Monday  29/11/2010 Issue 13941

الأثنين 23 ذو الحجة 1431  العدد  13941

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

ما فائدة النقد إذا كان بلا نتيجة؟ ولماذا لا تعيره الجهات المنقودة الأهمية التي يستحقها؟ تتكرر هذه الشكوى منذ عدة أشهر، خاصة مع ارتفاع سقف التعبير والنقد في الإعلام السعودي.. فماذا نستفيد من النقد إذا كان بلا طائل؟

في اعتقادي أن سبب عدم تلقي هذا النقد لآذان صاغية من الجهات الرسمية أو غير الرسمية يعود جزئياً إلى طبيعة النقد الذي يُطرح لمواجهة الأخطاء والفساد، والذي يتمثل بأنَّه نقد توعوي وتنويري، وهذا في حد ذاته عظيم الفائدة، لكنَّه لا يجبر الجهة المنقودة بالرد، لأنَّ التهم أو الملاحظات عامة وغير محددة.. وهذا بطبيعة الحال لا يعني عدم تحمل الجهة المنقودة لموقفها السلبي.

إذن، المشكلة ليس فيما يقوله الإعلام بل فيما لم يقله وما لم يفعله إلا نادراً. وهي الكتابة الصحفية التقريرية الراصدة والكاشفة للخبايا أو الخبر الصحفي الدقيق وغير المسبوق (السبق الصحفي الفاضح)، التي تضطر الجهة المنقودة أن تتعامل معه بجدة أكبر. وهذا النوع يمثل العمود الفقري للعمل الصحفي، وهو ما يجعل الصحافة تستحق لقب «السلطة الرابعة».. لأنه يوجه أصابع الاتهام أو النقد لجهة محددة في قضية محددة في زمان ومكان محددين، ومن ثم فبالضرورة أن ترد عليها الجهة المنقودة أو المتهمة.

في النقد المطروح في إعلامنا بكافة أنواعه (المقروء والمرئي والمسموع وحتى الإنترنت) يمكن فرز نوعين سائدين من الطروحات التي تتناول قضايا الفساد أو الأخطاء، وأشهر مثال لذلك ما تم تناوله العام الماضي عن كارثة سيول جدة..

النوع الأول وهو السائد يمثل مقالات الإعلان عن وجود فساد، ومن ثم ذم هذا الفساد بدرجة أصبح كثيراً من الكتاب يتنافسون في الجرأة على حدَّة ألفاظ الهجاء المؤثرة في عواطف المتلقين، بمثلما يتنافس الشعراء العرب في قوة الذم أو المديح.. وتحولت المنافسة إلى لعبة في الصياغة والتعبير التي نتقنها نحن العرب وثقافتنا الشفوية.. فالأكثر تأثيراً في العواطف هو الحائز على البطولة والرضا الجماهيري..

وهذا النوع بحد ذاته ليس مشكلة، بل على العكس هو أمر إيجابي لتعزيز حق النقد والتعبير لفضح الفساد بصورة عامة. لكن أن تكون طريقة التناول هذه هي أكثر الطرق استخداماً، فذلك أمر به خلل، لأنها بالأساس تكتشف ما يعرفه أغلب الناس. بل أكثر من ذلك أن مجلس الوزراء سبق أن اعترف بوجود الفساد لدرجة استدعت إنشاء هيئة لمكافحته في القرار رقم 43 بتاريخ 1-2-1428هـ، ونشرت حيثيات ومبررات وأهداف ووسائل تطبيق هذا القرار لحماية النزاهة ومكافحة الفساد. وسبق أن دعا مجلس الشورى إلى الإسراع في تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باعتبارها الآلية النظامية لتفعيل تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد.

أما النوع الثاني من المقالات فهو مقالات الرأي خاصة التحليلية التي تحاول تحليل أسباب الفساد ومآلاته.. فمنها من تحاول تحليل ما قبل الفساد والأسس الاجتماعية والتربوية والثقافية والإدارية التي تهيئ البيئة المناسبة للفساد.. ومنها من تحاول طرح أساليب مكافحة الفساد، وطرق التعامل معه بعد حدوثه..الخ. ورغم أن هذا النوع أهم كثيراً من النوع الأول إلا أنه للأسف يشكل نسبة قليلة من المقالات.

وفي كل الأحوال فهذان النوعان من النقد مهما كانت إيجابيتهما، لا يوجهان أصابع الاتهام أو النقد لجهة محددة في قضية محددة في زمن محدد، ومن ثم ليس بالضرورة أن ترد عليها الجهة المنقودة. فالنقد الموجهة لمؤسسة ضخمة بحجم وزارة هو في الغالب غير محدد، إلا إذا تناول السياسة العامة لهذه المؤسسة. ومشابه لهذين النوعين ما يجري في المقابلات والحوارات ذات المكاشفة والشفافية التي تتم مع الخبراء والمختصين أو المسؤولين، حيث تتسم أغلبها بالعمومية ولوم جهات غير محددة أو لوم أساليب إدارية وأنماط اجتماعية عامة، تصب في الأخير في التنفيس وتطييب الخواطر..

أما النوع الذي نفتقر إليه، وهو العمل الصحفي التقريري الراصد والكاشف للخبايا، فهو ضئيل جداً.. فمن النادر أن تجد تقريراً أو خبراً أو مقالة تحدد بالأرقام والإحصائيات وتكشف معلومات جديدة مفاجئة ما تريد أن تصل إليه بدقة وتحديد.. مثلاً في قضية سيول جدة لم نجد كشفاً لمناقصة محددة المكان (الحيّ) والزمان والأشخاص وغير منفذة أو فاسدة..

ولا أقصد هنا الاتهامات المجانية التي تقع تحت طائلة جناية القذف، ولا كشف أسرار خاصة ليست من حق العموم، بل أعني الشفافية المسؤولة، فضمن ما ذكره قرار مجلس الوزراء المشار إليه في وسائل تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد كفالة حرية تداول المعلومات باعتبارها مبدأ أساسياً في طريق الشفافية والمكاشفة.. والتي أكدت أيضاً على عدم التمييز في التعامل مهما كان المركز الوظيفي والاجتماعي للشخص، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه..

وهنا لا عذر لنا في الزعم باستحالة الوصول إلى الملفات البيروقراطية والمناقصات والصفقات المختبئة دونما وجه حق وراء غبار الأرفف أو الأدراج المقفلة أو أن النظام لا يجيز هذا العمل. صحيح أن ثمة صعوبات جمة في هذا النوع من العمل الصحفي سواء من ناحية تحفظ الإدارة الإعلامية التي يعمل بها الصحفي أو في تعنت الجهة البيروقراطية التي يحاول الصحفي اختراقها، لكن الصحفي المحترف المجتهد يمكنه ذلك والنظام يكفل له هذا الحق.

لنضع هذا السؤال أمام أنفسنا: هل يستطيع مسؤول عن قطاع معين أن لا يرد على تقرير صحفي يكشف بالتفصيل عن عملية تلاعب في مناقصة محددة زماناً ومكاناً وأشخاصاً (مع الاحتفاظ بالأسماء الحقيقية لدواع قانونية) وربما بالصور، في قطاعه؟ الإجابة في أغلب الحالات: كلا! ولنعكس السؤال هل يستطيع هذا المسؤول أن لا يرد على اتهام عام فضفاض أو غير محدد للجهة المسؤول عنها.. طبعاً يستطيع!

التذمر من تجاهل الجهات المنقودة للنقد الموجهة إليها عليه أن يراجع طبيعة نقده، وأن يمارس نقد النقد. فالمشكلة هنا في النقد الذي تحول في كثير من الحالات إلى مجرد مقالات «فش خلق» وتنفيس سلبي إذا لم يصاحبه الطرق الأخرى في التناول النقدي، وبالتحديد النقد الذي يكتشف ما لم يُكتشف..

alhebib@yahoo.com
 

ما لم تقله الصحافة!
عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة