Wednesday  01/12/2010 Issue 13943

الاربعاء 25 ذو الحجة 1431  العدد  13943

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

أول خطوة إلى العلم هي إدراك حالة الجهل والاعتراف بها، وأبسط الوسائل للبقاء في عالم الجهل إنكار الدلائل والمقارنات التي تثبت وجوده. من أهم مكتسبات الإنسان من العلم إدراكه الصحيح لقدره وقدراته في المجتمع والعالم والكون كله وقيمته بناءً على إمكانياته ومهاراته في الكفة الإيجابية ونواقصه وعيوبه في الكفة السلبية. أظننا نتفق على أن الإنسان المستحق للتقدير والاحترام عن جدارة هو الذي يحترم نفسه ويحترم الآخرين فيقتنعون هكذا وبدون عنف وأوامر على احترامه وتقديره. هذا النوع من البشر يأخذ عادة حقوقه المستحقة بدون استجداء ويعطي الآخرين حقوقهم المستحقة بدون استعطاف أو رجاء، ولذلك مقاييس ودلالات يتعامل بها الناس مع بعضهم كل يوم، لكنها تختلف في المقادير من مجتمع لآخر.

إذاكثرت في مجتمع ما قضايا اضطهاد الطرف الأضعف وهضم حقوقه وتعنيفه والتحرش به وهدركرامته (المرأة والأطفال والخدم كأمثلة) بحيث تصبح هذه القضايا متداولة في المجالس وتتناقلها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية ويعاير بها الآخرون ذلك المجتمع فإن هذا يدل حتما على قبول التعايش مع غطرسة الجاهل على من قد يكون أعلم منه واستقواء اللئيم على من هو أكرم منه. إذا تقبل أي مجتمع دون تدخل تصحيحي فعال غطرسة الجاهل واستقواء اللئيم على الضعيف فلابد من الاعتقاد حينئذ بأن ذلك أصبح جزءا من صفات المجتمع الظرفية لأنه يسكت عنها بل ويوجد لها الأعذار والتبريرات.كذلك إذا تعايش أي مجتمع مع القبول بزواج طفلة المرحلة الابتدائية بمن هو أكبر منها بنصف قرن ولا يستطيع حك ظهره، وتعايش مع الاستهتار بآداب الشارع والسوق، واستطاع أن يصدق أن بين تلك الهياكل البشرية البائسة المستقدمة للخدمة المنزلية من أقاصي الأرض ساحرات ومشعوذات يتمتعن بقدرات خارقة مثل التفريق بين المرء وزوجه وتخريب البيوت، فإن ذلك يدل على تقبل مالا يستطيع القبول به أي مجتمع ذكي منظم وفاهم لشروط الحياة الكريمة. هل يجوز شرعا وعقلا وإحساسا تحميل تلك العمالة الفقيرة البائسة أعباء التفكك الأسري وانعدام التفاهم العائلي وأحياناً مشاكل المخدرات، هل يجوز الهروب الاجتماعي من مواجهة الحقائق تلك وتحميل نتائجها على ظهورأولئك البائسين زيادة على الفقر والغربة والكد المتواصل من مطلع الفجرحتى منتصف الليل.

ثم تأملوا فقط في المقابر التي ندفن فيها من استوفاهم الله من أحبابنا وأقاربنا وأسلافنا. إنها مجرد مستقطعات صحراوية تضرب الرياح في جنباتها وتنخفس قبورها سريعا ً بفعل عوامل الطقس والمناخ وتمرح الكلاب الضالة بين جدرانها المتهدمة. دعوكم من قوائم القبور وترقيمها وكتابة أسماء المتوفين عليها وترميمها من آن لآخر إذا درست فتلك أمور تحتاج إلى فتوى تسمح أو تمنع. لكن مالذي يمنع من إضافة بعض الشجيرات والحشائش والزهور وأشجار الظل هنا، وهناك في المقابر لتعطي بعض الاخضرار الذي يذكرنا برحمة الله وجناته الوارفة، بدلا من هجير الصحراء ووحشة البلاقع التي نستودع فيها موتانا ثم نهرب منها سراعا إلى ما كنا عليه. إنني عندما أشاهد المقابر المتواضعة لكن الجميلة والزهور من حولها والقبور المرشوشة بالمياه المنتشرة حتى في أفقر البلاد الإسلامية أكاد أحسد موتاهم على عناية أحبائهم بهم رغم الفقر والعوز وأتمنى لموتانا مقابر مثل مقابرهم. إذا جمعنا ذلك كله، أي تعاملنا مع من هم تحت وصايتنا وقوامتنا ومع العمالة المنزلية التي رمت بها أقدار الله عندنا ومع الشارع والرصيف والسوق ومع موتانا عندما نستودعهم الله في المقابر.. إذا جمعنا ذلك كله بحسابات المقدار والمحتوى الإنساني، ترى ماهو الناتج النهائي الذي نحصل عليه؟.





 

إلى الأمام
إذا جمعنا كل هذا ماذا نستنتج؟
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة