Wednesday  08/12/2010 Issue 13950

الاربعاء 02 محرم 1432  العدد  13950

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أوقف أحد مراكز البيع الشهيرة بالخبر عمل النساء كمحاسبات أو كاشيرات، وألغى أيضاً تدريب مجموعة أخرى من الفتيات، وسبقه أيضاً إيقاف وإلغاء تدريب وتوظيف وإنهاء خدمات لمجموعة أخرى منهن في فروعه الأخرى بالمنطقة الغربية..

.. وتحديداً بالمدينة المنورة وجدة، وذلك بعد صدور فتوى بتحريم عمل المرأة في الأسواق التجارية، وقد سبقه في ذلك أيضاً أحد أشهر وأكبر المراكز التجارية في المملكة.

لست ضد الفتوى تلك، لكنني أتعجّب دوماً من محاولات الكثير التركيز على جزء دون الكل، أو لنقل على حالة واحدة في ظل وجود حالات كثيرة مشابهة. اليوم نشهد سجالاً واسع النطاق حول قيادة المرأة للسيارات، وإذا ما ذهبت لأحد طلبة العلم لسؤاله عن قيادة المرأة للسيارة فسيجيب بأنه لا يوجد ما يمنع من ذلك شرعاً، لكن قد يكون من مصلحة الأمة عدم جوازه سداً للذرائع التي ربما أفضت لحرام، بينما لم يذكر السائل أنّ نساء البادية يقدن السيارات ويذهبن بها إلى محطات الوقود وإلى الأسواق القريبة، لذلك تجد دوماً أنّ الفتوى تقتصر على حالة واحدة فقط، ويبدأ الناس بالتساؤل عن سبب منع نساء المدينة وصدور فتاوى بخصوص قيادتهن للسيارات، بينما نساء البادية لم يمنعهن أحد ولم يصدر بحقهن فتوى، بل لم يمر الشيخ فلان أو الشيخ علان بموضوع قيادتهن للسيارة.

اليوم يتصدّى الجميع لعمل المرأة كاشيرة أو محاسبة في الأسواق التجارية، منعاً للاختلاط أو لخلوة غير شرعية، أو لأسباب أخرى لم تُذكر، بينما الفتاة تعمل في مكان عام وأمام أعين الجميع وبدون وجود خلوات سواءً شرعية أو غير شرعية، ولا يخالطها في مكانها المخصص للوقوف والعمل رجال، فمن أين أتت الخلوة غير الشرعية أو الاختلاط؟ فضلاً عن حرص القائمين على تلك الأسواق بضرورة تقيُّد الفتاة بالزي الرسمي الذي يسترها من رأسها حتى أخمص قدميها.

الغريب في الأمر أنّ المتسوّق قد يخرج من السوق فيجد فتاة وقد افترشت الرصيف ببضاعتها وتجادل الزبائن من الرجال والنساء على حد سواء وربما كانت بمفردها، ما يتيح اقتراب أي رجل لها ومحادثتها عن قرب، أقول الغريب أن أحداً لم يُصدر فتوى بهؤلاء لأنه ببساطه لم يتم سؤال الشيخ أو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عنها، واكتفى من أراد السؤال بتوجيه انتباه ذلك الشيخ أو تلك اللجنة للبائعات داخل الأسواق التجارية فقط، دون الأخريات اللاتي يفترشن الأرصفة أو يعرضن بضاعتهن بين السيارات، ولأنّ تلك البائعات اللاتي يفترشن الأماكن العامة لا يعملن تحت مظلة مؤسسة أو جهاز ما يصعب منعهن أو ملاحقتهن، إلاّ من خلال دوريات البلدية التي تجوب شوارع المدن الرئيسة بحثاً عن مخالفات تجارية.

الموضوع له بعدان، البعد الأول وهو محاولة البعض إصدار فتوى باتجاه ما يرغبون، دون النظر لحيثيات الموضوع بشكل كامل، فيسوق الأمر ويشرحه للجنة بطريقة توحي بأنّ الأمر يجب أن يُمنع كأن يُطرح السؤال بذكر سلبياته فقط دون إيجابياته ( ما هو رأي فضيلتكم في عمل المرأة كبائعة أو ما يُسمّى كاشيرة في الأسواق التجارية التي يدخلها الرجال وقيامها بأخذ الأجر من الرجل والتحدث معه عن قرب فضلاً عن تركها منزلها والخروج للعمل؟) وهذا أمر في غاية الخطورة ولا يملك معه مُصدر الفتوى سوى منعها، لأنّ السائل قد قدم له أسباباً جاهزة للمنع، ولم يذكر له إيجابيات العمل ولا ظروفه ولا طبيعته، ثم إنه لم يذكر له أن هناك المئات من النساء يعملن في ذات المكان لكن خارج السوق بجانب الباب يبعن بشكل منفرد من سنوات لم يتم إصدار فتوى بحقهن، من أولئك النساء من قد تركت منزلها للحاجة المالية وعرضت نفسها لأنواع المهانة وتحمّلت مشقة المكوث طويلاً سواءً تحت حرقة الشمس نهاراً أو البرد ليلاً، فضلاً عن تركها أسرتها وما قد يترتب على ذلك من إهمال في تربية الأبناء والبنات على حد سواء، والبعد الثاني يكمن في إعالة هؤلاء الفتيات لأسرهن وحاجتهن للعمل، وأنّ خروجهن للعمل حقيقةً درءٌ لمفاسد كثيرة نتيجة حاجتهن للمال، وأن مكوثهن في بيوتهن مع الحاجة المالية ربما كان فتحاً للذرائع وليس سداً، الأمر الذي قد يُفضي لمفاسد عدّة كما أسلفت.

إجابة أي سؤال احتمالي تكون بموجب صياغته ما لم تكن المعطيات واضحة ولا تحتاج لاجتهاد، وإصدار الفتوى بموجب السؤال أيضاً تكون بناءً على صياغته ما لم يكن الأمر واضحاً ولا يحتاج لاجتهاد، لذلك كنت أتمنى أن يتم انتداب من يُوثق به لمشاهدة الأمر على الواقع ومراقبته لمدة معيّنة حتى تتضح الصورة بشكل كامل لمصُدر الفتوى، لا أن تُبنى الفتوى فقط على السؤال والجواب والظن، فأحياناً إباحة أمر يُظن أنه فتحٌ للذرائع يكون درءاً لمفاسد أعظم، فإذا كانت المصلحة أعظم من المفسدة فتحتمل المفسدة لتحصل المصلحة، مثل تحمُّل مشاق الجهاد وما فيه من سفك الدماء وذهاب الأموال لمصلحة حفظ الدين، ومثل تحمُّل مفسدة بقاء المنافق ابن أبي لتحصيل مصلحة نشر الإسلام.

وعلى هذا فالقاعدة المشهورة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) قاعدة أغلبية لا كلية، والمعيار لذلك هو مقاصد التشريع، فإن كانت المصلحة لحفظ ضروري والمفسدة لإهدار حاجي قدمت المصلحة، وكذلك رتب كل نوع من المقاصد تتفاوت فيما بينها، والتأكد من الفعل أمر لابد منه، فالتحقُّق من أنّ المراد شرعاً هو الواقع مع وجود الدليل والإثبات.

إلى لقاء قادم إن كتب الله.

 

عمل الكاشيرات بين مخالطة الرجال والخلوة الشرعية
د. عبد الله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة