Friday  03/12/2010 Issue 13945

الجمعة 27 ذو الحجة 1431  العدد  13945

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم
د. عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف

 

رجوع

 

أسلفت في حلقات ماضيه شيئاً مما يتصل بهذا الموضوع وحاجة الأمة دوماً إلى رجال صادقين فاعلين أمناء أتقياء نصحاء وضربت بعض الأمثلة لذلك مما يتصل بهذا الباب على حد قول القائل:

فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبّه بالرجال فلاح

هذا ولقد اعتاد البعض على النقد والتشهير حتى تعود البعض على هذا النهج وأصبح الكثير لا يكتب إلا في باب النقد والتجريح وقد يبالغ في هذا ويهول الأمر ويضع أحياناً الحق في قالب الباطل والعكس خاصة إذا كان صاحب حاجة أو يعيش مشكلة أو في نفسه شيء على هذا أو ذاك على قاعدة (إلا من عصمه الله وحماه)، (وإذا خاصم فجر) ومعلوم لدى العقلاء والنبلاء والفضلاء أن شكر المحسن والإشادة بأصحاب الشأن وفرسان الميدان أهل الحق والصدق والوفاء من محاسن الإسلام ومما يؤيده ويسنده ويشيد به هذا الدين القويم كما ورد في الصحيح (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) وورد أيضاً (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ..... ألخ ) ومعلوم وبجلاء لدى علماء التربية من المسلمين أثر الثواب والتشجيع في حياة الناس ومختلف الأعمار والمواقع والجادّ والمجتهد والصادق مع ربه ونفسه ومجتمعه أولى الناس بذلك وحتى قالوا (الثواب إيجابي والعقاب سلبي) عدا حدود الله أما الكذب والبهتان وتشويه الحقائق وتحميل الأمور ما لا تحتمل فشأن الصغار والأغرار وأصحاب البهت ونكران الجميل وغمط الحقوق وإخفاء كل جميل وتلمس المعايب والمثالب بل قد يلتمسون للبراء العيب وصدق شاعرنا حيث قال:

إن يسمعوا سبةً طاروا بها فرحاً

عني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا

أو كما قال الآخر:

شر الورى من بعيوب الناس مشتغلٌ

شبه الذباب يراعي موضع العلل

بل قد يقع هؤلاء في معنى قول الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

وما على العاقل والمنصف والمؤدب بأدب الإسلام ومن يحترم نفسه ودينه وخلقه عندما يقرأ مثل هذه الافتراءات والحماقات إلا أن يردد مع الشاعر الكبير قوله:

أقلوا اللوم لا أبا لأ بيكمو

عن القوم أو سدوا المكان الذي سدوا

وكما نرى ونسمع ونقرأ من مقالات غثة سمجة هوجاء عرجاء لا تسند إلى حقيقة ولا إلى واقع بل مجرد اللؤم والحقد وضعف العقل والدين ونقصان المروءة وضعف النفس المؤدي إلى السقوط والهبوط وإلا فالمسلم عزيز وكريم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} إن السفه والتطاول على الهيئات والأشخاص والسادة والقادة ومشاهير ورموز الأمة ما يضعف ويؤسف كيف لا ورموز الأمة أحياناً يكونوا موضعا للسب والسلب والتنقص بدون وجه حق وخاصة العلماء والنبلاء والفضلاء وأهل السبق والتفوق، ولن أستعرض في هذا المجال الضيق ما جاء من الوعيد الشديد في الغيبة والنميمة والإفك وقول الزور وشهادة الزور إن الدين المتين والخلق الكريم والتربية الصحيحة وقاية عظيمة للمجتمع من علله وأمراضه {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} وإن من أعظم ما عني به القرآن الكريم والسنة المطهرة المحافظة على الخلق الإسلامي النبيل وحمايته مما يتعرض له من شائعات وشائهات وأقاويل المتقولين كما شرع عقوبات قوية ورادعة في الدنيا والآخرة لمن تسوّل له نفسه النيل من كرامة وأعراض المؤمنين والمؤمنات الغافلين حتى لا يخدش الحياء والعفة والنزاهة والمروءة وحتى لا تنتهك الحرمات وحتى يصان اللسان فلا يتردى في إثم أو بهتان أو يقول أو يصف وصفاً مخالفاً للحقيقة والواقع إن تقولات الأفاكين وسفاهة المستهترين مرض عضال خاصة إذا وصل إلى الغافلين ومشاهير الأمة ورموزها وعلمائها والبعض يقع في هذا المحذور حقداً وحسداً وعناداً وهو يسمع قول شاعرنا الكبير:

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

لكن عزاء كل نبيل وكريم قول الآخر:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي بأني كاملُ

والمؤمن دوماً يستر وينصح وغيره يهتك ويعيّر، والمسلمون دوماً نَصَحَة وفي المثل العربي الأصيل (من باع عِرْضَهُ نَفَقَ)، أي من شاتم الناس شتم وهذا يصدقه الواقع وحال الناس في مختلف المواقع والثقات والعقول ولله درّ كعب بن زهير حيث قال:

أبيت ولا أهجو الصديق ومن يبِع

بعرض أبيه في المعاشر يُشتََمُ

إن بواعث الإفك والكذب والبهتان ومنشأها أغراض نفسية ومطامع دنيوية وحب للشهوات والشبهات وتفضيل مراد النفس على مراد الله وهذه الأشياء تمنع أصحابها من قول الحق والاعتراف بالفضل لأهله وإبطان السوء وكراهية الحق والصدق والتربص بالمؤمنين الدوائر وما أصدق قول العرب في هذا المعنى (إنما يعرف الفضل من الناس ذووه) وغالبا أهل هذا الشأن وهذا الصنف من الناس عشاق شهرة وعبيد مصالح ومطايا أناس غير صادقين ولا مصلحين لا يقصرون في امتطاء كل مركب ومن أجل هذا يمدحون أو يثنون أول النهار ويقدحون آخره فهم في تناقض مستمر يروقك بكلامه ويعجبك بخلابة لسانه ولكنه بخلاف ذلك وهو دوماً يحس بضعف وتهاوي شخصه وشخصيته ولذلك يتلوّن تلوّن الحرباء ويتقلب حسب الأحوال والظروف والأمة المسلمة خاصة بحاجة ماسة الى قواعد أخلاقية وافية كافية وشافية وأن النزعات الطائشة والتي تشرد بأصحابها عن سواء السبيل وتُزَيّن لهم فعل ما يعود عليهم وعلى أممهم بالضرر والخطر ويُسِفُّ بهم إلى منحدر سحيق، إن واجب الخطيب والكاتب والمتحدث وسواهم أن يكون ذا فكرٍ عميق وتلمس صادق للحقيقة واستشراف للمثل العليا ينشد الخير والصلاح والإصلاح ويجتهد في إنارة سواء السبيل وهذه هي فلسفة وروح الأخلاق الإسلامية الصحيحة ومقاييسها الضابطة لسلوك البشر وحب الخير للغير والسير على سننه القويم، إن الابتعاد عن الرذائل والتطهر من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة وجوهر هذا الدين القويم وغرس لمشاعر الحنان والرحمة وحسبنا في هذا قول أستاذ البشرية في حديثه الصحيح (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) البخاري ومن لم يُنَقّ قلبه ويصفي ليه فقد هوى وفي حديث (أتدرون من المفلس الخ....) بيان عظيم لجوهر هذا الدين في الضبط والربط والعلائق الحميدة ولن تصلح أمة ولا تربية مقصودة إلا اذ اعتمدت على الصدق والأمانة والإخلاص والاحترام المتبادل بين الناس والأسوة والقدوة الحسنة والمثل الجيد فالرجل السيء معلماً أوصاحباً أو محاوراً لا يترك في نفوس من حوله أثراً طيبا وقدوتنا لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ومن أخص شمائله أنه كان دائم البشر سهل الطبع ليّن الجانب ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عتّاب ولا مداح ولا يقدح يتغافل عما لا يريد ولله در القائل:

ليس لغبي بسيد في قومه

بل سيد القوم المتغابي

والأسوأ من ذلك كله نقد العلماء والفضلاء والنبلاء وأصحاب السبق والتفوق وخاصة من الأغرار والصغار حدثاء الأسنان سفهاء الأعلام

{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} وماذا يبقى للأمة إذا جعلت رموزها وعلماءها ومن شابت لحاهم في الإسلام والذود عنه محلاً للنقد والسخريةَ والتنقّص ممن لا خلاق لهم وممن يهرف بما لا يعرف وللحديث صلة إن شاء الله.

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة