Thursday  25/11/2010 Issue 13937

الخميس 19 ذو الحجة 1431  العدد  13937

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

في رثاء محمد بن إبراهيم الموسى
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري

رجوع

 

هو الموتُ لا يطرقُ الأبوابَ، ولا يمنعُ منه حُجَّاب، ولا يستأذنُ أحداً، ولا تعلمُ نفسٌ متى تموتُ، ولا في أيِّ أرضٍ تُقبض، فالموت خير واعظٍ، وإنما الدنيا دار ممر لا مقر، وكلُّ منْ على هذه البسيطة فان، قال تعالى: ?كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ?.

كما أنَّ الصحة لا تدومُ لإنسان قال كعب بن زهير رضي الله عنه:

كلُّ ابنُ أنثى وإنْ طالتْ سلامتُه

يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ

ولكنْ عندما يُفتقدُ عزيزٌ علينا فإنَّ الحزن لفراقه يخيِّم، وذكرى الأيَّام التي جمعتْ به تُستذكر، وأيضاً فإنَّ من الرجال رجالٌ نوادر، وفيهم من يُعدُّ بعدَّة رجال، ولا يفي لأحدهم مقالٌ يُكتبْ، وإنما هي كلمةٌ موجزةٌ في تأبين الرجل الفاضل الصالح والمربي الموفق محمد بن إبراهيم بن علي الموسى، الذي يعودُ نسبُه إلى آل مرشد من بني عمرو بن تميم منْ حوطة بني تميم، عاش طفولته يتيماً وحيداً، إذ ليس له من الإخوة إلا أخٌ منْ أمِّه، وهو إبراهيم آل راشد من آل حسين ومات - رحمه الله - في شبابه قبل أنْ يتزوج، وقد انتقل محمد بن إبراهيم الموسى - رحمه الله - من حوطة بني تميم إلى مدينة الرياض عندما كان عمره أربعة عشر عاماً، وبدأَ يعملُ في التجارة من الصفر، وكان يُرسل ما يحصل عليه في تجارته إلى والدته مريم آل شريم لأجل أنْ يتزوج، فلمَّا عزم على الزواج رحل إليها، وطلب منها ما اجتمع عندها منْ مال، قالت: يا ولدي كلناها ما عندي شي، ولقد كان واصلاً لوالدته وأقاربه وبني عمِّه، فكان يزورهم في الحوطة كلَّما سنحتْ له فرصة، كما عاش حياته التي تزيد عنْ سبعة عقودٍ مكافحاً صابراً عزيزَ النفس شهماً، ولقد كان أحد أعمدة (حارته) التي يسكن فيها، ومن القصص التي يحسن ذكرها أنَّ لدى أحد جيرانه سيارة تحتاج إلى إصلاح ولا يستطيع إصلاحها لفقره، فاشتراها منه لإصلاحها وإعادتها إليه، لئلا يشعر بأنَّه إنما أراد إصلاحها فحسبْ فتجرح مشاعره، فلمَّا أصلحها أعادها لجاره، فأعاد الجار قيمتها له، كما كان في الرياض (منصا) لرفاقته وهم - جماعته - القادمين من حوطة بني تميم إلى الرياض، ويقوم بواجب ضيافتهم، وذلك بعدما اشتهر في سوق بيع القماش، ومن القصص التي حدثني بها منْ أثق به بقوله: قدم أناسٌ منْ رفاقته منْ أهل الحوطة يريدون شراء مكينةٍ للمزرعة، وقد جمعوا ما لديهم منْ مالٍ فاشترى لهم تلك المكينة منْ ماله ولم يأخذ منهم شيئاً، وكانتْ قيمتها من ثمانية إلى عشرة آلاف ريال، في وقتٍ كان الريال يساوي أضعافه هذا الزمن، فشكروا له ذلك، ولا يزالون يذكرونها له، وهو - رحمه الله - منْ قلائل الرِّجال الذين نذروا أنفسهم في تربية أبنائهم التربية الصالحة، وقد حدثني أحد أبنائه أنَّه كان حريصاً عليهم في حال صغرهم، فكان يُشجِّعهم على التبكير في الحضور للصلاة، ومن يصلِّي منهم في الصف الأول يكافئه على ذلك، إلى أنْ ألفوا التبكير لها، كما كان يؤدب منْ يتأخر منهم عن الصلاة مع الجماعة عموماً وخصوصاً صلاة الفجر، فتربى أبناؤه على ذلك وشبُّوا عليه، ويحسنُ بي ذكر صفاته التي أعرفُها عنه، فأحسبُه أنَّه ذو أخلاقٍ فاضلةٍ نبيلةٍ, يشهدُ بذلك له جيرانُه وأقاربُه، ولا أعلم أحداً إلا ويذكرهُ بخيرٍ، فمنْ صفاته التواضعُ والكرم الجبلي، كما كان يحثُّ أبناءه على الكرم، ويقول لهم دائماً: إذا طرق الباب ضيفٌ يسأل عني وأنا غير متواجد قوموا بضيافته، ثم أخبروه أني غير موجود، وكان يفرح ويثني على من يمتثل منهم لذلك، فتربى أبناؤه على الكرم، ولقد نشأتْ بيني وبينه مودةٌ ومحبَّةٌ في الله تعالى، كنتُ لمستُ تلك المحبَّة من المجالس التي جمعتني به، فقد كان يُسدي النصيحة، ويُشيرُ عندما يستشارُ بما يراه مناسباً، ولقدْ أفدتُ منْ مجالسته ما كتب الله لي، إذ كنتُ أزوره بين الحين والحين في منزله أو في محلّه التجاري، وأرى منه الحفاوة والترحيب والكرم والبشاشة، ومما يحسن ذكره ذلك الكفاح والكدح الذي رأيتُه منه، فبالإضافة إلى عمله الوظيفي وبما لا يتعارض مع النظام، فقد افتتح محلاً تجاريَّاً يقضي فيه وقته من العصر إلى العشاء، ولقد رأيتُ منْ تسامحه في البيع ما جعلني أرجو أنْ تشمله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا اقتضى) ومعنى اقتضى أي طلب حقَّه، وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدخل الله الجنة رجلاً سهلاً، بائعاً ومشترياً) صحَّحهما الإمام الألباني في باب السماحة في البيع في صحيح ابن ماجه -، ومنْ نعم الله على عبده الذي يُحبُّه أنْ إذا أراد قبضَ روحه ابتلاه بمرضٍ يُكفِّر الله به عنْ خطاياه حتى لا يبقى عليه ولا خطيئة أو ليرفع درجته في الجنَّة ما كان سيبلغها إلا بذلك الابتلاء فيقبضُ روحه بعد ذلك، عنْ أنس ابن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (ما منْ مسلمٍ ابتلاه الله في جسده إلا كُتبَ له ما كان يعملُ في صحته ما كان مريضاً فإنْ عافاه -أراه قال- غسَله (وفي روايةٍ: وإنْ قبضه غفر له ، وإنْ شفاه غسَله) صحَّحه الإمام الألباني في باب يُكتب للمريض ما كان يعمل وهو صحيح في صحيح الأدب المفرد، وفي ليلة عيد الفطر لهذا العام أُصيب بأزمةٍ صحيَّةٍ أُدخل على إثرها في مستشفى الأمير سلمان، وفي صبيحة يوم العيد تمَّ نقله للعناية المركزة في مستشفى الحمَّادي، وأمضى عدَّة أيَّام ثم نُقل إلى غرفةٍ عاديةٍ، وبعد يومين قرَّر الأطباء إجراء عمليَّة قسطرة للقلب يوم الخميس السابع منْ شوَّال لهذا العام، ومات قبيل إجرائها في غرفة العمليَّات في الساعة الثامنة ليلة الجمعة، وغسَّله أبناؤه فوَّاز وعاصم وعبدالله، وطيَّبهُ ابنه موسى، وصُلِّيَ عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة الثامن منْ شوَّال لهذا العام، وذلك في جامع عتيقة بالرياض، ودُفن في مقبرة جنوب الرياض, وانزله في قبره ابنيه فواز وعاصم وأيضاً علي آل حسين، ولئن مات -رحمه الله- فلنْ يموت ما خلَّفه منْ ذكرٍ حسنٍ و أبناء نحسبهم والله حسيبهم صالحين منْ ثلاث زوجاتٍ، وهُنَّ أمُّ إبراهيم وأمُّ فهد وأمُّ عاصم، ولا ريب أنَّ في استعراض سيرته دروسٌ يعقلها ذوي العقول، ويفيدُ منها منْ تأمَّلها، أسألُ الله أنْ يغفرَ له وأنْ يسكنه الفردوس الأعلى في الجنَّة وأنْ يعفوَ عني وعنه برحمته وعفوه وكرمه سبحانه.

* خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير

Mashri22@gmail.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة