Saturday  27/11/2010 Issue 13939

السبت 21 ذو الحجة 1431  العدد  13939

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

           

عُرفت الحوكمة على أنها الحزمة من القوانين والأنظمة والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء، وذلك عبر اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف الشركة أو المؤسسة، بمعنى أنها تقتضي إيجاد النظم الحاكمة للعلاقات بين الأطراف الأساسية المؤثرة في الأداء، بما يشمل مقومات تقوية المؤسسة في الأجل الطويل، وتحديد على من تقع المسؤوليات كلٌ حسب مسؤوليته في تلك المؤسسة أو الشركة. تعارفت أدبيات الإشراف والرقابة والمتابعة على أن هذا المفهوم مرتبطٌ بالشركات والمؤسسات العاملة في القطاع الخاص، غير أنه ظهرتْ في الآونة الأخيرة مطالباتٍ بتطبيقه على مختلف الأجهزة الحكومية، مع التركيز على تلك الأجهزة الأقرب ارتباطاً في عملها ومهامها بالشأن العام والمجتمع، وتحديداً تلك التي يترتب على أي من نشاطاتها أو قراراتها أية أبعاد مادية إيجابيةً كانت أم سلبية؛ سواءً كانت فيما يتعلق بمستويات الدخل الحقيقي للأفراد (مستويات المعيشة)، أو القنوات الاستثمارية المتاحة، أو أي من المجالات التجارية وقطاعات الأعمال بصفةٍ عامّة.

إن من أهم ما يقتضيه الشروع في تأسيس العمل بمثل تلك الحزمة من القوانين والأنظمة والقرارات (وهي موجودة غالبها)، أن تتبلور وتتحدد في لائحة نظامية واحدة، ويتم تكليف جهاز حكومي محدد بتطبيقها وتنفيذها، وهذا الجهاز أيضاً موجود قد يكون ديوان المراقبة العامّة، وقد يكون من خلال إشراف وزارة الداخلية بالاعتماد على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي صدرت بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر برقم 43 في تاريخ 22 صفر 1428هـ. بالطبع فإن المبادرة باتخاذ مثل تلك الخطوة من شأنه أن يحد كثيراً من التجاوزات أو المخالفات التي قد تقع فيها بعض الأجهزة الحكومية، كما أنه سيكون أحد الدعائم الهيكلية التي ستفرض على كافّة الأجهزة الحكومية القيام بمهامها ومسؤولياتها بأعلى درجات الأداء، وفي نهاية الأمر ستؤدي نتائجه الإيجابية إلى رفع كفاءة الأداء الحكومي، وتحقيقاً أفضل لأهداف التنمية الشاملة والمستدامة المأمولة.

ولكن وبالنظر إلى واقع الحال اليوم؛ يُمكن مشاهدة الحراك النشط الذي يقوم به الشأن العام عبر مختلف وسائله المتوافرة، التي يأتي في مقدمتها الإعلام (المقروء، المشاهد)، على أنّه ممارسة جزئية (بالطبع هي غير ملزمة) لعمليات الحوكمة على الأجهزة الحكومية وأدائها، حالفها الحظ أحياناً، وأحياناً أخرى حالفها الفشل، وأعني هنا الممارسات الإعلامية ممثلةً بالدرجة الأولى في التقارير أو المقالات أو التحقيقات الصحفية أو حتى عبر البرامج التلفزيونية المتخصصة. أتّسمتْ تلك الممارسات الإعلامية بالفشل حينما حدث لها لعدّة أسباب؛ لعل من أهمها إمّا قصور في خبرة ومعرفة المشاركين فيها بحقيقة مهام ومسؤوليات الأجهزة الحكومية التي تناولوها بالدراسة والبحث، وإمّا لقصور في المعلومات اللازمة حول نشاط وأداء تلك الأجهزة، وفي كلا الحالتين فإن النتائج قد تكون وخيمة إلى درجاتٍ بعيدة! من أخطرها أن تتمادى بعض تلك الأجهزة الحكومية في قصورها، متخذةً من سوء فهم المعالجة الإعلامية لأدائها ذريعةً لها، وأن ما قامت وتقوم به يظلُّ هو الأفضل للصالح العام، وهنا تقع أم الكوارث –إذا صح التعبير- بأن تتحول الوسيلة المتوافرة الأكثر تأثيراً للإصلاح وتقويم الأداء إلى مغذٍّ رئيس لاستمرار القصور، وارتكاب الأخطاء وعدم معالجتها في الزمن المناسب، لتتفاقم سلبياتها التراكمية فيما بعد إلى درجةٍ قد تستعصي على الحلِ حتى خلال عقودٍ من الزمن. هذا عدا اللغطُ والتضارب والفوضى العارمة التي تتسبب في إحداثه لدى الرأي العام والمجتمع، بصورةٍ قد تؤدي إلى خلق إشكالاتٍ جديدة ومعقدة لا تخدم على الإطلاق الصالح العام للبلاد والعباد.

إنني بحكم انتمائي لفريق الإعلام؛ أوجّه الانتقاد إليه لكي يسدَّ تلك المنافذ الخطرة عليه، وحتى يكون مؤهلاً فعلياً للقيام بدور المراقب الناصح لأي من أجهزتنا الحكومية، وقبل أن (يُحوكم) أدائها فإن عليه قبلاً أو (يُحوكم) أساسيات آرائه وانتقاداته، ومختلف طروحاته سواءً كانت مع أو ضد أو بينهما تجاه أي قضية تتعلق بأداء أيٍّ من تلك الأجهزة الحكومية! وتشتدد لهجة الانتقاد هنا على الإعلام الاقتصادي تحديداً، الذي يأتي في المقدمة أهميةً ووزناً ضمن عموم فريق الإعلام المشار إليه أعلاه. لقد اُرتكبتْ الكثير من الأخطاء الفادحة جرّاء وجود مثل هذه الثغرة في صفوفِ الإعلام الاقتصادي، أتاحت الفرصة بكل أسف لبعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية –ولهم الحق في استغلال ذلك لمصلحتهم- للتندر أحياناً والاستهزاء أحياناً أخرى بما يتم طرحه إعلامياً من نقدٍ، أو معالجةٍ، أو مقترحاتٍ حول نشاطات ومهام الأجهزة التابعة لهم. حدث ذلك بصورةٍ أكثر تحديداً في سياق العديد من القضايا الاقتصادية والمالية، التي ترتبطُ في أغلبها بمهام ومسؤوليات أجهزة حكومية كوزارة المالية، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة العمل، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وهيئة السوق المالية، والهيئة العامّة للاستثمار. يأتي في مقدّمة تلك القضايا الاقتصادية والمالية التي أُثير حولها الكثير من الجدل؛ قضايا سوق المال بدءاً من الشركات المساهمة مروراً بتعاملات السوق وصولاً إلى الإدراجات الحديثة، والتضخم، والتلاعب في الأسعار، وقضايا التوظيف والبطالة، والفقر، وبيئة الاستثمار المحلية، وكيفية مناقشة ومعالجة مختلف السياسات المالية والنقدية والاستثمارية والتجارية، وتدفقات الاستثمار الأجنبي على الاقتصاد الوطني، والكثير من القضايا ذات العلاقة التي أُثيرتْ وتُثار من وقتٍ لآخر في آفاق الأثير الإعلامي المختلفة.

ليس أسوأ على المرء من أن ينطق أو يناقش عن جهلٍ في شأنٍ هو أفقر الحاضرين عنه علماً، فما بال بعضنا تراه يُفنّد القضايا والوقائع والتطورات على السطح الاقتصادي والمالي بحديثٍ يُثير الشفقة عليه أحياناً، وأحياناً أخرى يُثير السخرية والضحك عليه، وقد يصلُ بك الأمر إلى ما وراء الصدمةِ الكبرى أمام فواجع ما يتفوه به أو يكتبه هذا المرء! من أمثلة ذلك؛ أن تستمع إلى أحدهم يناشد هيئة السوق المالية بالتدخل العاجل لمعالجة التضخم (مسؤولية مؤسسة النقد)، أو تقرأ لآخر لا يُفرّق بين العجز في ميزان المدفوعات والعجز في الميزانية، أو آخر يخلط الحابل بالنابل في حديثه عن السياستين المالية والنقدية، أو آخر يحاسب مؤسسة النقد على عدم تدخلها في عمل البنوك لإرغامها على الإقراض (الإقراض مصدره ودائع العملاء وليس مؤسسة النقد)! فيما يتناسى أو يجهل أن يسألها لماذا لم تقم المؤسسة بالترخيص لبنوك وطنية جديدة كانت ستساهم في تخفيف وقّع الأزمة الحادّة التي نتجتْ عن إحجام (10) بنوك تجارية فقط عن إقراض احتياجات الاقتصاد رقم 20 على مستوى العالم؟! والكثير الكثير من الفوضى وعدم الفهم الذي حجب الاهتمام المستحق من الحكومة والرأي العام -بكل أسف- عن أراءٍ نيّرة ومتقنة الطرح، كانتْ ستساهم بكل تأكيد في إحداث تغييراتٍ مثمرة تصبُّ نتائجها الإيجابية في المصلحة العامّة! بل لقد طغى الرديء على الجيد من الأفكار والآراء الهادفة، حتى أصبحتْ عبارة (ما عندكم إلا الدجّة يا الإعلاميين) دارجة على لسان شريحة واسعة من المسوؤلين!! وعليه؛ فليعرف الإعلامي والكاتب والمحلل من أين تؤكل الكتف، وإلا فإن الصمت بكل تأكيد خيرٌ له ولنا وللمجتمع، وحتى لتلك الجهات الحكومية التي تُدرج تلك المقالات والتقارير في ملفاتٍ إعلامية خاصة، والله ولي التوفيق.

عضو جمعية الاقتصاد السعودية

me@abdulhamid.net
 

ماذا بعد
حوكمة القلم.. ثم حوكمة الأجهزة الحكومية
عبد الحميد العمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة