Wednesday  27/04/2011/2011 Issue 14090

الاربعاء 23 جمادى الأول 1432  العدد  14090

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

في مطلع القرن التاسع عشر اكتشف الهولنديون النفط في بحر الشمال.. وكان اكتشافاً يعادل في تأثيره هبوط ثروة من السماء.. بكل ما يعنيه ذلك من تأثير فوري على مستوى معيشة أفراد المجتمع.. حيث أصيب المجتمع الهولندي بحالة فجائية من الرخاء ولدت حالة من الاسترخاء ولد بدوره مشكلات وُصف بعضها بالمرضية.. ومنها مرض سُمِّي فيما بعد بالمرض الهولندي وهو أن الهولنديين اكتشفوا بعد هبوط الثروة عليهم أن معدلات البطالة لديهم في تزايد.. وأن أفراد المجتمع صاروا يركنون إلى الدعة والعزوف عن العمل.. وانحصر تنافسهم على الاحتيال للفوز باستحقاقات العجز والإعاقة لأنها أكثر من تعويضات البطالة.

ونتيجة للوفرة الاقتصادية ارتفعت أسعار صرف العملة الهولندية الذي رفع بدوره أسعار السلع والمنتجات الهولندية.. مما أدى إلى العجز عن المنافسة في أسواق التصدير وجعل الواردات الخارجية أرخص سعراً فصارت هي المفضلة محلياً.. وكانت النتيجة انهيار الإنتاج الصناعي.. وهذا قاد إلى المزيد من البطالة.

ويشخص مؤرخو الاقتصاد السياسي هذا المرض بأنه حالة من الإخفاق في إدارة واستغلال الموارد الطبيعية صاحبه انكماش اقتصادي نتيجة توقف المجتمع عن الإنتاج.. وهي الحالة التي أدت إلى طفرة في الموارد والدخل مقابل القليل من فرص العمل المقبولة من مجتمع يعيش الرفاهية.. وهذا زاد من استقدام العمالة الأجنبية التي تقبل بالأجور المتدنية وبيئات العمل غير المناسبة في ظل تدهور التصنيع والتبادل التجاري.

هذا المرض أصاب مجتمعات البلدان التي وهبها الله موارد طبيعية عظيمة ففشلت في إدارتها مما حول البلاد إلى وطن غني ومواطنين فقراء.. وهذا هو جوهر معنى الإصابة بهذا المرض.. وقد سبق أن أصاب دول الاستعمار الأوروبي مثل إسبانيا في القرن السابع عشر حينما انهمرت عليها ثروات مستعمراتها في أمريكا اللاتينية.. كما أصاب في عصرنا الحديث النرويج والمكسيك وفنزويلا وأذربيجان ونيجيريا.. وأصاب مجتمعات مثل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية.

من الآثار الخطيرة التي تحدث نتيجة للإصابة بهذا المرض أنها تتجاوز كونها مرضاً اقتصادياً فتتحول إلى مرض سياسي.. فالثروات الطارئة تحول قادة الأعمال والفكر والجماعات على جميع المستويات إلى دكتاتورات.. وتحول المجتمع إلى مجتمع ريعي يأتيه رزقه رغداً وهو في سبات عميق.. وهذا يؤدي إلى نمو البيئات الحاضنة للفساد والتسلط والاستبداد وتركز الثروات في يد أفراد.. وهذا بدوره يزعزع الاستقرار ويفقد الأمن وتنهار اقتصاديات الدول فيُهْدم بناء المجتمع.

 

أنت
المرض الهولندي
م. عبد المحسن بن عبد الله الماضي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة