Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/09/2010 G Issue 13852
الاربعاء 22 رمضان 1431   العدد  13852
 
مطر الكلمات
ما عندهم شغل!
سمر المقرن

 

بعيداً عن قرار خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- في تقنين الفتوى، وبعيداً عن تصدّر من يملك ومن لا يملك حق إصدار الفتوى، أذهب إلى حالة من التأمل في حال الفتوى بشكل عام، بعد هذا التأمل الطويل وجدت خللاً كبيراً ما بين السائل والمجيب، وهذا - في نظري- إشارة إلى وجود أزمة دينية وثقافية واجتماعية ونفسية أيضاً، وحتى تكون الصورة واضحة، دعونا نتأمل حال السائل الذي يمطر عدداً من طلاب العلم بأسئلة غريبة للغاية في هدفها الأول - بقصد- أو - بغير قصد- إزاحة الرأي العام عن رؤية القضايا الكبيرة وتركيز رؤيته على قضايا صغيرة وهامشية لا تقدِّم ولا تؤخِّر، فما خروج هذه الفتاوى الغريبة هذه الأيام إلا دليل على هذا في معظم الحالات، أما في أحسن الحالات فهي عبارة عن سذاجة مفرطة، فأين قضايا المجتمع الكبيرة من لسان السائل، فعلى سبيل المثال: لماذا لا يسأل السائلون عن حكم الواسطة في الشريعة الإسلامية، وهل هناك وساطة حسنة أو سيئة أم كلها اعتداء على حقوق الناس؟ أين السائل عن الفساد المالي والإداري في الأجهزة المختلفة أم أنها لا تعني له شيئاً رغم أنها تنهب ما تبقى في جيبه وجيوب إخوانه المسلمين؟ أين السائل من قضايا الإيذاء المتعمّد من الأسر للخادمات والأطفال والبنات وعضلهن وسوء التعامل معهن؟ لماذا لا يهتم السائلون بهذه القضايا وأخذ فتاوى إنسانية حولها وتوزيعها في وسائل الإعلام وعلى أبواب البيوت المغلقة لعلها تحرّك ساكن الآباء الذين يمضون في منع بناتهم من الزواج أو ضرب الزوجات والبنات أو إيذاء الأطفال؟ أين السائلون من سوء معاملة الأجانب وظلمهم مادياً وإنسانياً، وترك التركيز في أسئلتهم على حكم الغناء وخروج المرأة!

أما حال المفتي، فهو ينساق لسذاجة السائل، إذ يعتبر نفسه غير معني بتصحيح مفاهيم السائل، وهذه مصيبة عظيمة جداً، أو أن المفتي يرى في هذه الأسئلة السطحية أنها أهم من قضايا سرقة أموال الناس في المساهمات، ورفع أسعار السلع بلا مبرر، والغش والاحتكار والظلم وقتل الناس بعضهم بعضاً في استخدام السيارات بشكل سيئ ومفرط بالسرعة.

أما عن الأزمة الاجتماعية فهي وجود ارتباك واضح لدى الناس فيما يجب أن يتعلموه بالحلال والحرام وبين الواقع الفعلي، فهم يركّزون على قضايا هامشية للغاية وينسون قضايا أكبر، يركّزون على قضايا كالغناء، وحكم ميكي ماوس، وعباءة الكتف، ولا يركّزون على قضايا ظلم العباد للعباد ولا اعتداء بعض الناس على المال العام ولا على عبث الموظف في عمله، أما عن الأزمة النفسية فهو أيضاً ارتباك داخلي لدى الإنسان لدرجة أنه صار متوتراً جداً «دينياً» سواء على هذا الطرف أو الطرف الآخر، فصرنا نرى المتشدد الذي يبيح قتل أخيه المسلم بحجج واهية للغاية، وما قضايا الإرهاب عنّا ببعيد وكذلك في الجهة المقابلة سعي آخرين لمجرد تصيّد الزلاّت في النيل من الآخر. المحصلة النهائية من رحلة تأملاتي أنهم عبارة عن أشخاص ما عندهم شغل!

www.salmogren.com


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد