Al Jazirah NewsPaper Friday  23/07/2010 G Issue 13812
الجمعة 11 شعبان 1431   العدد  13812
 

تعقيباً على كاتب (الجزيرة) محمد آل الشيخ:
إقرأ أسطري فهي ترياق نافع ودواء ناجح

 

المكرم رئيس تحرير جريدة الجزيرة سدده الله

هذه مسألة زلت بها أقدام، وحارت بها أفهام، واكتوى بها حتى مجاوري المسجد الحرام!!! إنها مسألة الجرأة على الله بلا علم!! مسألة من يفتون، أو على الله يفترون!! {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}!! فانظر يا رعاك الله كيف انتظمها الله مع أعظم وأشنع المعاصي!! وهذه المسألة مهمة جد مهمة، لأنه يترتب عليها التكفير، والتفجير!! والولاء والبراء، والتحريم والتجريم، والبغض والكره والطلاق والنفاق!!

فكم رأينا نزالاً في حلائب العلم، من رائم للبروز قبل أن ينضج، (العلم نقطة كثرها الجاهلون)!! و(إذا كثر الملاحون غرقت السفينة)، (فاللهم نشكو إليك هذا الغثاء)!!

قال الشاعر:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب!!

فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم؟! والله المستعان، فالقضية أعظم من أن توصف بحال.

كيف لو أروا في زماننا تكاثرهم، حتى ساموا باعة البقول عدا، ولم يبقَ منهم من يحسن الجمع بين كلمتين إلا استطال على منازل العلماء؟

نعوذ بالله من أناس

شيخوا قبل أن يشيخوا

فهذا القطيع حقاً هم عول العلم، بل دودة لزجة، متلبدة أسرابها في سماء العلم.

ولذا قال قتادة رحمه الله: (من حدث قبل حينه، افتضح في حينه)!! فنعوذ بالله من حال آذى العيون منظره، وأرهق البصائر مخبره!! ولقد أجاد وأفاد مؤلف كتاب:

(تحفة النبهاء في التفرقة بين الفقهاء والسفهاء) و(زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء)!! فياليتها توزع على كثير من أحبابنا!!

وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)!! وفيه: (إن من أشراط الساعة أن يظهر القلم)!

إن الأمور إذا الأحداث دبرها

دون الشيوخ ترى في سيرها الخللا!!

وإني في هذا لا أغمض الشاب اليافع، إذ العلوم والمعارف لا تقاس بالأشبار، ولا بعظم الأجسام. قال تعالى في شأن نبيه يحيى عليه السلام {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. فصغر السن لم يكن أبداً مانعا من الرسوخ في العلم فشيخ الإسلام تصدر للفتوى ولم يناهز (19 عاماً)!! لكن فرق بين (شيخ الإسلام وشين الإسلام)!!

وولى صلى الله عليه وسلم (أسامة بن زيد): قيادة جيش الشام، وفيه من هو أكبر منه من الصحابة رضي الله عنهم، قيل منهم (عمر)!! ولكن استشراء داء (حب الشهرة) لغياب قوة

الإيمان أصبح هو المسيطر!!

فهذه غصص مولدة للأوجاع المذكورة. فاليوم هو يوم هبت العلماء الربانيين للذب عن حياض الإسلام فإن ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين!! قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }!! فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها فلعنهم اللاعنون، حتى البهائم!! أيها الفضلاء: إن حب الظهور يقطع الظهور!!

تمنيت أن تسمى فقيهاً مناظراً

بغير عناء والجنون فنون

والفتوى جمرة تضطرم، مبنية على التحري لا التجري!! لكن بعضهم يبيع دينه بعرض من الدنيا!!

وقال الطانزون له فقيه

فصعد حاجبيه به وتاها

وأطرق للمسائل أي باني

ولا يدري لعمرك ما طحاها!!

قال أهل العلم: من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل!!

الإمام الشعبي - قيل له: إنا نستحي لك من كثرة ما تسأل فتقول: لا أدري!! فقال: لكن ملائكة الله لم يستحيوا عندما سئلوا عما لا علم لهم به فقالوا: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}!!

قال شيخ الإسلام: (والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالماً مجتهداً!! عالماً مجتهداً، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولايات والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين، وبأن يستفتيه الناس، ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين!! ) أ هـ.

فإلى الله الشكوى من تطاول أهل زماني، على ينبوع الإسلام!! وقد شغلوا العلماء بالتعقيب عليهم، وإبطال رحضهم، ودحض مزلتهم!!

فتجد من سماجتهم: البدار إلى التأليف في أوائل الطلب ثم يرسم على طرته (تصنيف أبي فلان. أو سامحه الله وغفر له ولمشائخه!!).

فتراهم أعظم الناس كبراً، وأشد الخلق تبهاً وعجباً، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذمة!!

فهذه نفثة مصدور، ورمية معذور وحرقة غيور!!

ومعلوم في آداب البحث والمناظرة، وأصول الجدل، أنه لا يلزم أحد المتناظرين صاحبه إلا بما يعتقده لأن الغرض الوصول إلى الحق، لا الظهور على الخصم.. لكن بعضهم يأخذون بإعجاز لا صدور لها أي يأخذون بفروع لا أصول لها. والعلماء يقولون: من احترق في الصغر أضاء في الكبر!!

فعلى أهل العلم والإيمان معالجة تلكم الأسطر المثيرة من الخطأ نقعاً، والشطب والتخلص من أوضارها!!

كذلك دأب بعض المتعالمين إلى نفخ الكتاب بالترف العلمي.

ومن التعاليم: ضريبة الثراء المشبوه في أقل أحواله، والجاه الموهوم في جل أحواله، فيسوق المريض به - داء الغرور، إلى دعوى العلم والتحقيق، وبذل جهود في ذمة التراث!!

وهناك صنف ثالث، مفلس من المال والجاه والعلم خزينته أصفار، وجعبته بلا أسفار، وهزائم لا تعرف العزائم، يسعى لبناء مجد موهوم فيسرق كتاب هذا، ويشتري جهد ذاك، ويخرج للناس عشرات المؤلفات وهو مفلس منكود، ومفتضح منبوذ!! وإذا لم يكن مع اللسان عقل يحجزه، دل على عيب صاحبه!!

وأهل العلم يقولون: (من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي)، (وما صدق الله عبد أحب الشهرة)!!

وينبغي للعالم أن يتكلم بنية، وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، وإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبة نفسه، فإنها تحب الظهور والثناء!!

وليس أحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب!!

والفاضل من غدت سقطاته!!

فالله الله عن حمل الشواذ وغثاثة الرخص!!

واعتقاد أهل السنة والجماعة، النهي عن حمل الشاذ، قال الطحاوي رحمه الله: في عقيدة أهل السنة والجماعة: (ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة)!!

فلله كم تربع على وكر هذه الفتنة من مارد!؟ وأبرزها باسم الشريعة من متحايل!؟ لكن عزاءنا ب(وعده سبحانه) {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}!!

قال الأوزاعي رحمه الله: من أخذ بقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء فقد جمع الشر!!

وأما في المعاصرة فترى فواقر الرخص!! وبواقر الشذوذ، يجتمع منها الكثر في الشخص الواحد، وأجواء العصر المادي على أهبة الاستعداد باحتضان عالم الشقاق فتحمل له العلم الخفاق لنشر صيته في الآفاق، فيغتر بذلك أسير الحظ الزائل، وما زاد أن صار بوقاً ينفخ به العدو الصائل!!

فلا تبني مجدك وحياتك على العز الكاذب، بنشر الشذوذ والترخص الفاسد، مبرراً للواقع الآثم، سعياً وراء الحظ الزائل!! وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور!!

عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى

وللمشتري دنياه بالدين أعجب

وأعجب من هذين من باع دينه

بدنيا سواه فهو من ذين أخيب!!

ومنهم من يبني شهرته على الوقوع في أعلام الإسلام!!

كخصوم شيخ الإسلام: قالوا عليه ما لم يقله من (منع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم)، لاستجاشة عواطف المسلمين ضد دعوته السلفية، فجر ذلك أقواماً إلى الغلط على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

وللأمانة العلمية فأكثر هذه المقتطفات من كتاب (التعالم) لمعالي الشيخ د. بكر أبو زيد.. وهو كتيب أنفس من النفيس.. أنصح الجميع بقراءته!!

وفي الختام أرجو تكرم الأخ محمد آل الشيخ ألهمنا الله وإياه الحق والصواب بقراءة هذه الأسطر فإنها الترياق النافع، والدواء الناجع، كي لا يكون (بعض) طرحه كالسُّم الناقع!! عند حديثه عن أمور الدين، أما سواه فلا فُضّ فوه..

د. علي بن محمد الحماد- الرياض

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد