ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 16/01/2012/2012 Issue 14354

 14354 الأثنين 22 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ويتحدَّث مؤلف الكتاب نيقولاس فان دام في الفصل التاسع من كتابه عن «نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد»، وقد استهله بالقول: منذ أن تولى الأسد السلطة رسمياً عام 1970م، لم يحدث سوى تغيير طفيف في بنية السلطة داخل النظام السوري، فمعظم الضباط العلويين البارزين ظلوا يتقلدون مراكزهم، أو مراكز مشابهة لها، بعد مرور عشرين أو خمسة وعشرين عامًا، وذلك باستثناء إبعاد أخيه رفعت الأسد، لكن عندما اشتد به المرض، عام 1983م، شكل لجنة سداسية أناط بها الأمور اليومية، وكانت مكونة من عبدالحليم خدام وعبدالله الأحمر ومصطفى طلاس وحكمت الشهابي وعبدالرؤوف الكسم وزهير مشارقة، وكان عدم إدراج رفع الأسد ضمن اللجنة ما جعله يعمل على تثبيت مكانته بالقوة، فما كان من الرئيس - بعد شفائه- إلا أن قام بنفيه مع ضباط كبار آخرين، وقُلص حجم سرايا الدفاع، ومع أن رفعت سُمح له بالعودة إلى سوريا إلا أنه في نهاية الأمر غادر إلى أوروبا.

ومما قام به المؤلف في الفصل التاسع من كتابه تحليل إحصائي عن الجهاز المدني لحزب البعث، وظاهرة التسيب في صفوف أنصاره، وكذلك ظاهرة الانتهازية، ومسألة خلافة الأسد حيث هيئ ابنه باسل ليخلفه، وكان باسل من الشخصيات البارزة القليلة، التي لم يلطخها الفساد، لكنه لقي حتفه في حادث سيارة عام 1994م، وبعد وفاته بدئ بتهيئة أخيه بشار للخلافة، ومما ذكر في هذا الفصل أنه يبدو أن الكثير من المسيحيين يُفضلون نظام الأسد أو خليفة علوياً عن أيِّ بديل سني، وأنه يبدو من العسير أن يتخيل تحول النظام الحالي الاستبدادي بقاعدته الضيقة، التي يسيطر عليها أعضاء من الأقلية العلوية، إلى قاعدة ديمقراطية أوسع بأسلوب سلمي يشمل نسبة أكبر من الأغلبية السنية، إن التحول من ديكتاتورية يسيطر عليها علويون إلى ديمقراطية يعني أن المؤسسات القمعية الحالية لابد أن تحل وأن يتخلى عن مراكزه المتميزة.

وأما الفصل العاشر من كتاب نيقولاس فان دام فعنوانه «استنتاجات»، ويتكون من تسعة عناوين فرعي: الأول الطائفية والعوامل الاجتماعية الاقتصادية والإيديولوجية. والثاني التجانس الطائفي والاستقرار السياسي. والثالث الطائفية بين الواقعية والمثالية. والرابع القسمة الثنائية بين السنيين والأقليات بين المدن والريف.. وبين الطبقات العليا والدنيا منذ 1963م. والخامس الفشل في اقتلاع الفساد من داخل النخبة العلوية. والسادس الدين والطائفية. والسابع إمكانيات توسيع قاعدة السلطة الطائفية. والسابع إمكانيات توسيع قاعدة السلطة الطائفية الضيقة. والثامن التوعية البعثية والواقع السياسي: الرفض والقبول بالطائفية. والتاسع استمرار حظر مناقشة الطائفية علانية.

وقد استهل المؤلف هذا الفصل بقوله: إنه يمكن طرح الأسئلة عن المسائل التي جعلها عناوين فرعية للفصل. ومما قاله: إن قيام الطائفية والإقليمية والعشائرية بدور جوهري في الصراع على السلطة لا يقلل من شأن العناصر الأخرى كالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والإيديولوجية. على أنه من الممكن إثارة السخط الشعبي والتوترات الاجتماعية الاقتصادية من خلال قنوات طائفية، وإن الفترة ما بين 1963 و1970م، تأثرت بالمنافسات بين الجماعات البعثية المختلفة والمنافسات الطائفية والإقليمية، لكن ما إن تولى الأسد الحكم حتى حظيت النخبة السياسية الحاكمة بدرجة من التجانس الطائفي والإقليمي. ونتيجة لوقوع سوريا تحت سيطرة جماعة سياسية جبارة واحدة ذات جهاز أمني موثوق وفعّال من حيث القمع تمتعت الدولة باستقرار سياسي داخلي واستمرارية أكثر مما كانت عليه منذ الاستقلال. غير أن هذا كان يعني الاحتمال المستقبلي الخطير على تفكك النظام في حالة زوال قيادته السياسية والعسكرية الطويلة الخدمة، ومما قاله المؤلف في كلامه عن الطائفية بين الواقعية والمثالية: إنه بدون الشبكات المنظمة القائمة على أسس طائفية وإقليمية وعشائرية داخل القوات المسلحة وأجهزة الأمن ومؤسسات السلطة الأخرى ما كان للبعثيين أن يصمدوا من عام 1963م. أما ما قاله في حديثه عن القسمة الثنائية بين السنيين والأقليات.. بين المدن والريف وبين الطبقات العليا والدنيا منذ العام، فمنه أن تولِّي مجموعة من البعثيين، الذين هم من أصل ريفي وطبقة فقيرة منتمية إلى أقلية دينية، أدى إلى ثورة اجتماعية، وتطورت قطاعات من طوائف الأقليات الريفية الأقل نموًا لتصبح أكثر تعلمًا وأقل فقرًا. وكان أكثر المستفيدين من ذلك هم طائفة العلويين.

على أن المؤلف أوضح أن الفشل كان حليف عهد الأسد بالنسبة لاقتلاع الفساد من داخل النخبة العلوية، فقد استغلت النخبة السياسية والعسكرية سلطتها لتزداد ثراء، وأخذ الفساد يتفشى داخل الجهاز الحزبي والنظام، وأصبح من الصعب النيل من العناصر الفاسدة من النخبة العسكرية العلوية، التي باتت تتمتع بمراكز مرموقة، والتي تنتمي لحاشية الرئيس وما يتبعها.

ومماذكره المؤلف عن «الدين والطائفية» أن الدين لم يكن له الدور الذي يضاهي في أهميته دور الطائفية، فمحاولة السنيين حشد معارضة دينية ضد البعث أدَّت إلى التضامن الجماعي العلوي أكثر من إثارة الجدل والخلاف بين العلويين. ومن الجدير بالملاحظة أن قسماً من السنيين التقليديين كان يعتبر علمانية البعث بحدِّ ذاتها بمثابة موقف معادٍ للدين.

أما عن إمكانية توسيع قاعدة السلطة الطائفية الضيقة فقد بيَّن المؤلف أنها محدودة نسبيا. على أن محاولات قمع الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية باءت بالفشل، وبقيت لامراكز الحساسة استراتيجياً وسياسياً داخل القوات المسلحة وأجهزة الأمن وغيرها من مؤسسات السلطة مقصورة على الطائفة العلوية ما عدا التقليل من الاستثناءات.

وأما ما ذكره المؤلف عن «التوعية البعثية والواقع السياسي: الرفض والقبول بالطائفية» فمنه أن فترة الحكم البعثي امتدت تقريباً إلى ضعف الفترة غير البعثية السابقة له، ولأن الغالبية من الشعب السوري لا تتعدى أعمارهم الثلاثين عاماً فإن معظمهم لم يعرفوا إلا البعث، فكراً وممارسة. على أن أهمية الحزب بدأت تتناقص خلال عهد الأسد بينما ازداد الالتفاف حول شخصيته. ومما قاله المؤلف عن «استمرار حظر مناقشة الطائفية علانية»: إن الاهتمام السياسي خارج سوريا بالطائفية والإقليمية والعشائرية - بجانب الهوية العرفية والتنوُّع- أصبح بارزاً أكثر من الانبعاث الجلي لمثل هذه العوامل خلال الثمانينيات والتسعينيات في غضون الصراعات المختلفة في بقاع العالم. أما في سوريا فما زال هناك حظر على التحدُّث عن الولاءات والتناقضات والخصومات الطائفية والإقليمية والعشائرية، وبخاصة في الدوائر الرسمية القومية العربية.

ولكتاب الدكتور نيقولاس فان دام عن «الصراع على السلطة في سوريا» ثلاثة ملحقات. أما الأول فهو «تحليل بعثي للطائفية والإقليمية والعشائرية»، وهو عرض لموقف الحزب المُصرَّح به عن هذه الأمور، لكن من الواضح أن طرحه لأفكاره المقبولة في ظاهرها لا يتفق مع ممارساته في الواقع. وأما الثاني فعرض لاعترافات حول الطائفية في وحدات الجيش بحماة. وأما الثالث فهو تحليل عن القوات المسلحة السورية. وهذا الملحق مهم جداً. ذلك أنه يُوضح موقف النظام الذي يرى أن يكون الجيش جيشاً عقائدياً لا جيشاً احترافياً. ولو فرض أن النوايا حسنة فإن بناء الجيش بناء غير احترافي إضعاف له ولدوره مُدافعاً عن الوطن ومُحرراً لما اغتصب من ترابه.

وفي الختام يرى كاتب هذه السطور أن الكتاب، الذي ألفه الدكتور نيقولاس فان دام عن «الصراع على السلطة في سوريا» كتاب جديد بالقراءة لما يشتمل عليه من معلومات وتحليلات تسهم - كما قيل في الحلقة الأولى من هذه المقالة - في معرفة ما جرى ويجري الآن على الساحة السورية من أحداث تُمزِّق أفئدة قلوب المخلصين لأُمَّتهم.

 

قراءة في كتاب الصراع على السلطة في سوريا -3-
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة