Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/07/2010 G Issue 13793
الأحد 22 رجب 1431   العدد  13793
 
علماء رأيتهم وعرفتهم:
خطيب الأحساء الشيخ عبدالله آل مبارك رحمه الله
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

 

الشيخ الواعظ الأديب سحبان وائل في فصاحته وإبانته وابن الجوزي في رقته وزهدياته ورقائقه، إنه الشيخ عبدالله ابن الشيخ عبداللطيف آل مبارك - رحمه الله - ولد في عام 1322هـ، وتربى على والده وعلى علماء أسرته وعلى غيرهم من العلماء.

شيخنا فارع الطول، ضخم الجثة، إذا جلس فكأنه راكب متكامل الخلقة، وجهه أبيض مشرئب بالحمرة، في وجهه جمال يفوق أي جمال، له لحية يخضبها بالسواد، جماله في أنفه وفي عينيه وفي فيه وفي جبينه فكأنما أعطي جمال يوسف عليه السلام، هذا مع جمال الباطن؛ فالشيخ مبتسم دائماً.

يلبس البياض الناصع، ثوبه وغترته (ملحفته) وعباءته (بشته) كلها بياض في بياض، يغير لباسه كل يوم، أناقته لا توصف، فصاحته لا تعدلها فصاحة، فيه تواضع جم، لا يسبق بالسلام حتى أنه إذا سمع حركة في منعطف من الطريق قال بصوته الجهوري السلام عليكم، وربما كان المسلّم عليه بهيمة، هذا كله من حرصه ألاَّ يسبقه أحد بالسلام، شاعر لا يجارى ولا يبارى، كريم بمعنى الكرم، سليم الصدر، لا يحقد ولا يكره أحداً بل يحب الجميع، يصل الرحم ويشارك في الأفراح والأحزان، يهنئ في الفرح ويقف مع أهل الجنائز يصبرهم ويعظهم ويعزيهم بل ويشرف على تغسيل وتكفين ميتهم، يكره البدع ويحذّر منها.

خلف والده في الإمامة والخطابة في جامع الإمام فيصل بن تركي آل سعود، ويعدُّ أكبر جامع في الأحساء، بل عدّه المؤرخون أكبر جامع في شرقي الجزيرة العربية.

هذا الجامع أشاده وأوقف عليه المزارع والنخل الكثير الإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - وحبسه على هذه الأسرة، لا ينازعهم فيه أحد، وكان ذلك بمشورة ورأي الشيخ الفقيه المحدث الشيخ الإمام عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ النجدي الحنبلي الأزهري، وقد أثنى على علم هذا وسعة أفقه السيد رشيد رضا في فتاواه، وقال إنه لم يظهر في نجد من هو في مستواه العلمي؛ فهذا الشيخ درس وأتقن وأجيز من فحول علماء الأزهر، وهو الذي أشار إلى الإمام فيصل ببناء الجامع وتحبيسه على هذه الأسرة ابتداء من جدهم الشيخ عبداللطيف بن الشيخ مبارك - رحمهم الله -.

أقول أمَّ الشيخ عبدالله بالجامع خلفاً لوالده، وكان الناس يزدحمون على الصلاة خلفه من كل الأحياء، والجامع يقع في حي النعاثل، فكان يخطب خطباً هو الذي يؤلفها، ولقد كان من أعرف الناس بالواقع وما يحتاج إليه الناس، وكان مقنعاً في خطبه، ويسمع من مسافة بعيدة قبل دخول الكهرباء وقبل إدخال المكبرات الصوتية، وله في كل يوم جمعة درس يستغرق أكثر من ساعة، وذلك بعد صلاة العصر، فيجلس على كرسي وهو يحفظ كتاب رياض الصالحين للنووي وكتاب الترغيب والترهيب للمنذري وكل كتب ابن الجوزي، فمرة يتحدث ارتجالاً، ومرة يقرأ في الكتاب أو يقرأ ابنه الشيخ محمد، ثم يأخذ الشيخ في الشرح، ولكنه لا يترك شاردة ولا واردة، بل هو خطيب يعرف فقه الواقع - إن صح التعبير - وكان من حديثه وهو يخاطب الفقراء قوله لهم: ليس الفقر حجة في أنك تأتي إلى المسجد في ثوب مرقع وقبيح الرائحة، لا بل علبة صابون تكفيك أسبوعين تغسل الثوب في الظهر وتلبسه في العصر وتخرج نظيفاً.

والشيخ رحمه الله مأذون أنكحة، وكان الناس يفرحون به ليعقد أنكحتهم، وكذلك عادة غالب الناس، وخاصة في حي النعاثل، أنَّ الشيخ رحمه الله يمسك بيد الزوج ووالدي يمسك باليد الثانية رحمهم الله، وهم يزفون الزوج إلى زوجته مشياً على الأقدام.

والشيخ رحمه الله كريم؛ حيث إنه لا يملك بيتاً، بل يستأجر، وآخر شيء أنه استأجر بيتاً مجاوراً للجامع وقفاً استأجره مدة من الزمن رحمه الله، وكان الشيخ معروفاً لدى أهل الخليج وأهل نجد والحجاز، مقبول الحديث مقبول الكلمة، وكان سماحة شيخ مشايخنا مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله المتوفى عام 1389 هـ يحبه ويقبل مساعيه وشفاعته الطيبة، وإنَّ من مساعيه الطيبة أنَّ المعهد العلمي لم يقرر له من الطلاب المستجدين إلاَّ خمسون طالباً، فلمَّا أخبره مدير المعهد آنذاك الشيخ عبدالله الفنتوخ ما كان منه إلاَّ أن ذهب إلى الرياض وقابل سماحة الشيخ محمد وأخبره فلبى سماحته شفاعته وأمر بقبول العدد المطلوب الشفاعة فيه.

الشيخ رحمه الله مقبول لدى الخاص والعام؛ لتواضعه وصدق معاملته مع الله ثم مع خلق الله، وكان الجامع آنذاك أرضية ترابية ويحتاج إلى عمال كثيرين لكنسه وتنظيفه، فلما علم المؤذن قال للشيخ: سوف أتكفل بمجموعة من الشباب لتنظيف الجامع في أقل من ساعة، ولكنهم ما يبغون أجرة، إنما يبغون الاستحمام في عين أم سبعة، وكانت حينذاك أنهاراً سبعة تجري على وجه الأرض ماء ساخناً، وفعلاً لما انتهى تنظيف الجامع إذا بالشيخ يقلهم في سيارتين وهو معهم إلى عين أم سبعة واستحم الشيخ معهم وعادوا وكلهم فرح وسرور بهذه الفرصة وبتواضع الشيخ.

مرض رحمه الله مرضاً منعه من الصيام، وكان ابنه الشيخ محمد رحمه الله في مصر للعلاج، فلما دخل رمضان أعلمني برغبته في أن أصلي عنه التراويح، وفعلاً تقدمت وصليت التراويح، فلما لم يبق إلاَّ الوتر هزَّ كتفي قائلاً اقنت، فامتثلت وقنت، وفي هذا دلالة على سعة أفق الشيخ من أجل تأليف القلوب. والشيخ مالكي، لا يقنت إلا في الركعة الثانية في صلاة الفجر وقبل الركوع سراً، والشيخ دائما وأبداً في جانبه في المجلس كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (مرجع حنبلي كبير).

أقول: صليت، وكان الشيخ يصلي خلفي، ثم إني أردت الذهاب إلى مكة، وذلك في عام 1393 هـ، فطلب مني ترشيح من أراه، فاتصلت بالأخ الشيخ إبراهيم أبوجليع الأستاذ في المعهد العلمي، وفعلاً جزاه الله خيراً استمر رمضانات عدة يصلي بهم؛ وذلك لأني انتقلت إلى الرياض، حيث توظفت هناك بعد التخرج.

لما تولى الملك فيصل بن عبدالعزيز الحكم في المملكة زار الأحساء ثم ذهب إلى جامع جده الإمام فيصل بن تركي بصحبة الشيخ عبدالله رحمهم الله، وكان يوماً مشهوداً؛ حيث سار الملك فيصل من جامع جده إلى بيت الشيخ عبدالله مشياً على الأقدام.

ولقد كان رحمه الله يتصدر الوفود التي تذهب إلى العاصمة لمقابلة الملوك آنذاك، وكان هو خطيب الوفد، حيث يتقدم بالمطالبة من أجل الإصلاحات، ولقد كان مقبولاً لدى الخاص والعام.

توفي شيخنا رحمه الله عام 1394هـ، وبكاه الناس وبكته المنابر.

www.alismaeil.com


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد