Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/06/2010 G Issue 13771
السبت 29 جمادىالآخرة 1431   العدد  13771
 
المسكوت عنه
رهن عقاري أم رهن للمواطن؟!
د. حمزة بن حمد السالم

 

جميع أموال المدين ضامنة لديونه! هكذا جاءت المادة الحادية والعشرون في الفصل الرابع في نظام التنفيذ الذي يعد من مسودة أنظمة الرهن العقاري الخمسة المقترحة.

الأنظمة التي اطلعت عليها هي بلا شك الإصدار الأول، والتي لم تكن إلا مجرد قطع ولصق بلا تمييز ولا تكييف ولا تعديل من أنظمة موجودة أصلا والتي تحكم أنظمة التنفيذ في حق المدين وكيفية احتجاز أمواله وارتهانها وبيعها في حال عدم سداده. ومما يدل على أنها الإصدار الأول إدخال بعض المواد من نظام الأحوال الشخصية التي يظهر أنها أضيفت سهوا -ولا علاقة لها بالرهن العقاري- كالمادة الثامنة والأربعين ونصها «لا ينفذ الحكم الصادر على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية جبراً، بل تُفهم عند التنفيذ بسقوط حقوقها الزوجية إن هي رفضت العودة» وكمادة 47 و49 والتي تتعلق بحضانة الصغير والتفريق بين الزوجين.

وكمراقب خارجي لا يعلم خلفية ابتداء الأنظمة الجديدة عندنا فقد تكون هذه هي الطريقة المتبعة في ابتداء الأنظمة الجديدة - قطع ولصق بلا تمييز من أنظمة أخرى موجودة أصلا- ولكن ما أخشاه هو أن يؤثر هذا الخلط إلى إنتاج نظام مسخ: لا هو بنظام دين ورهن وحجز في الديون العامة ولا هو بنظام رهن عقاري.

العقلية الائتمانية عندنا - على جميع المستويات - ما تزال تفكر بالفكر الائتماني للقرن الثامن عشر ميلادي. عقلية تتصور المسألة كمدين يجب أن يُسدد ولو ببيع حريته - والسجن بيع للحرية- ودائن ينادي خذوه فغلوه. عقلية متناقضة ترى أن للدائن حق فرض ما يشاء من الشروط على المدين عند إقراضه، وترى كذلك أن للمدين حق بظلم الدائن فلا يسدد ما عليه إن استطاع إلى ذلك سبيلا. هذه حقبة زمنية مثلت ظلم المرابي وحاجة المُربي، وقد انتهت عند الغرب وبدأت عندنا. النظام الائتماني في الغرب يقوم اليوم بالجملة على أن البنك أو ملاك السندات يشاركون في مخاطرة الاستثمار فلا حق لهم على المدين إلا ما ارتهنوه مقابل الدين والذي عادة ما يكون هو الشيء الذي استدان المدين من أجله. وذلك لأن الفكرة الحديثة للائتمان تقوم على مفهوم التمويلات لا مفهوم القروض. والتمويل بيع وشراء والقرض إحسان وإرفاق لذا ففي حالة عدم السداد في التمويل، لا يتعدى التحصيل عين الشيء المبيوع، بعكس القرض الذي كان إنشائه من باب الإحسان والإرفاق فسداده يتعدى إلى أموال المقترض كلها وحريته في حالة المماطلة.

نظام الرهن العقاري في صورته الأولية التي اطلعت عليها هو نظام المدين والمديونية بشكل عام ويحتوي على مواد الحجز التحفظي على جميع منقولات المدين والتحفظ على الأسهم والسندات وبيعها وغير ذلك والذي يتناسب مع مفهوم القرض لا مفهوم التمويل، مما يخرج الرهن العقاري عن محله. فلكي يكون النظام نظام رهن عقاري فلابد أن يكون المنزل فقط هو مكان التحصيل عند عدم التسديد لا غيره من الأموال إلا في حدود استثنائية يُنص عليها.

وهنا يجب الانتباه بأن نظام الرهن العقاري يجب أن يختلف عن أنظمة التمويل فضلا على اختلافه عن أنظمة المديونية. الرهن العقاري هو من أجل تسهيل تملك المواطن لمنزله وهو مطلب وطني على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية لذا فهو في دول العالم المتحضرة مسئولية اجتماعية تتحمل الحكومة بعضها بتوفير الضمانات والمجتمع بشراء الرهون والمواطن بخسارة منزله إن لم يُسدد.

إن مما سكت عنه أننا في مجتمعنا نفتقد نظرة المسئولية الشاملة التي توازن بين المواطن وبين البنك أو القطاع الخاص وبين الحكومة فتجد أن كل منظمة تنحاز لما هي مسئولة عنه وممثلة له، ولو تعاونت فيما بينها لتحقق العدل في الجميع ولتضاعف الإنتاج ولتجنبنا الأخطاء الباهظة التكلفة على الوطن والمواطن.



hamzaalsalem@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد