Friday  03/12/2010 Issue 13945

الجمعة 27 ذو الحجة 1431  العدد  13945

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

بعد أيام قلائل يبرز في الأفق، هلال هذا اليوم التي تبتدئ به السنة الجديدة، التي قال الله عن هلالها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (189) سورة البقرة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم أمته أدب استقبال الهلال من كل شهر بهذا الدعاء: (اللهم أهلَّه .....

....علينا بالأمن والأيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبّ وترضى، ربي وربك الله هلال خير ورشد).

فالأيام تتعاقب، والسنون تمضي عاماً بعد عام، وكل جديد يستشرفه الإنسان، ويتطلّع لما في أيامه، بالآمال والأماني، والقديم ينطوي مع غيابه، لأن المسلم لا يتشاءم، مما مر في أيامه، للنهي عن كل ما يمس العقيدة، وإنما يعجبه الفأل الحسن، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهي صفحات من حياة الإنسان، تنطوي بما فيها من خير قدّمه الإنسان لنفسه، أو شرّ اقترفته أعماله، وكل ذلك مرصود على كل فردٍ منّا، وشاهد لنا أو علينا، يقول سبحانه: ?وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا? (49) سورة الكهف. وما ذلك إلا أن كل فرد على وجه الأرض، في نظرته الخاصة، وآماله وأمانيه على نوعين: دنيوي محسوسة نتائجه بين نفعٍ وضرّ، ونموذج ذلك الطالب في دراسته، حيث برز اجتهاده بالنجاح والفوز وإهماله بالرسوب والخسارة، وأخري علمه عند الله.

وكل عام جديد، تكبر الآمال أو تصغر، بحسب التفكير والجهد لكل فرد وطموحه، وليس الأمر بالتمني والحسب، وإنما بالجد والعمل، فمن جدّ وجد.

وإذا كان الموظف يرنو للترقية، وتكبر آماله وهواجس نفسه، كلّ عام بأمنيات جديدة، وخواطر يحوكها في ذاكرة أيامه، فإن كان لم يتزوج، يتوجّد على الاستقرار، ويتمنى شريكة حياته، المناسبة، بصفات ترادف هذه أو تلك الأمنية، التي هي حتمية في سجل الغالبية العظمى، إذ لكل فرد مواصفات وهواجس، ولعل البعض لم يضع في حسبانه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الصفات التي رسمها عليه الصلاة والسلام المرغّبات في الزواج، وأزكاها قوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).

وهذا هو الجوهر الثمين، وبيت السعادة التي تأتي ثماره بالاستقرار والراحة ونجابة الأولاد وتعود مصلحته على الفرد والمجتمع بالنفع والفائدة.

ومثلما يتمنّى الشاب الأمنيات المتعددة مع العام الجديد، فإن الفتاة لها أمنياتها، لأنها تمثِّل النصف الآخر الذي به السّكن والمودّة وتكامل الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وبه عمار الكون، يقول سبحانه: ?وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ? (21) سورة الروم.

والرجل المستقر في أسرته، يتطلع في العام الجديد لثمرة مرضية في أولاده، لأنهم زينة الحياة وقرَّة عين الوالدين، فهم الشمعة المضيئة في جنبات المنزل إذا صلحوا، ودور الوالدين نحوهم: إكثار الضراعة والدعاء مع الله، بأن يكونوا مع العام الجديد صالحين في أنفسهم، ومصلحين لمن حولهم، محققين لما يؤمل منهم، حيث يرعاهم ويوجههم عشية وضحاها، رغبة فيما تبتهج به خواطر الوالدين، نمواً وعلماً، ومركزاً وسمعة، تملأ السمع والبصر، حيث أمر الله المؤمنين بصفات هي سعادة المؤمن، في بيته وأسرته فقد قال سبحانه: ?وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ? (74) سورة الفرقان.

فنظرة الأبوين في كل عام هي نظرة النمو مع تعاقب الأيام، يرعونهم صغاراً، ويبتهلون إلى الله مع تعاقب الأيام، بأن تكتمل عقولهم، مع نمو أجسامهم، ليسعد الوالدان بهم، لأنهم من نعم الله عليهما كما قال الشافعي رحمه الله:

نعم الإله على العباد كثيرة

وأجلهن نجابة الأولاد

ففي نظرة الأبوين لنمو أولادهما ورعايتهما لهم، وتطلّع النتائج المفرحة التي يجدِّدانها مع مطلع كل عام مع الله سبحانه دعاءً وابتهالاً، ومع الأولاد نصحاً وإرشاداً، وحسن تربية وتوجيه. ومثلما: أن الفلاح يشرئب نظره بعد أن اجتهد وبذر وأسقى وزرع، وجدّ كل يوم بنظرته ورعايته لما بذر فإنه يؤمل في هذا العام أن يرى في زراعته، ما يريحه من نتيجة ترضيه، ومحصول يحلّ مشكلة أثقلت كاهله، مثلما يترجى الآباء من أبنائهم، وألا يخيب الله سعيه، متفائلاً بهذا العام الجديد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن.

وهكذا البشر في تطلعهم في كل مكان، لمفاجآت العام الجديد، على اختلاف مشاربهم ولآمانيهم. ويمتاز عنهم المسلم المرتبط بخالقه في كل أمرٍ من حياته صبراً واحتساباً، حيث يؤجر بصبره، ويثاب باحتسابه، كما أخبر سبحانه عن النبييين بقوله الكريم: ?إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ? (104) سورة النساء.

فإذا كان بعض البشر قد مرت بهم في العام المنصرم منغّصات ومشكلات يبرز منها: تسلّط من القوي على الضعيف، وشحّ من الغني، بالدّفع من مال الله الذي أعطاه، لرأب صدع في حياة الفقير، وتسابق بين الأمم في التسلّح، وتكديس آلات الدمار والخراب، في استعراض للقوة، وتباهٍ بنوعيات، تتفوّق على ما عند الآخرين، أو هكذا يظن كل فريق، لإخافة النِّدّ، وكل منهما يخشى صاحبه ويحوك الحيل، لعلها ترفع من قدره، مع التوجّس والقلق.

ولعلّ مما برز على السّاحة هذا العام الجديد، علائم ممّا ظهر في العام المنصرم، في تنافس دولي - يرفع الله به أقواماً، ويضع آخرين - في ميادين أهمها المحور الاقتصادي، إذ كل طرف، يرغب علوّه على الطرف الآخر، بابتكارات جديدة، توهن من قوى ذلك الطرف، ووراء ذلك تضحيات تتعلق برؤوس الأموال واهتزاز المكانة للعملة عند الآخرين، والله سبحانه هو العالم بالنتائج وهو الحكيم الخبير.

إذ العلامات التي مرّت في العام المنصرم، واهتزت منها بنوك أفلس بعضها، فقد حمى الله بلادنا منها وفق السياسة الحكيمة، التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله نشر الله عليه ثوب الصحة والعافية. وأعاده الله بعد العلاج سليماً من كل شر.

ولئن كان كل فرد على وجه الأرض له أمنياته العاجلة والآجلة، لأن الله أنعم عليه: بالسمع والبصر والفؤاد للتمييز بين الأمرين النافع والضار، ويحكم ذلك القول المأثور، ما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو قبيح، والله يقول: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء? (28) سورة فاطر.

فإن نظرة الفرد المسلم في تطلعاته لكل عام جديد، يجب أن ينطلق هذا الغيب الذي علمه عند الله، من ركيزة دينه الحق وما يرغب فيه بحسن الظن بالله والدعاء، والترجي وتسليم الأمور له سبحانه، ومحاسبة النفس، مع معالجة الأمور بالاستخارة في كل أمر، لأن ?وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ? (216) سورة البقرة، والآية 232، وبحسن التوكل، وسفيان الثوري رحمه الله، وهو من كبار التابعين، يقول عن الأمور التي تعرض: هم رجال ونحن رجال، ولهم عقول ولنا عقول، وبيننا وبينهم كتاب الله، فما وافقه أخذنا به، أخذ هذا الحكم من دلالة الآية، ونتائجها، ?وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ? (179) سورة الأعراف.

ونحن في هذه البلاد، قد أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه، ومنّ علينا بولاة أمر يقيمون شرع الله، بدءاً بالملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي جدّد الله دولة الإسلام في الجزيرة به في دورها الثالث، وسار في تطبيق الحدود على منهج السلف، وعلى نهجه سار أبناؤه في رسم خطاه: كابراً بعد كابر، فأمنت البلاد بعد خوف، وقام المسلمون في ظل الأمن بأداء الحج والعمرة والزيارة، على أحسن حال وبخدمات تفوق التصور، وبمتابعة واهتمام مطبقاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، وتكاثروا عاماً بعد عام حتى زادوا هذا العام عن ثلاثة ملايين.

فحقق الله على يديه، ما يفوق الوصف مما أثلج صدور القاصدين بيت الله الحرام، علاوة على الأمن، والخدمات العديدة المقدمة، حيث عبروا بصدق الثناء والدعاء، وأحدث بعد التآخي والمودة بين أبناء الشعب، كما سعى بعد لراحة الحجاج والزوار، وتبعه أبناؤه تكميلاً وتجديداً، بأمور لمصلحة الوطن والمواطن، وللعلاقات الدولية، ولإثبات مكانة هذه الدولة التي قامت على أسس ثابتة بأمور تفوق الأمنيات منها:

- الاهتمام بالتعليم الذي بدأ بمدارس ابتدائية، تعد بالأصابع، وبعد سنوات محدودة كانت الجامعات والمعاهد العلمية والفنية، وتعليم المرأة تفوق في عددها دولاً ذات سمعة ومكانة في هذا الميدان، وهذا داخل في {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (11) سورة الضحى.

- أوفد أعداد كبيرة من الرجال والنساء لكبريات الجامعات العالمية، وتخرج منها أفواج ساهموا في النهضة العلمية في البلاد.

- أما المكانة الاقتصادية والسمعة الدولية، فقد وسع دائرتها بأعمال وجهود ومبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله أعاده الله للبلاد سليماً معافى.

- فتحقق بحمد الله من الأعمال مع الجهود المبذولة، ما يزيد على الأمنيات، إلا أننا نتمنى من كتابنا الاعتدال وعدم التقليد والإثارة، ومن الاعتدال أن يكون الكاتب عالماً فيما يكتب عنه، مدركاً للنتائج، وحريصاً على خصوصية البلاد وأهلها، إذ جاء في الحكمة: رب كلمة قالت لصاحبه دعني، لأن حب الظهور والشهرة، يقود إلى مساوئ، لا يرضاها الإنسان لنفسه لو خيّر.

 

العام الجديد 1432هـ
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة