Saturday  30/07/2011/2011 Issue 14184

السبت 29 شعبان 1432  العدد  14184

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

شيء ما يدفع السعوديين للنزوح شمالاً، ومهما تعددت الأسباب لا يتوقفون عن الهجرة إلى الشمال، وإن وصل الأمر إلى تجاوز الأنظمة والحدود من أجل المشاركة في مواقع الصراع في بلاد العرب والمسلمين، وكيف ننسى تلك الأعداد الكبيرة التي اندفعت في الثمانينات إلى أفغانستان للمشاركة في الجهاد الأفغاني؟، فقد استطاعوا في وقت قصير أن يتعلموا فنون القتال واستخدام المتفجرات والأسلحة الثقيلة والخفيفة، وأن يختار بعضهم الاستقرار هناك والزواج من أفغانيات، وقد ساعد القرار السياسي الغربي في تنظيمهم وتدريبهم كجماعات مسلحة في أرض الأفغان من أجل طرد الروس من أراضيهم، ودارت الأيام ليبدأ الاحتلال الأمريكي للعراق، ولم يتوقف اندفاعهم إلى الأرض العربية المحتلة، بل حاولوا بمختلف الوسائل أن يعبروا الحدود برغم من الحظر الرسمي، وكانت تأثيرات تلك المرحلة كارثية على المجتمع، أو ما يُعرف بظاهرة الإرهاب.

في اتجاه الشمال كانت مشاركتهم الإنسانية في حرب البوسنة فعّاله، ووصلت إلى حد الرغبة في مصاهرتهم والزواج من بناتهم الصغيرات، وكذلك ساعد الموقف الغربي من تدفق السعوديين إلى الأرض الأوروبية المسلمة، ومؤخراً وعلى نفس السياق كشف بعض الدعاة والمشايخ عن نية زيارتهم لمعسكرات اللاجئين السوريين في تركيا؛ من أجل تقديم الدعم للثورة السورية من خلال الزواج من فتياتهم، ويُذكر أنه أصبح للحكومة مكاتب في بعض البلاد لرعاية أبناء السعوديين في الخارج، وما حدث في ليبيا الأسبوع الماضي يستدعي الانتباه، فقد صلى إمام سعودي بأنصار القذافي في طرابلس ودعا لطاعة الزعيم الليبي، وطالب المصلين بالدفاع عن الأرض العربية ضد الغزاة الصليبيين، وفي نفس اليوم خطب شيوخ سعوديون آخرون في بنغازي مؤيديون للثوار في حربهم ضد الطاغية الليبي.

حاول الإخوان في عصر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- أن يذهبوا شمالاً في فتوحاتهم في اتجاه العراق والأردن وسوريا، ولم يتوقفوا إلا بعد أن تم ترسيم الحدود ليضع حداً سياسياً ضد عبور عرب الجزيرة إلى الشمال، وقد كان ذلك العبور سمة متلازمة لتاريخهم الطويل قبل وبعد الإسلام، فعرب الجزيرة مبرمجون على الرحيل شمالاً، ولديهم القدرة في أن يخلقوا المناخ من أجل تواصل مواسم الهجرة إليه، ويذكر التاريخ أن الخليفة الراشدي الرابع -رضي الله عنه- نقل عاصمة الخلافة إلى الكوفة، واختار بني أمية عاصمتهم في الشمال أيضاً، وتركوا جزيرتهم تبكي على أطلالها في قبضة الخوارج والقرامطة فيما بعد.

لا نستطيع تبرير ذلك الهوس الشمالي من خلال الرؤية السلفية التي تبحث عن نشر الدعوة الصحيحة، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، ولم أتوقف عن التساؤل عن سر جاذبية الشمال لعرب الجزيرة....، هل هو القحط وضنك العيش أم هي قسوة النفوس والبيئة أم ماذا؟

لم تنحصر رغبة النزوح إلى الشمال في المتدينين فقط، فقد اختارت أيضاً الفئات الميسورة في أن تهاجر كل صيف إلى الشمال لقضاء وقت الراحة خارج الجزيرة العربية، بل إن السعوديين يملكون استثمارات ومنازل وعقارات كبيرة في لبنان ومصر والمغرب و أوروبا وأمريكا الشمالية، وبرغم من التحذيرات الاقتصادية المتكررة لم تتوقف هجرة الأموال السعودية إلى المصارف الأمريكية..! فقد اختار السعوديون منذ زمن غير قصير أيضاً أن يودعوا احتياطاتهم المالية في مصارف أمريكا الشمالية في ظل قرب إعلان الحكومة الأمريكية إفلاسها!!،..

شيء ما يدفعهم إلى النزوح إلى الشمال لكني أعترف أنني فشلت في تحديد أسبابه، فالقصة ليست وليدة العصر، وتمتد إلى عصور ما قبل الإسلام، لكنني أخيراً لن أنسى أن أقدم اعتذاري للراحل الطيب الصالح علي استعارتي على بعض من عنوان روايته الشهيرة موسم الهجرة إلى الشمال، والتي تحكي أيضاً قصة طالب سوداني هاجر إلى العاصمة البريطانية، عمل في إحدى جامعاتها كمحاضر وتزوج من أحد فتياتها.

 

بين الكلمات
مواسم هجرة السعوديين إلى الشمال
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة