Wednesday  21/09/2011/2011 Issue 14237

الاربعاء 23 شوال 1432  العدد  14237

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إذا كانت حاجات الإنسان الأساسية لحياة كريمة تتركز في مثلث «التعليم» و»الوظيفة» و»الصحة»، فإن المرتكزين الأولين لن يتما بلا الثالث. حق الإنسان في الصحة هو حق أساسي للجميع، وإهماله هو إهمال لقيمة الروح الإنسانية التي خلقها الله -عز وجل- وذكر عظمتها في كتابه الكريم، ولا فضل لأحد فيها على أحد، لأنها واجب وطني.

إن ما يحدث في المستشفيات من استهتار بالأرواح البشرية، هو جزء من التطاول على حق الإنسان الأساسي في حياة كريمة، وهو من أخطر الانتهاكات التي تُرتكب بحق البشر. ومنع أي إنسان من الرعاية الصحية هو جريمة يُفترض أن يمثل فاعلها أمام القضاء، وأجزم لو تمت محاسبة أي مسؤول استهتر بروح بشرية، واستعلى على حاجة العلاج في ضعف أوقات المرض لما رأينا هذا التسيب العجيب!

في دول قريبة، ولا تملك ولا جزءاً قليلاً من إمكاناتنا الطبيبة الهائلة، بإمكان أي مواطن أو مقيم أو حتى زائر شعر بحرارة أو ظهرت عليه أعراض الزكام أن يذهب إلى المستشفى الحكومي ويعالج، ويخرج باحترام وتقدير. أما هنا ونحن لدينا المستشفيات التي قفزت بقدراتها الطبية وتجهيزاتها الإدارية وأجهزتها التي سبقت العالم في تطورها، فإن مريضاً لا يستطيع الدخول من بوابتها إلا «بأمر» وحتى بهذا الأمر يخرج «بأمر» التعالي والتقليل من علل ومصاب الآخرين!

طيلة هذا الأسبوع وأنا أعارك نفسياً حالة سيدة «أمر» الله لها أن تستقبل في أحشائها جنيناً، ولأن حالتها الصحية متعسرة، وتعاني من عيوب من صُنع الله في رحمها وظهرها، فإن حالتها تستدعي طباً متخصصاً لا يتوافر إلا لدى مستشفى النساء والولادة بمدينة الملك فهد الطبية، وهذا ليس «أمراً» سهلاً. ولأن المدينة لا تستقبل إلا من يُحال لها فقد طافت تحمل جنينها ومرضها إلى المراكز الطبية والمستوصفات، وهذه المراكز ليس لديها صلاحية الإحالة، وكل ما بيدها كتابة تقرير عن الحالة لعل المدينة ترحم حالها، ومع أنها فعلت بل وأن زوجها تفرغ لحملها بالسيارة من جهة لأخرى، وترك عمله الذي يطعم منه أفواه بيته بأقل من ألفي ريال شهرياً حتى لا تسقط من بين يديه هذه المسكينة التي لا تكابد آلام الحمل والمرض فحسب بل آلام الذل والهوان، ولأنها وزوجها يريدان الحصول على طب متخصص ومتمكن من رعاية حالتها الصحية غير العادية، فقد ذهب إلى جهة نافذة، وعاد للمستشفى حاملاً تقريراً طبياً لزوجته ممهوراً بـ«أمر»، ولأن اللجنة الطبية التي يُعرض عليها التقرير ترى أنه لا حاجة لهذه المرأة بالعلاج في مستشفاهم المتخصص، فإن الـ«ألأمر» حُفظ في الأدراج!

ومع ذلك، فأنا لا أطعن في ذمم أحد، وأعلم الضغوط التي تواجهها هذه المستشفيات وتحايل البعض عليهم، إلا أن هذه الحالة تحديداً وقفت عليها بنفسي، وقرأت تقاريرها حرفاً حرفاً، وبالتأكيد مثلها كثيرات.

إنني أتخيل دوما فرحة المريض حينما يحصل على «أمر» وهو بمثابة قشة النجاة الوحيدة التي تكفل له رعاية صحية، ومع ذلك حتى هذه القشة ليس لها قيمة إن لم تكن ورقة من الدرجة الأولى، لأن «الأمر» درجات، منه ما هو مُلزم بالتنفيذ، ومنه توصية -إن أمكن- وهذه ثقافة موجودة مترسبة، واستمرارها يتنافى مع مبدأ «الحق» في الأساسيات وحتى الثانويات.

إنه ومع التأكيد على كل ما وضعته الحكومة لأجل الإنسان، فإن هناك مسؤولين غير مبالين متواجدون في قطاعات تمس الإنسان مباشرة، وخوفي من استمرار هذه الفئة وهذه الثقافة التي تنهش في عصب مجتمعنا، فيتحول حق العيش في هذه الحياة من وجهة نـظرهم لأن يكون بحاجة إلى «أمر»، ودعائي لنفسي وللجميع أن لا يرمينا بضعفنا في يد من لا يخاف ولا يرحم!

www.salmogren.net
 

مطر الكلمات
أمر بالعلاج.. وأمر بالحياة
سمر المقرن

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة