Wednesday  15/12/2010 Issue 13957

الاربعاء 09 محرم 1432  العدد  13957

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

 

بيع الأوهام... وتسويق التفاهة!
د. عبدالله البريدي

رجوع

 

لا تعمل ولا تكد ولا تطور ذاتك بالعلم ولا بالمهارات ولا بالقدرات ولا بالخبرات... ولا... ولا...، فكل ما عليك لكي تؤمّن مستقبلك ومستقبل عائلتك أن ترسل رسالة جوال إلى إحدى تلك القنوات الإعلامية التي برعت في صناعة (بيع الأوهام) و(تسويق التفاهة)،

حيث ُيوهمون بعض الناس بأن (المستقبل) كامن في تلك الرسائل التي يمخرون بها جيوب أولئك البسطاء من الناس ويحصلون من خلالها على الملايين ويهبون الفتات منها لهم في بعض المناسبات الإعلامية وبشكل لا يخلو من (المنة) في كثير من الأحيان، وفيما سبق أشرت إلى مجرد مثال واحد من تلك القنوات والبرامج؛ فأساليبهم متعددة ومراوغة. وأنا هنا لن أذكر قنوات بعينها، من أجل ضمان (مستقبل) هذه المقالة!

كيف ُيراد منا بناء قيم العمل ومهارات خوص معركة الحياة بشرف وصدق والإسهام فيها بتفانٍ، وتلك القنوات تعمل صباح مساء في تسويق تلك الأوهام وتعليبها بصور شتى وتقديمها لبناتنا وأبنائنا، بل ولبعض الكبار أيضاً؟ كيف ُينتظر منا أن نبني (مجتمع المعرفة) القائم على التفكير السليم والحقائق والمنهجية العملية وخلق المعرفة وإعادة تصنيعها ونقلها وخزنها وتلك القنوات تدفع بعض الناس ليكفروا بكل ذلك ويؤمنوا ب (تفكير شبيك لبيك) وأسطورة (التفكير الرغبوي)؟ كيف ُيتوقع منا أن نفلح في نحت قيم الجدية والإنتاجية في حياتنا وتلك القنوات تصوّر للناس أن الرابح هو فقط من يكون معهم في ذلك المسلك العبثي الغثائي في (معركة المقامرة - أو القمبلنج)؟ وكيف نصنع القيم الرفيعة الأخرى ونحن نشاهد (تلفزيون الواقع) في بعض تلك القنوات وهو ينقل لنا مشاهد لبعض السطحيين أو حتى التافهين، الذين ينشغلون لعدة أيام - على سبيل المثال - في قرار استبقاء أو عدم استبقاء (كلبة) في بيتهم، فيكثر الجدل ويحتدم النقاش بينهما وكأنهما ُمقدمان على مشروع ضخم أو تقديم حاجة إنسانية لمجتمعهما، مثلاً؟ وصرنا نمنح الشهرة لكل من هب ودب، وأضحت الشهرة هدفاً بحد ذاتها وبطريقة ممجوجة، لدرجة أن تلك البرامج باتت تسوق لنفسها ب (احصل على الشهرة)، مقابل أي شيء؟ مقابل التفاهة؟ مع ملاحظة أنني سمحت لنفسي أن أرى بعض المشاهد في بعض تلك البرامج التعيسة لكي أكون قادراً على الكتابة عن شيء رأيته فعلاً، شيءٍ سكب في حلقي مرارة قاتلة؛ صنّعت حبر هذا المقال... هكذا انتهت الأمور الجادة وتبخرت الأفكار كي نعكس للناس مثل ذلك القدر الباذخ من الأوهام والتفاهة؟

الجواب، قطعاً لا، بدليل وجود قنوات وبرامج إعلامية تفلح في غرس كثير من القيم الرفيعة، ولقد سرني أن بعضها - مؤخراً - راح يرسم للشباب العربي طريقاً يتلمس فيه خطى العلماء الكبار في العلوم البحتة، مؤكداً على أن النجوم هم (نجوم العلوم)، وفي ذلك إيحاء كبير للشباب وللأطفال بأهمية العلم والعلماء وغرس للاتجاهات الإيجابية نحو التفكير والعمل... حدث ذات يوم أنني شاهدت واحداً من تلك البرامج الراقية فقررت أن أتابعه ما استطعت ووجدت أن ابني دون تشجيع مني يحرص هو الآخر عليه كثيراً، وثبت لي كيف غرس ذلك البرنامج الذكي لديه العديد من الأسئلة العميقة ذات الطابع الفلسفي (فلسفة العلوم) والمعلوماتي أيضاً، وأخذنا في جولات من النقاش المعمق، وقلت له ذات مرة: ألا تلاحظ كم هو الفارق كبير بين ذلك البرنامج الراقي وبرنامج (.....)، الذي يدفع الناس والشباب والشابات بل حتى الأطفال إلى تمجيد القبيلة والفئة الاجتماعية والتفاخر بها بشكل مرضي وبطريقة تخرج عن العقلانية والمستويات التي يمكن أن ُتقبل أو (تبلع)؟، وقد وجدنا أن بعض تلك البرامج ُيسهم في إذكاء روح التعصب والعنصرية بما يهدد نسيج المجتمع على المستويات الوطنية والقومية.

والآن، ماذا يمكننا أن نفعل تجاه تلك القنوات التي تقف أمام النهضة الحقيقية بمثل تلك البرامج البائسة التي تبيع الأوهام وتسوق للتفاهة؟ أعتقد أنه يسعنا الكثير، ولعل منها ممارسة العمل النقدي والتوعوي، على أن نمنح هوامش كافية من الحرية في الكتابة والنقد والمعالجة.

ويدخل في دائرة المطلوب منا قيام بعض الباحثين والمتخصصين بدراسة تلك الظواهر بمنهجية علمية والخلوص إلى نتائج دقيقة وتدوين توصيات عملية. كما أنه يتعين علينا أن نذكر أنفسنا ببعض الحقائق الأساسية في سياق (الهندسة الاجتماعية) لمجتمعاتنا العربية، ولعل منها التأكيد على أن: (الذكاء حق طبيعي لكل فرد)، وما بين القوسين السابقين هو كتاب وشعار رفعه وطبقه (لويس ألبرتو أتشادو)، وهو أول وزير للذكاء في العالم، وكان ذلك في فنزويلا عام 1978م، وقد كان محامياً ثم تحول إلى الفلسفة والشعر والسياسة... ُترى هل نؤمن بذلك الشعار الإنساني؟ أم أن الذكاء ُيستبقى لأبناء (الذوات) فقط وُيدخر الغباء للبقية؟ يا لها من عقوبة بشعة حين تدمغني بغباء دائم أو مزمن!

ملاحظة ختامية: القنوات والبرامج التي توهمنا بأن مستقبلنا يكمن في رسالة جوال وممارسة (تفكير شبيك لبيك) هي ضمن أطراف عديدة تدمغنا بغباء دائم أو مزمن!

وأخيراً، لتسأل هذه القنوات نفسها: ُترى ما هي المنتجات التي يندفع بعض الشباب والشابات لشرائها بعد رؤية تلك البرامج التافهة؟ ومن يصنعها؟ ومن زاوية أخرى تحتاج إلى تأمل كاف، أتساءل: لماذا ُيعولم (الجمال النسوي) و(الجمال الرجالي) في تلك البرامج، لدرجة بتنا معها مدعوون لسحق جماليتنا العربية وتلوينها، بل طمسها؟ (مقاييس عالمية للجمال.. عفواً للتفاهة!).

beraidi2@yahoo.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة