Saturday  04/12/2010 Issue 13946

السبت 28 ذو الحجة 1431  العدد  13946

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

ها هي طفلتي الصغيرة تنظر إلى المرآة المستديرة، ترتب شعرها بحركة أخيرة بكلتا كفيها الصغيرين الناعمين، حملت حقيبتها وعلقتها على كتفها الأيمن وخرجت من غرفتها ذات الجدران الوردية، اقتربت منها نظرت إليها بحنو ودفء يقهر برودة الشتاء، طبعت على خدها قبلة وزدت من ترتيب شالها الصوفي الملتف حول رقبتها لإحكام وضعه وليزيدها دفئاً، ابتسمت لها ثم لوحت لها تلويحة الوداع وهي في طريقها إلى الباص الذي سيقلها إلى المدرسة، كم هي الحياة رائعة وجميلة وملونة بالمسرات حينما ينثر الأطفال فرحهم على همومنا اليومية وأتعابنا العملية، تذكرت ذلك وأنا أسترجع في ذاكرتي ذلك السوق الذي كل ما مررت به إلا ورأيت تلك الطفلة تغط في نوم عميق، لا تعبأ بنداءات الباعة ولا بهدير السيارات ولا بصخب المتسوقين، تجلس بقربها امرأة متلفعة بعباءة سوداء تمد يديها متضرعة لعل هناك من يلقي لها بشيء من المال، لم أر تلك الطفلة مستيقظة طوال مروري إلا مرة واحدة، كانت جالسة محنية الرأس مصفرة الوجه، بادٍ على محياها علامات الوهن والسقم والخمول، وبيدها قطعة من الخبز اليابس تقضمها ببطء شديد، حتى إذا ما اكتفت ألقت بجسمها النحيل على الأرض لتنام ثانية، الأطفال في مثل عمرها عادة لا يملون من الركض هنا وهناك فهم في حركة دائمة ومستمرة ونشاط مفرط، لكنهم يبقون أمام عيون أمهاتهم أو ذويهم ترصدهم أينما حلوا وارتحلوا، إلا طفلتنا تلك فهي في نوم دائم وسكون عجيب مثل جثة مسجاة على خرقة قماش بالٍ وعتيق، أتعلمون لماذا؟ إنها مدمنة حبوب مخدرة دون إرادتها ورغبتها، المرأة الملتفعة بالسواد هي المسؤولة عن ذلك لكي تبقيها هامدة مشلولة الأعصاب لا تقوى على الحركة، لكي تستجدي الناس بحالها وادعاءاتها المزيفة وكذبها الباهت.

إن مثل هذه المرأة كثيرون نجدهم على أبواب المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والأسواق والمطاعم وفي كل طريق يزدحم فيه الناس، لكننا لا نبالي ولا ندقق ولا نتفحص ولا نتبين، إنني من هذا المنظور أقترح أن تشكل لجنة عليا من علماء النفس والاجتماع والتربية وأهل الفكر لإيجاد مزيد من الإجراءات العملية والتربوية والبحوث والدراسات الجادة لتضمينها للمناهج الدراسية في المدارس والمعاهد والجامعات وفق موضوعات تقدس الطفولة وترتقي بها وتحميها بوصفها القيمة العليا للإنسان وبذرته، وتحتقر كل من يتعامل مع الطفولة بدونية ومرض وعلل نفسية ورغبات مادية كما لو كانت سلعة يتم تصديرها من بلد لآخر. إن الطفولة منظومة كبيرة من القيم السائدة لها مفردات كبيرة وكثيرة يجب أن يتحمل الجميع مسؤوليتها بكفاءة عالية وروح شفافة، إنهم مثل نبتة صغيرة تحتاج إلى الرعاية الخاصة بتوفير الأرض الخصبة والبيئة الملائمة وغيرها من الأمور التي تساعد النبتة على النمو المتوازن الصحيح، وأي خلل في العناصر سيؤدي إلى إلحاق الأذى في الأسس التكوينية لذات الطفل الإنسانية.

يجب علينا جميعا تحرير الأطفال من العذابات والذنوب والانفعالات، وأن نجعلهم قادرون على مواجهة الحياة بنفسية مؤهلة تأهيلاً نظيفاً خالياً من كل الشوائب والتعقيدات والأوبئة والأمراض والأجواء الدبقة، وأن نمنحهم حرية الخيال العلمي والإبداع الفكري، وألا نجعلهم يضيعون على أرصفة أحلامهم المقفلة، لكي لا يكرهوننا كما يكرهون حامل الإبر.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

اغتيال الطفولة!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة