Tuesday  21/12/2010 Issue 13963

الثلاثاء 15 محرم 1432  العدد  13963

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

العلاقات .. إلى متى ؟!
غادَة عبد العزيز الحسون

رجوع

 

من الطبيعي في مسيرة أي علاقة بشرية وطيدة حدوث ارتخاء بين الفينة والفينة يدعو أحد الطرفين إلى الشد وتجديد الحب وإثارة المشاعر، ومن الطبيعي كذلك مرور العوارض الودية التي من شأنها -إن استغلت لصالحهما- أن تعزز مكانة كلاً منهما لدى الآخر وتدعم الثقة المتبادلة بينهما، لكن الشيء اللا طبيعي هو توقف الاثنين في حالةٍ من الضجر لانتظار ما سيقدمه الطرف الآخر من تضحيات في سبيل تقويم الانحناء، بينما يمتنع الطرف الآخر عن المُبادرة بحجة قيامه بهذا المرة الماضية..!

من أكثر الاعتقادات سوءاً التي تتبوأ عقول الكثير، الفهم الخاطئ لمفهوم الكرامة، والتي إن لم تسخّر لخدمة مشاعرهم وحفظ حقوقهم العاطفية فلا داع لوجودها أساساً!

هنالك عدة أنواع للعلاقات التي تتمّ بين البشر والتي تختلف من جنسٍ لجنس وطبع لطبع ودين لدين، وبنفس الوقت تعدد أنواع العلاقات الصادرة من الفرد الواحد إلى غيره من الناس، والتي يحددها في معظم الأحيان التفاوت الفكري أو الاجتماعي أو العمري...

بناءً على هذا، لابد أن تختلف متطلبات ومعطيات كل علاقة، مثلاً: تلزمنا في بعضها الكرامة؛ اعتزازاً بذاتنا ومنعاً لتدليس هويتنا، وفي بعضهما الآخر، لا تلزمنا، بل إن الاعتداد بها كفيل بردم المحبة وبتر كل عِرق يمسنا بأحبابنا وينبغي علينا حتى نستمر بما يلائم طبيعة العلاقة وحرارة المشاعر التخليّ عنها بشكل مستتر يجّنبنا وإياهم الأخطاء المُفتعلة ولكن لا نلبث أن نكشف عنها حينما يحتدّ المسار وتصبح الحاجة إليها ضرورة ملحّة تقينا اعتداءاتهم المُباشرة..

ثمّة أمور من المهم التحليّ بها ؛ لكي نضمنَ صواب أنفسنا ونمتحن صدق غيرنا، ومثلما نفهم أن الإصرار على شيء قد يجلب متاعب مريرة، فالتنازل أيضاً لا يجُدي نفعاً في أحيان كثيرة!

كثير من بني آدم ممن منَّ الله عليهم بعلاقات وطيدة مع ممن يهتف القلب باسمهم وتأنس الروح بهم يُقدمون على طيّهم دون إرادة منهم ودونما اعتبار لما سيترتب على هذا الطيّ الذي لا يحدث صدفة من تلقاء القدر إنما استنادًا على ما تمّ تقديمه من الإيذاء المعنوي -اللا مقصود- والذي بدأ ضئيلاً حتى نما مع الأيام وغدا ثُقلاً يخنق الأنفاس لا يفتر أن يلتجأ الشخص معه إلى أقرب الحلول فينبذ ما بينهما إلى ما خلف الأفق، الشيء الذي كان من أبعد الاحتمالات المتوقعة لمصير العلاقة.!

وحينما تستطلع كلاّ منهما تكتشف أن مشاعرهما إزاء بعضيهما لا تزال حبيسة الأضلاع لا يملكان قوة الإخلاء عنها أو حتى الرغبة في إعادة إنشاء ما بينهما من خلالها...

والمشكلة لا تكمن في واحدٍ منهما دون الآخر، إنما في الطريقة المختّلة التي يفكران بها والتي تصوّر لهما الأشياء بعكسها فتصبح الأعذار افتراءات والرسائل مجرد كلمات وكلما تمددت الفجوة كلما انتكس الدافع على الإقبال وهكذا حتى تنكفئ المشاعر وتصاب خيوطهما بالرشح -المُزمن- الذي لا تنفع معه المعالجة حتى يستقر الأمر بهما إلى مالا يصبوان إليه...

نحن -بلا استثناء- نخشى فقد كل من ارتبطنا معه وجدانياً ومن لا يراوده هذا النوع من الخوف فهو إما أن يكون نرجسيّ المطلب باحثاً عن مصالحه الخاصة وإما أن يكون ثقيل الملاحظة لا يُجيد التدقيق بمعدل الكمّ المُرسَل والمُستقبَل أو لا يُحسن التنبؤ بمستقبل ما يجمعهما من ودٍ ووئام...

لذا، وحتى نحتفظ بأحبتنا وحتى لا نمضي بخوفٍ مبالغ، وحتى نسلمَ وإياهم من ردود الفعل العنيفة أو التأويلات الخاطئة، ينبغي أن نوفر الحماية العاطفية لأفئدتنا وأفئدة من نرتبط بهم من خلال إقامة التفاهم إذا ما تأزمت المنطقة الجامعة أو في حال استقلّ أحدنا سعياً للتأمل الشخصي الهادف، كذلك من خلال تقديم الظن الحسن قبل السيء والصفح قبل الهجر والإقبال قبل الإدبار ونلتمس العذر ثم العذر...

كي لا نفقد من نحب، وكي لا نحرمهم منّا، ينبغي أن نؤسس أنفسنا على تقبّل ما يُدعى بالظروف أو كما يحب البعض (الأقدار)، نحاول قدر الإمكان بأن لا نسمح للوعكات التي تعترض طريقنا والتي يكون الأصل فيها الزوال على أن تُبقي فينا علقماً، نؤمن بكل تعاريف الثقة، على أن لا نجعلها ذريعة لاقتراف الذنوب بحق ضمائرنا وضمائر أحبتنا..

مع العلم أن هذا لا يقيس مدى نجاحنا في علاقاتنا، أو بعبارةٍ أخرى ليس معياراً للعلاقات الرائدة، إنما فقط وسيلة قد تنفع المُستنفع إذا ما سمح لها بالتطفل على الكيفية التي يُدير بها علاقاته وأحلّ بها ما انعكف من حبال الأحبّة..

لو أنّا بالفعل نعي أنه ما من مسلمّات تضمن بقاء أي علاقة لما انتقمنا من أنفسنا بالندم والحسرة ولما شوّهنا الصورة الحسناء وحولناها إلى شمطاء، أنتَ حينما تتعلق بشخص فإنه الآخر ليس مُلزماً بالتعلق بك، وكذلك حينما يتعلق بك أحدهم فأنت لستَ مُجبراً على مجاملته في حال لم تتوافق مؤهلاته مع متطلباتك، فقط تحتاج لأن تكون لبقاً أكثر حتى تتخلص منه بمهارة لا تعود عليه بالضرر وبنفس الوقت تمنحه درساً في فنّ الاختيار..

جميعنا نمرّ بتحولات فكرية تعصف أذهاننا تغيّر مساراتنا، ننتفع منها بقية حياتنا من جهة، وندفع ثمنها غالياً من جهة أخرى ؛ على إثرها نُهمل أحباباً كنّا نظنهم الشهد والمثل الأعلى، بمقابل أن نتأسى فيمن لم نعتقد أنهم ممن يستحق الظفر بإعجابنا إن لم نكن نتمنى الحصول على لقاء معهم نستخرج منه خلاصة تجاربهم ونظرتهم إلى الحياة، وللسلف الصالح أقوال وحكم تدور حول الجليس الصالح أولها نعتهم بأحد أهم غنائم الدنيا..

لفتة: لا أنسى أن أشير إلى أنّه مهما بلغ الشخص من مراتب اللطافة ومهما سلكَ من الطرق المضمونة للوصول إلى قلب الآخر فلن يكن بوسعه التمكّن من قعره ما لم يهيّأ له الرب -جل جلاله- مكانا مُلائماً؛ فمثل هذه الأمور لا تُبنى على خطط مدروسة بقدرِ ما تُبنى على مدى قابلية الروح للروح الأخرى.

يقول عليه الصلاة والسلام: (الأرواح جندٌ مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف). أخرجه البُخاري ومُسلم في صحيحهما.

القصيم - بريدة -

miss,gh2010@hotmail.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة