Wednesday  27/04/2011/2011 Issue 14090

الاربعاء 23 جمادى الأول 1432  العدد  14090

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أحياناً تتمنى لو أنك تملك محولاً لمؤشر الفطنة لديك؛ لتديره إلى أضعف الدرجات لتمرير حالة استذكاء غبية من طرف آخر تبرز صورته داخل الدائرة الحاضرة خطوطاً زاهية الألوان من الإيحاءات الجميلة؛ لأن طبيعة هذه الدائرة لا يحكمها منطق الصواب والخطأ،

وإنما يحكمها طبيعة المتحدث أو الفاعل، فإما أن تنسجم في محيطها أو تصبح نشازاً أو نكرة.

ذلك أن الناس الدائرين في فلك الأشخاص لا يرون للعقل والفكر وجاهة خارج فلكهم وما صار معبراً لطبيعتهم الاجتماعية وحاكماً لسلوكياتهم، في حين أن أشخاصهم أو رموزهم التي يدورون فيها وحولها ربما يدورون هم أيضاً في فلك التملك والاستحواذ، سواء كانت مناصب أو مراكز اجتماعية أو ثروات مالية؛ فتصبح الصورة الجمعية عبثية لا منطقية فيها، ويصبح الفكر والعقل مسخَّرَيْن لتطبيع هذه الصورة العبثية؛ لتصبح حاكمة لمنطقية السلوك الاجتماعي ومشكلة لطبيعة خصائصه التي ربما تشاهد فيها نقيض القول بالفعل يُقاس بحجم الشخص لا بحجم مضاره وأذاه ولا حتى بمنطقيته، باعتبار أنه خاضع لطبيعة الوعي السائد. ولتوضيح هذه النقطة فإن الشخصية المستحوذة إذا سرقت ثم تحدثت عن الأمانة فإن الوعي العام في محيط هذه الدائرة يصغي للحديث ويتجاهل الفعل، ويتجلى البؤس في هذه الصورة عندما يُعبِّر مفكِّر عن رأي صائب لترى هذا الوعي المحبوس في هذه الدائرة حتى وإن تحقق من سلامة الرأي واتفق مع المفكِّر إلا أنه سيُرجئ رد فعله إلى حين تقرر الشخصية الرمزية قبوله أو رفضه في صورة واضحة لانحباس هذا الوعي العام في دائرة شخوصه ورموزه.

وهكذا فإن طبيعة السائد والمعتاد في أي مجتمع لا يشترط أن يكون صحيحاً بحكم المنطق، ولكن صحته المزعومة تعتمد على العرف والمتعارف عليه بين أفراد المجتمع، وهذا العرف والمتعارف عليه لا يحكمه المنطق أيضاً، ولكن يحكمه مستوى الوعي الاجتماعي أو الوعي الغالب على مجتمع ما من المجتمعات، ومستوى الوعي الغالب على أي مجتمع هو الذي يخضع لحكم وفصل المنطق الحضاري بين مجتمعات البشر, فيحكم بتخلف أو تقدم هذا المجتمع أو ذاك حسب معيار منطقية السلوك المؤلفة لطبيعة المجتمع وخصوصيته عن غيره من المجتمعات الأخرى؛ ولهذا من الطبيعي أن نجد كل مجتمع يعتز ويفتخر بمسلَّماته وخصوصياته التي تعنون عاداته وتقاليده السلوكية والفكرية، ويبرزها كحالة تميز له عن غيره من المجتمعات الأخرى، لكن هذا لا يشترط الصحة والصواب إذا خضع لمعيار المنطق السليم لحياة البشر؛ فقد يصنف هذا المجتمع بأنه مجتمع متخلف أو متأخر، وأيضاً العكس كمتقدم أو متطور، باعتبار أن المنطق في كل الأحوال من المعايير الطبيعية، بينما نجد أن المعيار الطبيعي قد لا يتوافق مع المنطق. وعلى سبيل المثال، ربما نجد في داخل إفريقيا مجتمعات ذات طبائع عجيبة هي في الواقع طبيعية لأفرادها، لكنها غير منطقية لمن هو خارجها، وما يفصل بين الطبيعي والمنطقي هو درجة الوعي الفكري والثقافي، وإذا أردنا معرفة المعيار الذي نقيس به درجة الوعي والثقافة لأي مجتمع فلن نجد سوى منتجات هذا المجتمع ومدى تأثيرها وأثرها فيما هو خارج محيط دائرته.

أي أن منطقية الفعل لا يمتلكها الفاعل، وإنما نتيجة الفعل ذاته هي التي تمنطق طبيعته أو تطبع منطقيته، بمعنى أنه إذا كان يسري في المجتمع عادة أو ظاهرة سلوكية فإن منطقيتها تنحصر في طبيعة وعي وثقافة هذا المجتمع، ومن خلال هذه الطبائع السلوكية يمكن أن نحكم على درجة ومستوى وعي هذا المجتمع بقياس منطقية هذا السلوك أو هذه العادات، فمثلاً نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اتحدت على نبذ التاريخ وفصل الماضي عن الحاضر واعتبار المستقبل هو الحاكم في الاتجاه والتطور والنمو, في حين لا تسقط بريطانيا أو فرنسا التاريخ، ولكن لا تحتكم إليه باعتباره مرحلة مضت ولا يمكن تكرارها إلا بمعطيات جديدة تستوعب الحاضر وتتخيل المستقبل، بينما نجد في بلادنا العربية والإسلامية شبه تقديس للماضي باعتباره قاعدة انطلاق لحياة الحاضر وبناء المستقبل، وكأن الزمن لا وجود له رغم تبدل أدواته ومعطياته نتيجة تطور العصور وتوسع معارفها، ولو تنبهنا لهذا المنطق لما حسبنا الفكر آفة أو سوسة ستنخر في مسلَّماتنا أو خصوصيتنا بل هو في الحقيقة حركة فكرية تحرث في أرضية جمودنا وتقوقعنا، ومن الخطأ أن نحصنه ونحميه برداء التقديس حتى يكاد يصبح مقدساً بالفعل، ولست هنا أتحدث عن الدين والعقيدة، ولكني أتحدث عن الفَهْم والوعي العام لمنطق الحياة وبناء المستقبل وشرط تواؤمه مع معطيات العصر وأدواته.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
 

بين حقيقة المنطق وطبيعة الواقع
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة