Saturday  11/12/2010 Issue 13953

السبت 05 محرم 1432  العدد  13953

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كثيراً ما يلفت انتباهي ذلك الموقف الاجتماعي المتساهل من سرقة الأموال والممتلكات العامة، وقد وصل تبرير بعضهم لسرقة المال العام على أنها فعل شائع، أو أنها في حكم المال السائب، أو أن يعتقد السارق أنه له حق في المال العام. ويزيد من شعبية هذه التبريرات انتشار شائعات سرقات الأراضي والمناقصات وغيرها. وفي جانب آخر كنتُ دائماً ما أتساءل عن علاقة ذلك باحترام العربي القديم لثقافة الغزو وسرقة أموال الآخرين وأغنامهم وإبلهم، فقد وصل حد الاحترام للسرقة إلى أن أطلقوا اسم «سراقة» على أبنائهم..

نحتاج الوقوف كثيراً أمام الرأي الفقهي في سرقة المال العام، فقد استدل جمهور العلماء على سقوط حد السرقة (القطع) وذلك لأن السارق من المال العام، وذلك لأن سرقة المال العام فيها شبهة تدرأ الحد عنه، لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، والشبهة أن المال في بيت المال مِلكٌ للناس، وإذا كان السارق واحداً منهم، فيكون له حق، وجود هذا الحق يدرأ الشبهة! وربما يفسر ذلك عدم احترام الملكية العامة!..

لفت نظري مؤخراً بعض الدراسات الفقهية التي تناولت الموقف من سرقة السيارات والتي ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وهل يكون فيها حكم حد السرقة أم أنها تدخل في سرقة ما هو خارج الحرز، وحد السرقة عند الفقهاء في ما أخذ من حرز؛ فالسارق هو الذي يكسر الحرز ويأخذ ما في داخله، والحرز هو الموضع الحصين، وكانت الخلاصة الفقهية أن بعض الفقهاء المعاصرين قاس سرقة السيارات بسرقة الإبل، وفي مضمون ذلك القياس، خرج سارق السيارة من حد قطع اليد، وتركت مدة حكم سجنه حسب تقدير القاضي..

لم يستطع الفقه الإسلامي المعاصر تجاوز أحكام المذاهب الفقهية في القرون الأولى، إذ كثيراً ما يواجه الصعوبات في قياس الأحكام الفقهية إذا ما واجهته جريمة جديدة، وعادة يلجأ الفقهاء إما إلى قاعدة (الأحوط) أي الأكثر حرمة، أو إلى (درء الشبهة) من أجل الخروج من تطبيق الحد الإسلامي، وإذا كانوا غير قادرين على إصدار أحكام فقهية محددة في قضية سرقة السيارات، فإنني أكاد أجزم أنهم لا يملكون جواباً في الحكم الفقهي في سرقات براءات الاختراع والسرقات العلمية وجرائم الإنترنت، وحقوق حفظ النشر وغيرها، وقبل ذلك في أحكام سرقة الأموال العامة، وهل تدخل في حكم سرقة الحرز أم أنها خارج دائرة القياس الفقهي أو في حكم المال السائب..

نحن أمام تحد حقيقي وهو جمود الفقه في مواجهة جرائم العصر والمخالفات القانونية والمالية المتجددة، فالسرقة تجاوزت كثيراً مفهوم الحرز، وتطورت لتشمل وسائل أكثر تعقيداً من رجل يكسر خزانة ثم يسرق ما فيها، والجرائم تتغير بتطور الإنسان وأدواته ومعاملاته وتقنياته، وقد دخل قاموس الجريمة في بلاد المسلمين جرائم جديدة مثل التحرش الجنسي وإيذاء النساء وتعذيب الأطفال وجرائم الأسواق المالية، وتعطي حالة الجمود الحالية مساحة أكبر للمتلاعبين، وخصوصاً عندما يُترك تقدير الحكم للقاضي، والذي قد يحكم على سبيل المثال في قضية اغتصاب امرأة بسجن يتراوح من سنة إلى ثلاث سنين، في حين يحكم على آخر في قضية تحرش بامرأة بـ 12 سنة، ويدخل في ذلك أيضاً عدم وجود لقضايا التعويض المادي للمتضررين معنوياً..

يعتبر تطبيق قانون ساهر للمخالفات المرورية دليلاً حياً على غياب التوثيق القانوني للمخالفات، ثم نشرها في دورية فيها تفصيل لأنواع المخالفات وأحكامها، على أن يتم منح فترة زمنية للاعتراض قبل دفع الغرامة، وأن تكون لها محاكم فرعية تعطي الطرف الآخر فرصة لسماع اعتراضه على المخالفة..

وعن كيف نخرج من هذه الأزمة المزمنة، علينا أن نفكر جيداً في مسألة تطوير الفقه وإدخاله إلى منظومة القانون المكتوب، وأن نفتح الباب أمام الأشخاص المؤهلين من مختلف فئات المجتمع في مهمة تقنين التشريعات، على أن يتم إصدار مرجعية دورية جنائية وقانونية لتعريف وتحديد أنواع الجرائم، وما يستجد من الجرائم والمخالفات ودرجات أحكامها وعقوباتها، وأن تكون في متناول المحامين والمواطنين..

 

بين الكلمات
في فقه السرقة وما يستجد من جرائم..
د. عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة