Thursday  16/12/2010 Issue 13958

الخميس 10 محرم 1432  العدد  13958

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

إنها تعهدات تثلج الصدر وتسر الفؤاد، فقد تعهد السيد متقي وزير خارجية إيران في لقاء عقد في دولة الإمارات العربية المتحدة أن لا تهاجم بلاده أية دولة إسلامية. للأسف، يبقى بعد هذا التعهد المفرح أمران:

- أن يكون السيد متقي قد قال ما قاله باسم دولته وليس باسمه الشخصي، ليكون موقفه ملزما لدولة عبرت مرات كثيرة عن اختلافها في الرأي معه حول

الموقف من العالم الإسلامي عامة، والخليجي خاصة.

- أن يقنع السيد متقي بعض إخوانه في القيادة بما قاله، خاصة منهم من يطلقون يوميا تهديدات مرعبة حول ما سيحل من كوارث بجيران إيران، إذا هم لم يدافعوا عنها ضد الامبريالية والصهيونية، أو سمحوا بعدوان إمبريالي - صهيوني عليها !!.

كما يبقي أيضا أن يقنع السيد متقي نفسه بأقواله، ولا يكرر سوابق محزنة قال فيها إن بلاده لا تتدخل في شؤون جيرانها، بينما كان يمارس في تلك الأوقات بالذات تدخلا فاضحا جدا في أخص شؤونها الداخلية. كمثال على ذلك، أذكر السيد متقي بحديثه عن معارضة إيران أي تدخل يأتي من أية جهة في القتال الذي كان دائرا في اليمن بين جماعة الحوثي والحكومة، مع إضافة طريفة تنم عن حياد إيراني مطلق، هي أن طهران مستعدة للتوسط بين المتحاربين. هكذا، بسحبة لسان واحدة، صار ممنوعا على العرب التدخل، ومسموحا بحل النزاع ووقف الحرب عن طريق إيران وحدها، بينما كانت حكومة اليمن تؤكد جازمة أن الوسيط الكريم هو الذي مول الحرب وسلح المقاتلين ضد الدولة!.

لا أريد التوقف أكثر من ذلك عند متقي، فالرجل غير جدي كما يبدو، أو أنه - كي لا أظلمه - يمثل جهة مغلوبة على أمرها في النظام، والحق، لقد تواترت شائعات كثيرة دامت أشهرا قالت إنه على وشك أن يستقيل أو يقال، وأن الرئيس نجاد عين مكاتب متنوعة أحدها للسياسة الخارجية، التي يديرها السيد متقي، لذلك قال بصراحة في واحدة من خطبه إن سياسة متقي لا تشبه نظام إيران الثورية. ومن يدري، ربما كان متقي الآن رجلا بلا عمل، لولا تدخل المرشد لمنع نجاد من التخلص منه!.

ما علينا، فالرجل قد يواجه حرجاً شديداً إن ذكره أحد ما في مرة قادمة بتصريحات أهل النظام، أولئك الذين ينتسبون إلى حلقة السلطة الحقيقية، النازلة من عند الولي الفقيه نحو رئيس الجمهورية ودائرته، وصولاً إلى قادة الحرس الثوري في الجيش والمخابرات، الذين يطلقون عشرين تصريحاً كل يوم ضد جيرانهم الأقربين، ويعلنون بلا مواربة أنهم أمموا الخليج، وسيفعلون فيه وبمن حوله ما يحلو لهم، وسيستبيحون أرض البلدان المجاورة ويقصفون مدنها ومطاراتها ومرافئها، وسيحتلون أرضها ويطهرونها في جملة أراضي العالم كله من الامبريالية والصهيونية، المعششة في كل مكان: من روسيا إلى الصين إلى شرق ووسط وغرب أوروبا، إلى العالم العربي باستثناء قبضة من الناس هنا ورهط هناك، ووصلت بعد الانتخابات الرئاسية حتى إلى داخل إيران نفسها، كما قال مرشدها ورئيسها مراراً وتكراراً، فإيران، في رأي هؤلاء القادة مستهدفة من جميع خلق الله، وستواجه جميع البشر، بدءاً بالجيران الأقربين، الذين أوصى الله رب العالمين بمعاملتهم بالحسنى، لكن وصيته لم تبلغ بعد مسامع هؤلاء، لذلك تراهم يخترعون كل يوم كلمات جديدة لتهديدات جديدة، ويصنعون أسلحة لا شبيه لها في العالم غير أسلحة كوريا الشمالية، ويخوضون معارك كلامية ضد خصوم وأعداء مفترضين، بمناسبة وبلا مناسبة، كأنه يطيب لهم تحدي من لا يتحداهم، ومنازلة من لا يريد منازلتهم، وقهر من يريد لهم الكرامة والمجد كالعرب: أيتام هذا الزمان اللعين، الذين يتمرجل عليهم كل من هب ودب من بني صهيون في فلسطين إلى بني قمبيز في عراق العرب والعجم!، دون أن يقصر أحد من هؤلاء في إمداد من يريد منهم الاقتتال مع إخوته ومواطنيه بكل ما يلزمه من سلاح مجاناً، حتى يقال إنه صار لدى كل لبناني ويمني وسوداني وصومالي وعراقي وجزائري.. بندقيتان وقاذف صواريخ وربما مدفع هاون.

هل حدث هذا كله بسبب إيران، وهل تقف إيران وراءه؟. كلا وألف كلا. إن إيران ليست مسؤولة عن انقساماتنا وخلافاتنا، القديمة جداً. لكن إيران مسؤولة عن تغذية هذه الخلافات واستغلالها ورفعها إلى مستوى إستراتيجي من عملها عندنا وضدنا، ومسؤولة لأنها تعمل في هدي مبدأ أعلى يوجه سياساتها، هو إضعاف العرب لاعتقادها أنه قوة لها، مع أن العكس هو الصحيح، وسيتأكد قادة إيران من صحة ما أقول لو فكروا بالفارق الهائل بين أن يقف العرب ضدهم، وأن لا يكونوا معهم بالطريقة التي يقررونها لهم، أو يكونوا على الحياد. لو كان العرب ضد إيران، لكان سقوطها سريعاً وحتمياً مهما كدس حرسها الثوري وغير الثوري من سلاح. وبما أنهم بالفعل والقول ضد الهجوم عليها، مثلما هم اليوم حقاً رغم تسريبات ويكيليس وخوفهم من نجاد وأمثاله، فإنها تبدو عصية على السقوط ولا يهاجمها أحد، إلا إذا أراد أن يهزم.

تعهد متقي بعدم مهاجمة جيرانه، بقي أن يأتي برجال الحرس الثوري في المرة القادمة إلى الدول العربية لا لكي يقلعوا عن إطلاق التهديدات ضدها، بل كي يشكروها على حمايتها لهم من أميركا وغير أميركا، ويفهموا أن بلادهم لم تهاجم ليس لأنها تمتلك أسلحة أكل الدهر عليها وشرب من مخلفات كوريا الشمالية، بل لأن العرب يرفضون مهاجمتها، ويعارضون ضربها، وليسوا على استعداد لدعم أي عدوان عليها، سواء بوضع أراضيهم تحت تصرف المعتدين أو بالانضمام إليهم بصورة مباشرة. وللعلم، إذا استمر أصحاب الرؤوس الحامية في الضغط على العرب، فإنه قد لا يكون بعيدا اليوم الذي يغيرون فيه موقفهم وينضمون إلى أعداء إيران، ويفتحون أراضيهم ومياههم وأجواءهم أمام هؤلاء، ليرى عناترة إيران الأشاوس عندئذ عظم الفارق بين موقف العرب النبيل منهم، وموقفهم العدواني جداً من العرب!.

لا يريد متقي مهاجمة أية دولة إسلامية، شكراً له. ولا تريد أية دولة عربية مهاجمة إيران، مباشرة أو بالواسطة، فلا أقل من أن يشكرنا متقي في المرة القادمة، بدل أن يظن نفسه أنه يضحك على عقولنا بكلام نعرف ويعرف أنه لا يمثل موقف المقررين في دولته، الذين بلغ انتشاؤهم بتصريحاتهم وبالقوة حداً يجعلهم خطيرين على بلدهم قبل أي أحد آخر. حمى الله إيران من أصحاب الأشداق الكبيرة، الذين يجهلون ما كان يعرفه قبل زمن طويل جداً شاعر عربي قديم قال:.... وإن الحرب أولها كلام!.

 

تعهدات متقي!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة