Sunday  26/12/2010 Issue 13968

الأحد 20 محرم 1432  العدد  13968

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

           

في إحدى الندوات الشعرية التي تقام في مدينتنا الحبيبة الرياض, التقيت بأحد الشعراء المشاركين والمميزين جداً والذي لفت انتباه الحاضرين بقصائده الوطنية والعاطفية والاجتماعية.

قلت للشاعر: يا سلام قصائدك رائعة... ولكن أنت مجهول الهوية ولم أسمع أو أقرأ عنك أو أشاهدك في قناة تلفازية؟..

ابتسم (تركي) وهذا على فكرة اسمه وقال: بالفعل أنا مقل إعلامياً والسبب أنني لا أحب الأضواء.

قلت له: ولكن يا أستاذ تركي أنت إنسان مبدع وقصائدك رائعة ومميزة ومعبرة وتوحي عن مخزونك الشعري وثقافتك الأدبية..

قال بكل تواضع: هذا من حسن معدنك يا دكتور آل حسان... قلت: اسمي أبو مازن.

قال: اسمع يا أبا مازن أنا لست بشاعر ولكن أنا (هاوي شعر) لذا تجدني أكتب في كل ميادين الشعر.

قلت لاحظت ذلك في تنوع قصائدك، ولكن هل تأذن لي هذه المرة وأتطفل بنشر نبذة عن حياتك للناس والقراء وعشاق الشعر، وهم كثيرون لكي يعرفوا شيئاً عن مبدع وشاعر سعودي مثلك؟

نظر لي وبعد تردد قال: اسمع يا أبا مازن كما أخبرتك إنني لا أعشق الأضواء ولكن من أجل مشاعرك وأحاسيسك الوطنية سأسمح لك بشرط واحد فقط؟ قلت: هات ما عندك من شروط. قال: لا أحب أن تنشر صورتي أو حتى اسمي الكامل... تركي فقط... أو (ابن الوطن).

قلت له ما أجمل لقب (ابن الوطن)... ولكن.. قال: أرجوك لا لكن ولا هم يحزنون.. قلت: وأنا أحترم رغبتك وخصوصياتك...هيا حدثني عن حياتك الشعرية؟.. قال ابن الوطن: تربيت في ملجأ،لم أرَ الحياة المرفهة إلا قريباً جداً، عملت في بداية حياتي فلاحاً في إحدى المزارع ثم فراشاً في إحدى الشركات الأجنبية... كما عملت سائقاً وكهربائياً وسباكاً... باختصار لم أترك حرفة إلا عملت فيها إلا أنه يعيبني أنني لا أستمر في أيّ وظيفة أكثر من شهرين فقط... كنت أبحث عن شيء لا أعرف ما هو... ربما المال... الثروة... الغنى... بدأت حياتي من أقل من الصفر، لم أشعر في يوم من الأيام إنني سأصبح ثرياً بالوظائف التي أزاولها.. إذن لابد أن تكون هناك حرفة أو طريق قصير يقودني للمال.. كانت ثقتي وإحساسي بنفسي يفوق كل شيء... ولكن علاقتي بالشعر لها قصة خفيفة الظل.

قلت له: وما هي هذه القصة خفيفة الظل يا ترى؟..

قال: كما قلت لك كنت أحاول أن أغير وضعي المالي بسرعة فائقة... فقادتني الظروف إلى عصابة (خبراء التزييف) لعلي أحصل على الثروة التي انتظرتها كل تلك السنين... ولكن بدلاً من الثروة حصلت على 5 سنوات سجن بجريمة (التزييف).

قلت له بحزن: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...السجن!!.. قال: نعم السجن... ولكن كما يقال: عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم... لقد تحول السجن بالنسبة لي من (نقمة) إلى (نعمة)!.

قلت باستغراب: وكيف يا ابن الوطن؟!.. قال: تعرفت في السجن على ضابط وكان شديد الولع بالثقافة والأدب والشعر... وأبدى إعجابه بشعري والذي كنت أكتبه لنفسي وزملائي أكثر من إعجابي أنا شخصياً.

قلت لتركي: وماذا حصل؟..

قال: قام الضابط (الله يرحمه) بشراء أوراق وأدوات الكتابة من حسابه الخاص وأحضر لي بعض دواوين الشعر لكبار الشعراء السعوديين والعرب وحتى العالميين، وطلب مني أن أقرأ وألخص وأدوّن أشعاري... ثم سألت نفسي: «هل ما أقوله وأكتبه من كلام هام لهذه الدرجة حتى يستحق التدوين؟.

سألت تركي: وماذا حصل بعد ذلك؟..

قال تركي: بعدها أشركني الضابط في المسابقات الأدبية التي تقام في السجن، وأدخلني الندوات التي تقام أيضاً داخل السجن للنزلاء والجنود والضباط, بمعني أكثر صراحة «دخلت السجن مزيفاً (مجرماً) وخرجت منه شاعراً».

واستمر تركي في سرد قصته قائلاً: بعد خروجي من السجن (بعد حفظي للقرآن الكريم) وتخفيض محكوميتي إلى سنتين ونصف السنة أوجد لي الضابط وظيفة محترمة في إحدى دور النشر والتأليف... ولم نفترق يوماً واحداً حتى انتقل الضابط إلى جوار ربه (طيب الله ثراه)، بسببه وصلت أشعاري إلى كل مناطق المملكة والعالم العربي... وكانت فترة تألقي الحقيقية في المناسبات الوطنية حيث كتبت العديد من الأناشيد والقصائد الوطنية الهامة التي أنشدها كبار الفنانين داخل وخارج المملكة... وبعدها كتبت قصائدي الهجومية على إسرائيل لتدميرها غزة وكذلك لأمريكا لاحتلالها العراق وغيرها الكثير.

ويواصل تركي قائلاً: أحببت النساء بشكل عام... فكتبت العديد من قصائد الحب والغزل، ثم وقعت في الحب الحقيقي وتزوجت ولم أشعر بالأمان والاستقرار إلا مع زوجتي الحبيبة التي هي حبيبتي وزوجتي وعشيقتي.

صدر لي ثلاثة دواوين: الأول بعنوان «السجن وفائدته»، والثاني: «الوطن ومحبته» والثالث: «الصداقة وحقيقتها» وجميعها مهداة إلى صديقي الضابط «أبو فهد». أخيراً أشعر يا أبا مازن أنني قدمت لك شيئاً مهماً جداً وهو اعترافي الكامل أن لأبي فهد فضلاً كبيراً بعد الله عليّ لكل ما حققته اليوم.. وكنت أتمنى لو أبقاه الله ليشهد إنجازاته ولكنه سيبقى معي مادمت باقياً على وجه الأرض.

سألته: هل لازلت تزور زملاءك النزلاء في السجن؟..

قال: نعم وهنا أحب أن أشكر إدارة السجن التي حولت السجن إلى منتدى ديني ثقافي علمي رياضي للنزلاء ودعت كل من يطلق سراحه أن يشاركهم هذا التثقيف والتأديب والتهذيب... ثم نظرت إليه وقلت: هل تأذن الآن بنشر هذه القصة الحقيقية الصادقة ليستفيد منها الجميع؟..

قال: بشرط لا صورة ولا اسم!!.

- الرياض

farlimit@farlimit.com
 

قصة حقيقية: السجين الذي أصبح شاعراً..!!
د. محسن الشيخ آل حسان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة