ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 11/07/2012 Issue 14531 14531 الاربعاء 21 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

 

مواطن محب وابن بار ووفيٌّ لوالده
عبدالعزيز بن محمد آل محبوب الدوسري

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ .

الحياة والموت والصحة والمرض من سنن الكون وكلنا ولله الحمد مؤمنون راضون بقضاء الله وقدره فلك الحمد ربنا حمداً فوق الحمد حتى ترضى ولك الحمد ربنا إذا رضيت ولك الحمد ربنا بعد الرضا، ولك الحمد إذْ قضيت ألاّ تموت نفس إلا بإذنك كتاباً مؤجلاً، ثم الصلاة والسلام على سيد الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين. إن رحيل الأمير نايف فقد كبير وحزن عميق حينما يغادرنا من عرفته أميناً على أمن هذا الوطن الغالي وحريصاً على سلامة المواطن وعيشه ومستقبله، وزارعاً الأمل في نفوس الأبناء، معلماً وحكيماً، في الأزمنة الصعبة، والعواصف المتلاطمة، نودعه وقلوبنا تدمع قبل عيوننا؛ مؤمنين بقضاء الله وقدره، ومؤمنين بأن الموت حق على كل مخلوق؛ ويبقى طعمه غصة في الحلق لا يعتادها الإنسان مهما عبر الأحبة والأعزة فوق جسر الرحيل ساعة بعد ساعة وجيلاً بعد جيل.

لم يكن يوم السبت 26-7-1433هـ يوماً عادياً؛ كان يوماً حزيناً تكدرت فيه الخواطر، في نبأ تركني ذاهلاً لا أجد لوقعه تعليلاً. في لحظة لم أكن قادراً على تصور شدة وطأتها لكني آمنت إنها إرادة الله تتجلى قاهرة لتتركنا حيارى في تعليل سرها فسبحان الحي الذي لا يموت، لقد كان يوم وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف يوماً نشر فيه كتابه بين الناس يسردون مناقبه ويتذكرون محاسنه ويسألون الله أن يضاعف حسناته وأن يغفر سيئاته؛ وبفقدنا هذا الرمز الكبير أحببت أن أشارك الجميع بهذا الرثاء لأهوّن من أثر هذه الصدمة، وأقول: إن القلب ليحزن والعين لتدمع وإنا عليك يا أمير الأمن لمحزونون.

لست كاتباً ولا إعلامياً ولا من الذين عملوا بقرب من المغفور له بإذن الله ولست الوحيد أو الأكثر حباً لسمو الأمير نايف.....؛ ولكني مواطن محب وابن وفي بار بوالده كتب هذا المقال رغبة في عرض بعض ما شاهد أو سمع عن مآثر نايف بن عبدالعزيز؛ وتعبيراً لما أكنه من مشاعر حب وأحاسيس صادقة تجاه سموه، سأبدأ الحديث بإيجاز عن سيرة ومسيرة سموه حيث نشأ في كنف والده المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود المعروف بنهجه المميز في التربية والتعامل الحكيم مع الأبناء، وبين إخوانه نشأ نشأة صالحة في بيئة إسلامية عربية أصيلة متميزة أكسبته الحكمة والكرم والشهامة، كما أن تلقيه تعليمه على أيادي مجموعة من كبار علماء ومشايخ العلوم الشرعية، والآداب والشعر العربي الفصيح، والعلوم السياسية والدبلوماسية والإدارة، أثرت على حياة سموه وأخلاقه وفكره وبعد نظره، لقد كان أساس هذه التنشئة التقيد بشرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتربية على محاسن الأخلاق، وهذا ما أكسب شخصية سموه ونظرته للحياة عمقاً وفراسةً وبصيرة في حياته العملية منذ توليه أول مناصبه القيادية وهو لم يتجاوز العشرين من عمره خادماً لدينه ثم وطنه ومليكه في إمارة منطقة الرياض ومن ثم وزارة الداخلية حتى أن أصبح ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية حتى وفاته يرحمه الله. أمضى هذه السنوات الطويلة في أداء هذه الأمانة بنظرة ثاقبة وحكمة بالغة، وبحنكة سياسية بارعة وإدارية ماهرة وأمنية متميزة يشهد لها القاصي والداني، كما يشهد الجميع على حكمته وبعد نظره في معالجته لمختلف القضايا المعقدة وقائداً فذاً محنكاً متعدد المواهب يتميز بتعامله الرفيع وحلمه غير المحدود وحزمه في نفس الوقت؛ إذ يتمتع بحس إنساني مرهف يكره العنف ويرفض القسوة، عرف عنه الحزم في الحق واللين في مواضعه، كان قدوة بكريم خلقه وتواضعه الجم غزيراً كالبحر في عطائه وفي مشاعره الأبوية الدافئة نحو أبناء وطنه حيث عرف الأمير نايف بمساعدة المحتاج وحبه لفعل الخير في شتى المجالات خاصةً اهتمامه الشخصي بعلاج المرضى سواء في الداخل أو في الخارج على نفقته الخاصة، وحرصه على دعم العلم و أهل العلم من الطلاب للدراسة وطلب العلم في المدارس و المعاهد والكليات والجامعات في داخل المملكة وخارجها على نفقة سموه, كما عرف عن سموه قربه من الشعب واستماعه لهم بكل اهتمام و تقبله الأمور بكل رحابة صدروحكمة و التماسه لحاجة المواطن بشكل مستمر و في كل وقت، وظهر ذلك جلياً في أعماله ومنجزاته خلال تنقله في مختلف المسؤوليات التي أمضى فيها الشطر الأكبر من حياته كسب فيها حب واحترام الجميع على مستوى الشعب السعودي والعالم العربي و الإسلامي و العالم أجمع، يصعب الحديث عنها في هذه العجالة؛ التعبير يعجز عن توصيف نايف بن عبدالعزيز الذي كوًن علاقات متميزة مع مختلف فئات المجتمع إذ كان على مسافة واحدة من الجميع علماء ومثقفين ومفكرين ورجال أعمال بادية وحاضرة كل هؤلاء كان لهم نصيبهم في مجالسه، وقبل ذلك في قلبه وفكره واهتماماته. لقد أثمرت جهود المغفور له بإذن الله عن تنمية شاملة لقطاعات العمل الأمني، فكان العين الساهرة المتابعة لأمن البلاد في مدنها ومحافظاتها وقراها وأمن حدود البحر وسواحله والبر ومنافذه، ومكافحة الجريمة والمخدرات وقراصنة تهريبها، كما أولى اهتماماً بالغاً بالملفات الأمنية والعمل على تطويرها بوصفها شراكة بين المواطن والمؤسسات الأمنية، ومن ذلك المعالجات الفكرية لقضايا التطرف والإرهاب التي تم تفكيك شبكاتها وتجفيف منابعها، وكان ذلك بمواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة من خلال المحاورة والمناصحة لأهل هذا الفكر المنحرف ورد جنوحهم إلى جادة الصواب والعقل، كان الأمير نايف مواجهاً للتفريط والجفاء والأفكار الدخيلة على ديننا ومجتمعنا من مناهج ونظريات ملحدة وتغريبية وغيرها، وعُني بتعزيز القيم المجتمعية المحافظة والأصالة الإسلامية والتقاليد العربية الأصيلة مع مواكبة للتطور والتحديث والأخذ بالنافع والمفيد وإبراز صورة المجتمع السعودي المحافظ والمتمدن للعالم أجمع.

وليقينه -رحمه الله تعالى- بأن قدر هذه الأمة وأحد أهم أسباب خيراتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد دعم الحسبة وموظفيها مادياً ومعنوياً، وله في ذلك المواقف المشهودة، كان حاضراً باستمرار يجسد ألم الوطن. ويدعم أعمال الخير بلا حدود؛ فلم تكن إسهامات الأمير نايف مقتصرة على الوطن والمواطنين وهي إسهامات متميزة بكل المقاييس وعصية على الحصر لكنها امتدت عبر تاريخه المجيد إلى الدول العربية والإسلامية بل والعالم أجمع، فأعمالـــــه الإنســانية الضخمة بحجمها والكبيرة في عددها فاضت إلى خارج الحــدود , والمبادرات التي تبناها والمواقف التي اتخذها ساهمت في حل العديد من القضايا الشائكة فنال بجدارة احترام وتقدير العالم، وذلك من حرصه الدائم على وحدة الصف في الداخل أو الخارج، في أصعب الظروف وأحلك اللحظات كانت حكمته تعلو على أصوات الفُرقة وبواعث التمزق، وكانت الأبصار تشرئب نحوه، تستلهم بصيرته وتطلب حكمته وسعة أفقه، ساهم بشكل واضح لأن تكون المملكة ساحة للتسامح والأخوة، وكان صوته في المحافل العربية والدولية، صوت الحكمة وصوت الوحدة وصوت الواقعية والحرص على المصلحة العليا للأمة وعلى متانة الجبهة الداخلية العربية للحفاظ على الأمن ومواجهة الإرهاب والمكائد الخارجية، موظفاً في ذلك شخصيته القيادية التي تختزن القيم العربية الأصيلة، والخبرة المديدة التي تكونت من تجربته الأمنية والسياسية التي كانت تجعل لكلمته أبلغ الأثر في نفوس الآخرين، وهي تجربة تجسدت في تأسيس إستراتيجية الأمن في المملكة، ثم في تدعيم أواصر العمل في دول مجلس التعاون الخليجي و العربي المشترك ووحدة الصف الإسلامي. وهنا يحق لي أن أشيد بمواقف سموه في مختلف الجوانب الإنسانية والاجتماعية كذلك مساهماته المتميزة في خدمة العلم والمعرفة كدعمه لكراسي البحث العلمي والدراسات في المراكز والأقسام في الجامعات. كما برزت جهود سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز على المستويين العربي والدولي من خلال تبنيه وإشرافه المباشر على اللجان والحملات الإغاثة والعمل الإنساني لمشاريع التبرعات الشعبية والحكومية التي تتبناها وتقدمها المملكة للشعوب العربية والإسلامية وللدول الصديقة.

واليوم وقد رحل نايف الأمن والأمان ونائف الخير رحل صاحب التعامل الرفيع صاحب النفس المملوءة بكل معاني الإنسانية وبكل مشاعره الأبوية الدافئة نحو أبناء وطنه، رحل عنا من أدرك أحاسيسنا الشعبية، ولبى احتياجاتنا الأمنية، رحل فشق على المملكة بل الأمتين العربية والإسلامية جمعاء رحيله للمكانة العظيمة التي كان يحتلها بشخصه؛ لكن أمثاله لا يغربون إلا ليشرقوا من جديد، بفضل ما فاض من منجزاتهم محلياً وإقليمياً ودولياً، لهذا فالعزاء في فقد أمثاله هو في مكوثهم الأبدي في وجدان الأمة، وفي ذاكرتها، واليوم وقد رحل سموه من دار الفناء إلى دار الخلود، رحل عنا بجسده وبقيت صورته زاهية بما قدم للبلاد والعباد، تحكي لنا مسيرة السياسة و الحكمة وتلهمنا الاستنارة برؤيته.

رحل عنا وقد أسس و بتميز إستراتيجية الأمن في المملكة وجعلها مضرب المثل في كل مكان من خلال رسم ووضع الخطط والبرامج التي أعدت بمهارة للأجهزة الأمنية للقيام بدورها بكل كفاءة أصبحت المملكة من خلالها واحة أمن لكل مواطن ومقيم على أرضها الطيبة، كما قاد ودرب رجالاً أوفياء سيكملون المسيرة بعون الله على الخطى التي رسمها لهم، حيث كان مدرسة متكاملة جامعة لكل صفات العظماء، ثاقب النظرة عميق الرؤى يميل للتأني والتقويم المتبصر متجرداً من الهوى في رأيه الذي كان أميل للحق والصواب، وهبه الله مواهب وقدرات لا حدود لها ويزيد من عظمة هذه المواهب نفسه العظيمة القادرة والواثقة، يساند ذلك كله توفيق الله له في كل خطوة.

أمثال نايف الأمن وناصر الحق تموت أجسادهم لأن الموت حق على الأحياء جميعاً ولكن ذكره لا يموت لأنه من أولئك الذين فرضوا أنفسهم على الناس بالحب والرحمة والعطف والحنان. فله في قلوب معاصريه ذكر لن يموت ولن يستأثروا بذكره وحدهم وإنما ستشاركهم فيه الأجيال تلو الأجيال. اللهم اغفر له، اللهم أحسن لقاءه وطيب روحه ووسع مدخله وأعل في الصالحين مقامه واجعله اللهم من المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

عزاؤنا انك أسست لعطاء يستمر عملاً صالحاً وممتدا في إخوتك وأبنائك البررة وشعبك المحب مصداقاً لحديث رسولنا صلى الله عليه وسلم. فعمل ابن آدم ينقطع بموته إلا من ثلاث: الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به، والابن الصالح الذي يدعو له، وأنت أيها الراحل الكبير أبقيت الثلاث كاملة.

لله ما أعطى ولله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل، وإننا بقضاء الله راضون، ولما أصابنا محتسبون، ولا نقول إلا ما يرضي الله عز وجل وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .

السكرتير الخاص بمكتب معالي وزير النقل

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة