Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/08/2010 G Issue 13846
الخميس 16 رمضان 1431   العدد  13846
 
رمضان فرصة عظيمة للإقلاع عن التدخين
أديبة الزامل

 

إن من أهم ما يتميَّز به الإنسان عن غيره من المخلوقات التي خلقها الله عزَّ وجلَّ هو الإرادة، فالإنسان يتمكن بإرادته أن يعلو حتى على الملائكة، فهو قوي بإرادته.

هذا من جانب ومن جانب آخر فإننا لو تأملنا قليلاً في الآيات القرآنية الكريمة، لوجدنا أن قيمة الإنسان إنما هي في تقواه، وبارتفاع درجة التقوى ترتفع قيمة الإنسان، والدليل على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ? سورة الحجرات آية 13.

وإن شهر رمضان الكريم بما يحمل من رسالة عملية تربوية في التقوى والتهذيب والتغيير إلى الأفضل هو مناسبة قيمة للتخلي عن العادات السيئة؛ فهو بمثابة ثورة تصحيح على جميع المسارات الحياتية، وهو فرصة ثمينة لتنظيم الحياة وتخليصها من الفوضى والرتابة والجمود لمن أراد ذلك.

كما يُعَدّ شهر رمضان اختباراً عمليّاً يتعلم المسلم كيف يهذب من سلوكياته وأفكاره، ويعيد النظر في بعض عاداته وتقاليده ومألوفاته، كذلك تقوية الإرادة الذاتية، وحسن المراقبة لله في كل الأعمال.

ومما لا شك فيه أن التدخين عادة سيئة للغاية وأنه حرام بفتوى العلماء لأنها من المهلكات للصحة والمال فكل اقتراب من أسباب الهلاك حرام شرعا، كما تمتد أضراره لتشمل الصحة والمال هذا بجانب الأضرار المادية والرائحة الكريهة للمدخن، وتعتبر إحدى طرق الموت البطيء حيث يمثّل تعاطي التبغ ثاني أهمّ أسباب الوفاة على الصعيد العالمي (بعد فرط ضغط الدم) ويقف، حالياً، كثير من حالات الوفيات التي تُسجّل في أوساط البالغين في شتى أرجاء العالم.

(وإذا استطاع الناس التخلي عن التدخين في نهار رمضان لمدة شهر، فلا شك أنها فرصة عظيمة للتوقف عن عادة التدخين).

ومفهوم العادة هي أنماط معتادة ومكتسبة ومتعلمة ومتكررة للفرد من السلوك وتحدث من ما قبل الشعور وليس بتفكير شعوري بشكل مباشر لأنها لا تلتقي مع تحليل الذات، والتعود هو تعلم بعد فترة من التعرض لمثير معين. وتتطور العادة بعمل النشاط عدة مرات وتصنع الخلايا العصبية في الدماغ مساراً ثابتاً لها صعب التغيير.

لذا علينا أن نعرف بأن ترك العادة ليس بالأمر السهل، بل يجب على من يريد الإقلاع عن العادات السيئة إعلان الحرب والجهاد ضد هذه العادات والصمود في وجهها حتى يتمكن بعون الله من التغلّب عليها، ذلك لأن العادات تتجذَّر في النفس فتصبح قوية وشرسة وفي المقابل تصبح إرادة الإنسان تجاهها ضعيفة. ولا شك أن الإنسان قادرٌ على ترك عاداته السيئة واستبدالها بعادات حسنة شريطة الإيمان بأن الله جل جلاله قد منحه هذه القدرة، يقول الله تعالى ?إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ? (سورة الرعد آية 11).

وأحد الأسباب الرئيسية لفقد الحماس هو فشل الإنسان في إقناع عقله الباطن بأهدافه. فالمدخن يعرف أن التدخين مضر وأنه يذهب بماله وصحته ولكن طالما لم يدخل ذلك لعقلك الباطن فإنك ستكون فاقداً للحماس. بل يمكن أيضا أن يكون العقل الباطن سعيداً بعملية التدخين بالرغم من رفض العقل الواعي لها!!

والتخلص من هذه العادة السيئة يكون بإقناع العقل الباطني بالهدف الجديد، بمنتهى البساطة أظهر له الجدية، إذا كان هدفك هو الإقلاع عن التدخين فاضغط على نفسك لعدة أيام بترك هذه العادة، بعد فترة سيقتنع عقلك الباطن بما تفعل وستبدأ في ترك التدخين من تلقاء نفسك. وخاصة إذا أقلعت عن تلك العادة لفترة أكثر من واحد وعشرين يوما فإن ذلك يعد رسالة قويه لعقلك الباطن أنك جاد في التغلب على تلك العادة.

وهناك أيضا تكنيك في البرمجة اللغوية العصبية اسمه parts integration technique, هذا التكنيك يساعد في التغلب على المقاومة التي تنبع من العقل الباطن نتيجة لعدم الانسجام الداخلي, فجزء منك قد يريد الإقلاع عن التدخين لأنه سيء وجزء منك قد لا يريده. هذا التكنيك يمكنك من جمع هذه الأجزاء على هدف واحد وهو الإقلاع عن تلك العادة وبالتالي يذهب بتلك المقاومة.

وهناك طريق ميسر للتخلص من التدخين في رمضان باتباع الخطوات التالية:

1- قرَّر بشكل قاطع أنك تريد الإقلاع عن التدخين، فإن ذلك كما يقول الله تعالى: ?مِنْ عَزْمِ الأُمُور?.

2- استعن بالله وادعه مخلصاً أن يمنحك القوة والتوفيق لتحقيق ذلك، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (وإذا استعنت فاستعن بالله).

3- ضع أمام عينيك دائمًا أخطار التدخين وعواقبه الوخيمة، وتذكَّر أن الله سيسألك عن الصحة، والعمر، والمال.

4- حاول أن تجد رفيقاً لك من المدخنين (قريب - صديق - زميل)؛ لتتعاهدا معاً على ترك التدخين، فهذا أدعى للخير، ويزيدك إصراراً على ترك التدخين، والمرء بإخوانه لا بنفسه فقط، قال الله تعالى: ?وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ?، وقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (من دل على خير فله أجر مثل فاعله).

5- قرِّر أن تقتطع مبلغاً المال الذي كنت تصرفه على التدخين للتبرُّع به للفقراء واليتامى بشكل يومي؛ لأن الله تعالى يقول: ?وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً?.

6- استثمر الصيام في تدعيم قرارك؛ فكن أكثر قرباً لله ومراقبة له لقوله تعالى: ?مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ? (7) سورة المجادلة

7- سيتولد لديك صراع داخلى للعودة إلى التدخين؛ فتذكر قول الله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ?، ولا تنس قول الله تعالى: ?وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ?.

8- تذكر أنك في شهر الصوم، وأن ذلك يقتضي ترك الخبائث والمنكرات، والتدخين من الخبائث والمضار التي يجب تركها قال تعالى: ?وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ?.

9- اعلم أن غالبية الانتكاسات تحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الامتناع عن التدخين، فعليك أن تكون مستعدّاً لمواجهة كل الظروف التي كانت تدعوك للتدخين، مثل: حالات (القلق - والتوتر - الانزعاج - إرضاء الآخرين)، وابحث عن وسائل معقولة ومشروعة؛ لأن التدخين لا يساعد المخ على حل أي مشكلة، وتذكَّر أن من يتقِ الله يجعل له مخرجاً.

10- تذكَّر أن قوة الإرادة والعزيمة التي تتجلى في الصيام والامتناع عن المفطرات والشهوات هي عون كبير جدّاً على الإقلاع عن التدخين والتخفيف من آثاره الانسحابية إلى حد كبير؛ فاستعن بالصبر والصلاة، ولا تدع الفرصة تفوتك في رمضان.

- ماجستير صيدلة حيوية


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد