Friday  17/12/2010 Issue 13959

الجمعة 11 محرم 1432  العدد  13959

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

عبدالله بن جعفر بن أبي طالب يعتبر من صغار الصحابة؛ إذْ كانتْ ولادته بأرض الحبشة العام الأول؛ لأنّ أبويه - رضي الله عنهما - قد هاجرا إليها، فوُلِدَ هناك، وهو أول مولود ولد في الإسلام، بأرض الحبشة، كما أنّ عبدالله بن الزبير هو أول مولود وُلِد في الإسلام بدار الهجرة،

بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكانت ولادتهما في سنة واحدة، كما أنهما جاءا سوياً وهما ابنا سبع سنين لمبايعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآهما تبسم وبسط يده وبايعهما، كما حكاه ابن عساكر.

وجاء في نسب قريش عن مُصْعبِ الزبيري قال: هاجر جعفر إلى الحبشة فولدتْ أسماء بنت عُمَيْس عبدالله وعوناً ومحمداً.

وقال ابن الأثير: قدم عبدالله مع أبيه المدينة، وهو أخ محمد بن أبي بكر الصديق ويحيى بن علي بن أبي طالب لأمهما.

أما الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء فقال: السيد العالم أبو جعفر القرشي الهاشمي، الحبشي المولد المدني الدار، الجواد بن الجواد ذو الجناحين، عبدالله بن جعفر له صُحْبة ورواية، عِدادُهَ في صغار الصحابة، استُشهد أبوه في يوم مُؤْتة، فكفله النبي صلى الله عليه وسلم، ونشأ في حجره، وروى أيضاً عن عمّه عليّ، وعن أمّه أسماء بنت عُمَيْس، وحدّث عنه أولاده إسماعيل وإسحاق ومعاوية، وأبو جعفر الباقر، وسعد بن إبراهيم، والقاسم بن محمد، وابن أبي مُلَيْلة، والشعبي وعروة وعباس بن سهل بن سعد، وعبدالله بن محمد بن عقيل، وآخرون.

وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه من بني هاشم، وله وفادة على معاوية، وعلى عبدالملك، وكان كبير الشأن، وكان يقول: أحبّ ما استتر به رسول الله لحاجته، هَدفٌ أو حائِشُ نَخْل - يعني حائطاً - فدخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جَرْجَرْ وذَزَفَتْ عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه إلى سنامه وذفْرَيْه فسكن، فقال: من ربّ هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار وقال: هو لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة، التي ملّكَكَ الله إياها، فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتُدْئبُهُ، أيْ تكدّه وتتعبه.

وفي خبر نعي جعفر رضي الله عنه روى عبدالله بن جعفر رضي الله عنه حديثاً هو منهج يتخذه أهل السنة والجماعة في الجنائز، بعيداً عما يحاول دسّه من يريد بتعاليم الإسلام تغييراً، وبهديه صلى الله عليه وسلم بُعْداً، وبالأمم المناوئة للإسلام في عاداتها وعقائدها تقليداً.. قال عبدالله: لما جاء نعْي جعفر قال النبي عليه الصلاة والسلام «اصْنعُوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنهم قد جاءهم ما يشغلهم».

وبعدما كَبُر قد تحقق فيض المال بين يديه ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، فزان هذا المال جوداً وكرماً وحلْماً، حتى أنه كان سعى في برّه وكرمه بأعمال كثيرة، لا تحصى. قال الذهبي بعدما أورد نماذج من كرمه، وجزالة عطائه: ولعبدالله بن جعفر أخبار في الجود والبذل، وكان وافر الحِشْمة، كثير التنعم، وممن يستمع الغناء، وقد اخْتُلِف في سنة وفاته، فقيل عام ثمانين، وقيل أربع أو خمس وثمانين، وقيل سنة 84، وأكدّ هذا أبو عبيدة، وقيل عام 90، وتبعاً لذلك حصل الاختلاف في عمره.

وقد وردَتْ له مسائل فقهية، يحرص فيها رضي الله عنه على أنْ يستجيب للحكم الشرعي، ففي شروط السلامة يرى أكثر الفقهاء أن البائع كريماً جواداً يصل للإمامة، وقد وفد على يزيد فأمر له بألف ألف درهم، أعني عبدالله بن جعفر.

وبعد مقتل الزبير جاء إليه ابنه عبدالله، وقال يا عبدالله بن جعفر إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم، فقال: هو صادق فاقبضها إذا شئت؟ ثم لقيه فقال له يا أبا جعفر لقد وهِمْتُ المال لك عليه، وليس له علَيْكَ، قال: هو له. قال: لا أريد ذلك، قال: فاختر إذا شئت فهو له، وإن كَرهْت ذلك فبعني من مال أبيك ما شئْتَ. قال: أبيعك وأقوّم. فأعطاه أشياء وأرضاً في مرتفع، فقال عبدالله بن جعفر لغلامه ألقي لي في هذا الموضع لأصلي، فألقى له في أغلظ موقع مِنْ تلك المواقع مصلاه فصلى ركعتين، فلما سجد أطال السجود يدعو، فلما قضى ما أراد من الدعاء قال لغلامه احفر في موْضع سجودي، فحفر فإذا عين تنبع، فقال له: عبدالله بن الزبير: أقلني (يعني هوّنت عن البيع)، قال عبدالله بن جعفر: أما دُعائي وإجابة الله إياي فلا أقيلك، فصار ما أخذ منه أعمر مما في يد عبدالله بن الزبير كما قال ابن الأثير في (أسد الغابة)، وهذا يدل على أنه مستجاب الدعوة ببركة دعاء رسول الله له.

ومع صِغرِ سِنّه عندما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان في العاشرة من عمره، إلا أن رجاحة عقله المبكرة وفطنته جعلتاه يتبوأ مكانة علمية، مع منزلة خاصة مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي حنّ عليه واهتمّ بتوجيهه وتربيته؛ فعوضه الله عن حنو والده، الذي توفي في غزوة مؤتة وهو وإخوته ما زالوا صغاراً، فحظي بقلب أحن من قلب أبيه، وتربية وتوجيه أكمل من تربيته وتوجيهه.

ويبيّن أثر ذلك ما صح عند أحمد في مسنده وعند النسائي وأبي داود أن عبدالله بن جعفر قال إن النبي أتاهم بعدما أخبرهم بقتل جعفر بعد ثلاثة، فقال: لا تبكوا أخي بعد اليوم، ائتوني ببني أخي، فجيء بنا كأننا أفراخ، فقال: ادعوا الحلاق إليّ، فأمر فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وإنما عبدالله فشبه خَلْقي وخُلقي، ثم أخذ بيدي فأشالهما، ثم قال: اللهم اخْلُف جعفر في أهله، وبارك لعبدالله في صفقته. قال: فجاءت أُمّنا فذكرتْ يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟

كما روى الإمام أحمد بسنده إلى عبدالله بن جعفر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفرٍ تلقى بالصبيان من أهل بيته، وأنه قدم مرّة مِنْ سفر فسُبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فرادفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة، وقد أورده مسلم أيضاً في فضائل عبدالله بن جعفر.

وكان عليه صلوات الله وسلامه يحنو على عبدالله بن جعفر، ويدعو له ويتفقده في كل موقف، فقد مر النبي عليه الصلاة والسلام بعبدالله بن جعفر وهو يلعب بالتراب، فقال: «اللهم بارك له في تجارته»، رواه الهيثمي في المجمع، ويورد ابن الأثير بسنده حديثاً يُرْفع إلى عبدالله بن جعفر، قال: أردفني رسول الله وراءه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثاً لا أُحدِّث به أحداً من الناس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، هَدَفٌ أو حائِشِ نَخْل (يعني حائطاً) فدخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي حنّ وذرفت عيناه. وقال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلم على عبدالله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.

وروى محمد بن سيرين أن رجلاً قدم المدينة بجواري، فنزل على ابن عمر، فقال: يا أبا عبدالرحمن غُبنْتُ بسبعمائة درهم، فقال: من غبنك؟ قال: عبدالله بن جعفر. فأتاه عبدالله بن عمر، فقال له: إنّ هذا يقول إنّك غَبَنْتَه بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن تردّ عليه بيعته، فقال عبدالله بن جعفر بل نعطيها إيّاه.

وقد كان عبدالله بن جعفر يتطيب بالمسك عند إحرامه، وقد سُئل ابن عباس عن الطيب للمحرم، فقال: إني لأسعفه في رأسى قبل أن أحرم، ثم أُحِبّ بقاءه، وكان لا يرى بأساً بالطيب عند الإحرام، ويوم النحر قبل أن يزور، وكان محمد بن الحنفية يغلّف رأسه بالغالية الجيدة قبل أن يحرم، أما عبدالله بن عمر فعندما سُئل عن الطيب عند الإحرام قال: لا آمر به، ولا أنهى عنه.

وفيما يرخص للمحرم فقد رأى عمر بن الخطاب وعلى عبدالله بن جعفر ثوبين مضرّجين (محمّرين) وهو محرم فقال: ما هذا؟ فقال علي بن أبي طالب: ما أخال أحداً يعلّمنا السنة؟ فسكت عمر.

ومن هذا أخذ جواز الإحرام بثياب ملونة، وأن إحرام الرجل ليس مقصوراً على البياض، ولكنه الأفضل.

ومرّ عثمان بن عفان بسبخة فقال: لمن هذه؟ فقيل اشتراها عبدالله بن جعفر بستين ألفاً، فقال: ما يسرني أنها لي بنعل. فجزّأها عبدالله ثمانية أجزاء، وألقى فيها العمال. ثم قال عثمان لعلي بن أبي طالب: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك، وتحجر عليه؟ اشترى سبخة بستين ألفاً. قال: فأقبلتْ وظهر رونقها، فركب عثمان يوماً فرآها، فأعجبته فبعث إليه، وقال: ولّني جزأين منها، يعني أريد شراء جزأين منها، وكان قد قسمها ثمانية أجزاء، فقال عبدالله له: أما والله لا أبيعك دون أن ترسل إلى من سفّهتني عندهم فيطلبون إليّ ذلك. أي يريد شفاعتهم.

ثم أرسل عثمان إليه إني قد فعلتُ، فقال عبدالله: والله لا أنقصك جزأين، من مائة ألف وعشرين ألفاً. قال عثمان: قد أخذتها.

رضي الله عن عبدالله بن جعفر؛ فقد كانت تأتيه الدنيا راغمة، وأخباره في ذلك كثيرة، لكن كَثرة الدنيا لم تَدْخل قلبه، ولَمْ تلهِهِ عن عبادة ربه، وكثرة الإنفاق، مع جزالة العطاء، وكان كثير العبادة والصدقة وحسن التوكل على الله.

قال محمد بن سيرين: إن رجلاً جلب سُكّراً إلى المدينة، فكسدَ ولم يَرْغب في شرائه أحدٌ، فبلغ عبدالله بن جعفر، فأمر قهرمانه بأنْ يشتريه، وأنْ يُنهبه الناس - يعني يجعله مُشاعاً بين الناس بدون ثمن، رأفةً بصاحبه حتى لا يرجع به لأهله.

وأورد الزبير بن بكّار أنّ عبيدالله بن أبي مُلَيْلة روى عن أبيه عن جده أنّ ابن أبي عمار، وهو يومئذ فقيه الحجاز، دخل على نخاس - وهو الذي يبيع الجواري - فعرض عليه جارية، فعلق قَلْبه بها، وأخذه أمر عظيم، ولم يكن معه مقدار ثمنها، فمشى إليه طاووس وعطاء ومجاهد يعذلونه، وبلغ خبره عبدالله بن جعفر فاشتراها بأربعين ألفاً وزيَّنها وحلاها، ثم طلب ابن أبي عمار، فقال: ما فعل حبك فلانة؟ قال: هي التي هام قلبي بذكرها، والنفس مشغولة بها، فقال: يا جارية أخرجيها، فأخرجتها ترفل في الحليّ والحُلَلْ. فقال: شأنك بها بارك الله لك فيها. فقال: لقد تفضّلت بشيء عظيم.

 

رجال صدقوا: عبد الله بن جعفر
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة