن!- حين رأى كتب أستاذة محمد سيد نصر (أحد أعلام الجغرافيا في زمانه) تباع (أمام الجامع الكبير في الديرة - ذات زمن مضى) فقال ما قال من كلماتٍ مؤثرة حول تلك الواقعة - الحالة؛ ف.. يا ترى: ماذا كان سيقول - صاحبنا - لو أنه رأى شيئاً مماثلاً لتلك الكتب ضمن (مكتبة منزله) دون أن يعلم من أين أتت..؟!

أقول: لأنني لا أزال منشغلاً بترتيب مكتبتي المنزلية بعد انتقالي من بيتٍ كنتُ أسكنه (وحدي) إلى منزلٍ أستقرّ به (عائلياً) فوجئتُ بأعداد غير قليلة من الكتب (الموقعة) من مؤلفيها - كإهداءات - إلى مثقفين آخرين، ولستُ أدري ما الذي أتى بها لتكون ضمن مواد مكتبتي المنزلية..؟!

ليس غريباً أن أرى كتاباً موقعاً من مؤلفه إلى شخص أعرفه صديقاً، أو أن أكون على معرفةٍ شخصية بالمؤلف، فأيّ من الحالتين تعني أن أحداً من الطرفين نسي كتابه عندي أو أعارني إياه فنسيتُ إعادته - مع أني لستُ من هواة استعارة الكتب - غير أنّ الشيء الأغرب والذي لم أجد له تفسيراً هو أن أجد كتاباً موقعاً من مؤلفةٍ لم أسمع بها من قبل إلى مثقفٍ كبير لم ألتق به شخصياً من قبل ولم يحدث بيننا أي اتصال حتى وفاته - رحمة الله عليه.. وأعني المفكّر الدكتور حسن ظاظا (1919 - 1999) أمّا الكتاب المهدى إليه بتوقيع خاص، ولا أدري كيف جاء إلى مكتبتي - لأنني كذلك لستُ من رواد مراكز بيع (الكتاب المستعمل).. فهو كتابٌ على درجة من الأهمية، عنوانه (محمد حسن عواد شاعراً) وقد جاء الإهداء بخط يد المؤلفة:

(إلى أستاذي الفاضل الدكتور حسن ظاظا

مع خالص الود والتقدير

تلميذتكم آمنة عقاد - 26-9-1407هـ)

وعلى الصفحة نفسها تصديرٌ مطبوع:

(قدمت هذه الدراسة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في قسم اللغة العربية - كلية الآداب - جامعة الملك سعود، أثناء العام الدراسي 1401 هـ وهي تنشر اليوم دون تعديل أو حذف أو إضافة، راجية أن يكون في نشرها فائدة لدارسي الأدب السعودي، والله الموفق؛ آمنة عبد الحميد عقاد)

الكتاب في جزء واحد من القطع الكبير (464 صفحة) وفي الحقيقة هو كتابٌ ضخمٌ بموضوعه وغنيّ بشموليته عن المرحلة التي برز فيها الشاعر محمد حسن عواد (1906 - 1980) والأجواء المحيطة بمولده ونشأته في الحجاز ومعاصرته ثلاث دول - أو ثلاثة عهود - في المنطقة (الدولة العثمانية، والحكم الهاشمي، ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) قبل توحيد المملكة العربية السعودية التي تغنى محتفياً بها وبموحدها - الملك عبد العزيز، رحمة الله عليه - في عدد من قصائده:

(.. هو ذا الحجاز عليه ملكك سامياً

يصل النجودَ بخرجها والعارض

وبحائل وقصيمها، وتهامةٍ

وعسيرها والشاطئ المتعارض

وحّدتها في الحكم ثم أعدتها

بالاسم واحدةً حذار تناقض

فإذا بمملكةٍ يحوط فناءها

ملكٌ يصون الأمن غير معارض..)

ولأن محمد حسن عواد - يرحمه الله - رمزٌ شعريّ وفكريّ له خصوصيته وتفرّده في الرعيل الأول من الأدباء السعوديين، فقد فرحتُ بوجود هذا الكتاب عنه ضمن بضعة آلاف من الكتب المكوّنة لمكتبتي المنزلية (الصغيرة!) التي داخت ودوّختني بتنقلها معي من بيتٍ إلى بيت.. فشكراً لهذه الدوْخة التي تكشف لي في كلّ (نقلةٍ) درراً من الكتب والمخطوطات الهامة التي - ربما - لم أقرأها حين وصول يدي إليها أول مرة، ربما لانشغالي بغيرها..

ومع أن الكتاب لم يحتو في متنه على هوامش وتعليقات بخط اليد - كما حال الكتب التي عثر عليها الدكتور إبراهيم التركي - إلاّ أن إهداء المؤلفة آمنة عقاد إلى الدكتور حسن ظاظا، وموضوع الكتاب (محمد حسن عواد) وشدّة الإتقان في توثيق المرحلة بكل شمولية وعناية بثبت المصادر والمراجع والإحالات والاقتباسات، ناهيك عن روعة الأسلوب الأدبيّ ورصانة اللغة والدقة المنهجية العلمية الوافية.. كلّ ذلك يجعل من هذا الكتاب الصادر عن دار المدني للطباعة والنشر بجدة عام 1985 بمثابة (كنز) وقع في يدي - دون وجه حق! - مما يجعلني أتساءل في حسرةٍ وتوجُّسٍ: كيف جاء الكتابُ إليّ؟ ولماذا لم يصل إلى المهدى إليه؟ وإن كان قد وصل إليه فكيف ولماذا تشتتت مكتبة الرجل بعد وفاته حتى وصل بعضها إلى مكتبتي دون أن أعرف كيف وصل؟؟

ختاماً: كأني بمكتبات المثقفين تقول لمن يحوز عليها بعد رحيلهم: (ارحموا عزيزَ قومٍ...)!

ffnff69@hotmail.com - الرياض
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة