Wednesday  29/12/2010 Issue 13971

الاربعاء 23 محرم 1432  العدد  13971

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

           

عندما أرادت أن تؤزم الموقف أكثر مما هو عليه، فقد قامت كعادتها بالإشراف على إعداد الفطور المعتاد في الردهة المطلة على الحديقة، وجلست تنتظر نزوله للفطور، وكالعادة وضعت الجرائد على الأنتريه المقابل لطاولة الطعام، فهو عادة ما يقرأ الجرائد بعد الفطور أو يأخذها معه في السيارة، أطل على الردهة وكأنه يريد أن يتأكد من أنها هناك ثم دخل وتمتم بصباح الخير وكأنه لايريد رد التحية، وبمجرد أن جلس أخذ يأكل بسرعة دون أن يرفع نظره من الطعام، وكانت هي ترمقه دون أن تتكلم، ثم سكبت له كوباً من الشاي، ووضعته قريباً منه، فرفع نظره لها ثم إلى كوب الشاي وارتشف منه ثم عاد يأكل بسرعة كما لوكان على موعد يخشى فواته، لم يرد أن يقل أي شي، كان الموقف يمثل ضغطاً نفسياً له و يريد الخلاص منه، فالصمت بينهما مليئ ومتفجر، أخذ يرتشف كوب الشاي بسرعة ثم قام وأخذ جرائده وقبل أن يخرج التفت إليها وقال «لا تنتظريني على الغداء، عندنا شغل بالمكتب وبيجبون غداء» ثم انصرف.

بقيت نوره مطرقة تنقل نظرها بين أطباق بقايا الفطور، كانت تنتظر كلمة ود منه تتعلق بها لتجابه ذلك الطوفان العارم في نفسها من الإحباط والذل والإهانة، فشكوكها في مشاعره تجاهها تتنامى كل يوم، حيث لم يعد كما كان في الماضي يصرح بمشاعر الود والحنان، وهذا ما يمكن تبربره بوجود ارتباط سري يخفيه، ولكن تصرفاته تجاهها وحركاته المضطربة واختراع الأسباب للخروج من المنزل تبوح بأكثر مما يستطيع إخفاءه، لم يعتد الأكل في المكتب، حتى عندما كان مشغولاً جداً حيث كان يترك المكتب ويحضر للمنزل وبعد أن يتغدى، يعود له، فأعذار غداء المكتب غير صحيحة وعندما يكون في المكتب لا يرد على الهاتف الجوال وعندما يتكرر الاتصال، يرد السكرتير ليستفهم إن كان الأمر ضرورياً، في نظر نورة تغير سليمان كثيراً وبات سريع الانفعال وقليل التودد، وعندما كانت تتذمر من برود علاقتهما، يحتج بأنه هو لم يتغير، وأنها هي التي باتت كثيرة الاسترقاق والتطلب واستجداء العواطف.

نورة لم تقل له أبداً أنها تمر ببداية سن اليأس وتنتابها التغيرات الهرمونية التي توقد جسمها بالهبات الساخنة والتعرق الشديد خصوصاَ في الفراش، كان يشمئز من ذلك، ولم يجتهد ليسأل إن كانت تعاني من خطب، بل إنه لا يتوانى عن إطلاق التعليقات الجارحة. وعندما تهم بمصارحته بحالتها يتملكها الذعر من أن يهجرها فتحجم عن ذلك، كانت نورة غارقة في حديث النفس ودموعها تتقاطر من وجنتيها، فلم تعي صوت الخادمة وهي أمامها تسأل، إن كان ثمة خطب يلم بالسيدة فتلملم نورة دموعها وهي تقول «لا، لاشيء اشتقت لخالد فقط، ارفعي الفطور وبلغي الطباخ ألا يعد غداء للسيد فلن يحضر للغداء» ثم نهضت نورة وصعدت لغرفتها لتعود بعد لحظات وتخرج للحديقة، فالطقس فيها لطيف والشمس لم تلهب النهار بحرارتها بعد.

ذهبت نورة لذلك الكرسي البعيد في الحديقة، والذي كثيراً ما تذهب له عندما لا تريد أن يحس بها الخدم في المنزل، تذهب هناك عندما يهزها الشوق للأبناء الذي رحلوا وتركوها وحيدة مع زوجها فأحمد تزوج واستقل ببيته وعمله، وهدى هي الآخرى تزوجت وباتت مشغولة بحياتها وأطفالها وخالد يكمل دراسته في الخارج، كثيراً ما تجلس نورة على ذلك الكرسي وتبث مشاعرها للطيور والأشجار ثم تعود للبيت بعد أن تكون أروت الأرض بدموع الشوق للأيام الخوالي، هذه المرة ذهبت نورة لذلك الكرسي لا لتبث الأشواق ولكن لتعتصر الألم، فشجارها مع سليمان ليلة البارحة كان مؤلماً، لقد قال كلاماً جارحاً لذاتها وأبان لها مدى رخصها عنده، جلست على ذلك الكرسي وهي تنظر لقصرها الفخم وقد بدا لها كما أنه سجن عظيم تذل فيه كل يوم، وتذكرت ذلك اليوم الذي جاء سليمان لها ليقول إنه اشترى قصراً ليجعلها أميرة له، وتذكرت تلك اللحظة التي دخلوا فيها ذلك البيت لأول مرة، وكيف كان الأبناء يتراكضون في الحديقة الكبيرة، كانت السعادة هي عنوان ذلك اليوم سليمان فرح بما أفاء الله عليه من ثروة، وهي فرحة بالحب الذي يغدقه سليمان عليها والأبناء الذين تغمرهم سعادة الدلال والمتعة، كانت الذكريات تتقافز في خيالها فتارة ترى خالد يبكي عندما كانت هدى ترمي اسفنجات العوم بعيداً عن المسبح حتى يتعلم السباحة، وتارة ترى هدى عندما جاء خطيبها لزيارتهم أول مرة وهي مرتبكة ماذا تلبس، وتارة ترى مشادة أحمد مع والده حول سيارته المصدومة، فتبكي تارة وتضحك أخرى، ولكن الألم في نفسها يتأجج، فكلما تذكرت كلمات سليمان ليلة البارحة، اعتصر قلبها كما لو أن سكيناً غرست به، «لم يكن بحاجة ليكون في تلك القسوة. مالذي دفعه ليرخصها بهذه الصورة؟ وهي رفيقة حياته وكفاحه، لماذا يريد أن يؤلمها وهي في أمس الحاجة لعطفه الآن؟»، أسئلة تبرز بدون جواب لتوقد سعير الألم، وتتردد أصداء الكلمات المؤذية في أذانها وتحتدم «أنتي من أنتي علشان تحاسبيني، أنتي مثل الشبشب اللي برجلي متى ما بغيت رميته، فاعرفي نفسك!» ثم تصيح بصوت خافت في دفاع مستميت لذاتها وانتصاراً لكرامتها «لا، لا أنا ماني شبشب أنا أعز من أن يحتقرني أنا أكرم من أن يدنس روحي ومشاعري بإهاناته» وتخرج نورة المسدس من الكيس بجانبها وتضع فوهته على صدغها ثم تضغط الزناد، لم تكن تريد أن تنهي حياتها، ولكن مشاعرها كانت تريد أن تنتحر ولا تدنس.

mindsbeat@mail.com
 

نبض الخاطر
انتحار المشاعر - قصة قصيرة
محمد المهنا أبا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة