Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/06/2010 G Issue 13775
الاربعاء 04 رجب 1431   العدد  13775
 
مطر الكلمات
نساء فيلسوفات
سمر المقرن

 

قرأت ذات مرة مقالة لأحد الشوفينيين «الذكور» وما أكثرهم في عالمنا العربي، يقول فيها: أن المرأة ضعيفة العقل وتنقص عن الرجل في جانب الذكاء، واحتج بقضية صغر حجم دماغ المرأة مقارنة بدماغ الرجل, واحتج بأنه لا يوجد في التاريخ نساء فيلسوفات, وأنه يجب على النساء قبول هذه الحقيقة, باعتبار أن التفلسف هو أكبر عملية ذهنية يقوم بها الإنسان وأنه ثبت أن المرأة غير قادرة على التفلسف ومناقشة القضايا الفكرية بطريقة عقلية, وإنما بعواطفها فقط, ويرى أن هذا دليل واضح على ضعف مرتبة عقلها عن مرتبة الرجل!

هذا ما قاله ذلك الكاتب, ودائماً أولئك الذين يجزمون ويصدرون أحكاما عامة كبرى يقعون في خطأ فادح, واستغرب من هذه الجرأة في ادعاء هذا الكاتب وغيره أنهم اطلعوا على كل ما كتب في التاريخ, لو كلف هذا الكاتب نفسه بالبحث قليلاً لوجد أن هناك كتابا مهما للدكتور إمام عبدالفتاح إمام، أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة الكويت، واسم هذا الكتاب هو (نساء فلاسفة) والذي تتبع فيه مسيرة المرأة الفيلسوفة من أيام اليوناني فيثاغورس، ومدرسته العلمية التي كان يحضرها النساء والرجال، ولم يكن هناك تفريق بينهم بسبب تأثر فيثاغورس نفسه بشخصيات نسائية مهمة في عصره, وأوضح الدكتور إمام أن النساء لعبن دورا مهماً وكنّ نشيطات للغاية في المدرسة الفيثاغورية وكان لهن دور هام في تطور الفيثاغورية الأولى كفلسفة, وأهم هؤلاء النسوة الفلاسفة في تلك المدرسة كنّ ثلاث (ثيانو) و(أريجنوت) و(مييا) الأولى انصب اهتمامها على تفسير نصوص فيثاغورس، والثانية كان اهتمامها هو تفسير طبيعة العدد والنسب الرياضية بين الأشياء, وأما الثالثة فقد حاولت تطبيق ما تعلمته على عالم الأسرة ولاسيما تربية الطفل, ثم ينتقل المؤلف لفترة الفيثاغورية المتأخرة ويذكر أعلامها من النساء (إيزارا اللوكانية) و(فينتس الإسبرطية) و(وبركيتوني الأولى) و(إيزارا) وهذه الأخيرة هي صاحبة الحكمة الشهيرة: «إذا قمنا بتحليل النفس فسوف نفهم القانون والعدالة على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي»، وهي التي مدت فكرة القانون الطبيعي ليشمل الفرد والأسرة, أما (فينتس) فألفت كتابا فلسفيا اسمه (الاعتدال عند النساء) لكن هذا الكتاب مفقود ككثير من الكتب التي ضاعت في التاريخ, وأما (بركيتوني) فلها كتاب اسمه (هارمونيا النساء).

أما في فترة ما بعد المسيحية فهناك القديسة الفيلسوفة (ماكرينا) التي عاشت في القرن الرابع الميلادي (330 - 379) فكأنما بدأت تتصدى هذه الفيلسوفة لتلك المقولات التي تشكك في قدرة المرأة العقلية كمقالتي هذه التي نناقشها. تقول (ماكرينا): «جوهر النفس هو قدرتها على التفكير العقلي ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة». أعتقد أن هذا الاستعراض السريع الذي لم أذكر فيه أسماء كل النساء الفيلسوفات كاف لتوضيح حجم جهل من يدعي أنه ليس هناك نساء فيلسوفات, ولو راجع التاريخ والمكتبات قليلاً لاكتشف الخطأ الكبير الذي وقع فيه والمنزلق الذي داسته قدمه, أما بالنسبة لصغر حجم عقل المرأة, فالصغر والكبر لا علاقة له بالذكاء، فجمجمة ودماغ الثور والفيل أكبر بكثير من جمجمة الإنسان.

www.salmogren.com


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد